لا يلزم من عدم تكفير طائفة الحكم لجميع أفرادها بالإسلام
الأمر الثاني: إذا قيل عن طائفة ما: إن السلف تنازعوا أو ترددوا في تكفيرهم فإنه لا يلزم من ذلك الجزم بأن جميع أعيان هذه الطائفة، مسلمون في نفس الأمر، بل قد يكون فيهم المنافق.
قد يقول قائل: وكيف نعلم هذا المنافق؟
نقول: العلم به ليس بلازم؛ لأن المنافقين الأولين الكفار حتى الرسول ﷺ نفسه لم يكن عارفًا بجميع أعيانهم، وإن كان يعلم بعضهم، وهذا واضح في كتاب الله بعد استقرار شأن النفاق وفضح المنافقين في سورة التوبة، فإنه مع ذلك بقي في المنافقين بقية غير معلومة، فقد قال الله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة:١٠١].
ثم إن هذا العلم لم يكن من العلم الفاضل، ولو كان علمًا فاضلًا لجميع المسلمين، أو من علم التكليف، أو من علم الديانه لعلّمه الرسول ﷺ جميع الصحابة، ولم يخص به حذيفة ﵁ دون غيره.
فإن قيل: خشي الفتنة.
قلنا: لو كان خشي الفتنة بتعليم العامة من الصحابة -أي: جمهور الصحابة- لم لم يعلمه الكبار: كـ أبي بكر، وعمر وأمثالهما؟!
فهذا دليل على أنه ليس من العلم المقصود لذاته، ولكن من أظهر النفاق عُلم نفاقه، كما أن من أظهر الإسلام عُلم إسلامه، ومن استفاض إيمانه عُلم إيمانه، ومن أظهر الكفر عُلم كفره ..
وهكذا، فالأمور معتبرة بظواهرها في الأحكام الشرعية.
والنتيجة الأولى: أن القسم الثالث طوائف تنازع السلف -أي: بين أعيانهم- أو ترددوا -أي: تردد الواحد منهم- في تكفيرهم، وهذا التردد، أو التنازع، لا يلزم منه براءة أصول هذه الطائفة أو تلك من مادة الكفر.
والنتيجة الثانية: أنه لا يلزم منه أن لا يقع في أعيانهم من هو كافر في نفس الأمر، ويكون ما يظهره من الإسلام من باب النفاق، وإن قيل: إنه ممكن إلا أنه لا يلزم أن يعين ويعلم.
وعليه: فحكاية الإجماع في مسألة الرافضة ليست حكاية منضبطة.
7 / 9