بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر قال الشيخ الإمام العالم العلامة وحيد دهره وفريد عصره، علي بن أبي الحرم القرشي، المعروف بابن النفيس: لكل زمان مقال، والفاضل جالينوس قد شرح كتاب الفصول لإمام هذه الصناعة أبقراط شرحا كشف أسراره، وأفاض على ملتمسي هذا الفن أنواره، لكنه اعتمد على فطانة مشتغلي أهل زمانه في مواضع ظاهرة فقصد فيها الاختصار، وخصوصا بيان ترتيب كل فصل في موضعه ومناسبته لما يحتف به، فظن بعض من جاء بعده وعسر عليه فهمه أن ذلك لعدمه الترتيب، حتى بالغ في التحذلق قادحا فيه فقال: إنه عديم الضبط، كثير الخبط. فأحببت أن أكتب في ذلك من المباحث ما أظهر به محاسنه، وأثير دفائنه، وأنا أسأل الله المعونة على ذلك وألتمس A من الأصدقاء الذين من أهل المعرفة أن لا يبادروا فيما خالفت فيه المشهور بالنقض (1) والإبطال دون المراجعة والتأمل الخالي عن سوء الظن بالزمان وأهله، فالاعتبار بما قال لا بمن قال. وقد جرت عادة الشراح أن يفتتحوا كتب الشروح بتطويلات في مدح تلك الصناعة ومدح الكتاب الذي يشرح، وقد رأيت أن لا أضيع الزمان فيها.
المقالة الأولى من كتاب الفصول لأبقراط
[aphorism]
قال أبقراط: العمر قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر، وقد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج.
[commentary]
पृष्ठ 3
الشرح: العمر هو مدة بقاء النفس متصرفة في البدن، وهو مدة الحياة. والصناعة ملكة نفسانية يقتدر بها على استعمال موضوعات B ما نحو غرض من الأغراض على سبيل الإرادة، صادرة عن بصيرة بحسب الممكن فيها، فجميع العلوم إذا صنائع. وأما الطويل والقصير: فإن الطويل يقال مطلقا، كقولنا: الزمان طويل؛ ويقال مضافا، وكذلك القصير، ويجب أن يكون حقيقة في غير المضاف لأن الطويل هو شيء له طول، والطول هو الامتداد ولهذا يقال: "الخط طول لا عرض له" والامتداد غير مضاف، فالطويل كذلك ولا يمكن أن يكون الشيء قصير إلا إذا كان متناهيا. ويدل على تناهي العمر وجوه: أحدها: البدن مركب من أجزاء أماكنها الطبيعية متباينة، واجتماعها بالقشر، والقشر لا يدوم. وثانيها: لا يمكن تكون البدن إلا من جسم رطب مقارن لحرارة تعقده وتنضج غذاءه وتحلل فضلاته، فيجب أن تبخره لا محالة، لكن الغذاء يقوم بدل المتحلل، والقوة الغاذية جسمانية، فتكون متناهية. وثالثها: بقاء البدن بدون الغذاء محال، وآلة القوة الغاذية هى الحرارة فيلزمها تحليل البدن، فإذا طال الزمان قوى التحليل لدوام المؤثر في متأثر واحد، A ولا يزداد الغذاء لأنه ليس واحدا فيدوم تأثير المؤثر فيه، وذلك مؤد إلى الجفاف وانطفاء الحرارة الغريزية لفناء مادتها، التي هى الرطوبة الغريزية، التي هى كالدهن للسراج، ويلزم ذلك ضعف الهضم وغلبة الرطوبات الفضلية التي هى كالماء للسراج. ورابعها: لو بقيت أشخاص الناس بلا نهاية لم يبق لما عداهم مادة ولا مكان ولا رزق، فيجب بقاءهم على العدم دائما وبقاء الأولين على الوجود دائما، وهو ظلم. وإذا ثبت أن العمر متناه، فأقول إنه قصير، لأن البدن رطب، قابل للتحلل سريعا، وقد فارقته حرارة غريزية محللة تعاضدها الحرارة المستفادة من الحركات البدنية والنفسانية والحرارة الخارجية، وكل ذلك محلل للبدن، فالعجب من بقائه لا من سرعة فنائه. وغالب الأعمار ما بين الستين والسبعين سنة، وأطولها مائة وعشرون سنة وقلما تجاوز ذلك، والعمدة في ذلك على الاستقراء، وأما ما جاء في التواريخ وصدقتها الكتب الإلهية من إثبات الأعمار الطويلة المجاوزة لتسع مائة وخمسين سنة فلعل B ذلك كان قبل زمان أبقراط بكثير، فإن تقدير أبقراط الأسنان هو بحسب هذا العمر. فإن قيل: إذا كان الموت واجبا والعمر قصير، فأي فائدة في صناعة الطب. قلنا: ليس الغرض من الطب أن يمنع الموت أو يطول العمر مطلقا أو بحسب نوع الإنسان، بل أن يبلغ كل شخص أجله المقدر له بحسب قوة مزاجه ومقدار رطوبته وحرارته، بأن يحمي رطوبته عن العفن البتة وعن التحلل الزائد على المجرى الطبيعي. فإن قيل: إما أن تكون إرادة الله تعالى أو علمه، أو الطالع النجومي، اقتضى أن زيد لا تعفن رطوبته أو لا تتحلل بأكثر من المقدار الواجب، أو لا يمرض، أو أنه يبريء من مرضه، أو أنه اقتضى أضداد ذلك؛ فإن كان الأول استغنى عن الطب، وإن كان الثاني لم يفد استعماله. قلنا: ينبغي لقائل هذا أن يستريح من كلفة الطعام والشراب، فإن كانت هذه الأشياء المذكورة اقتضت حياته لم يضره ترك الغذاء والشراب وإلا لم يفده استعمالهما، وما يجيب عنه فهو جوابنا. وأما أن الصناعة طويلة: A ونريد بالصناعة صناعة الطب؛ لأن الألف واللام لها في اللغة ثلاثة معان: أحدها: الاستغراق، بأن يكون موقعها موقع كل، ولا يستقيم بأن يكون هذا مرادا لأن بعض الصنائع قصيرة جدا. وثانيها: تعريف الحقيقة، وظاهر أن هذا غير مراد، فإن نفس مسمى الصناعة من حيث هى هى لا يصدق عليه أنه طويل. وثالثها: المعهود، والمعهود هاهنا هو الطب، ويدل على طوله أن من جملة موضوعاته بدن الإنسان من جهة ما يصح ويمرض، وبدن الإنسان دائم التغير في كمه وكيفه لأن التحليل دائم والغذاء الوارد لا يوجد منه ما هو شبيه به في كيفياته من كل جهة، فهو يغيره لا محالة؛ وكذلك الهواء الخارجي في أكثر أوقاته لا يكون شبيها بكيفية بدن الإنسان. وإذا كان التغير دائما كانت أحواله متبدلة دائما، وأحوال الموضوع هى مطالب الصناعة، فتكون مطالب هذه الصناعة كثيرة جدا، وهذا معنى طولها. فثبت أن العمر قصير في نفسه، وأن الصناعة طويلة في نفسها، ويلزم ذلك كون كل واحد منهما كذلك بالقياس B إلى الآخر. ولو كان مراده أن العمر قصير بالنسبة إلى الصناعة، وأن الصناعة طويلة بالنسبة إلى العمر كما هو المشهور، لكان ذلك تكرارا بلا معنى. ولو قيل: إن العمر قصير بالنسبة إلى أكثر الصنائع، وأن الطب طويل بالقياس إلى تلك الصنائع، فيلزم أن يكون العمر قصيرا جدا بالنسبة إلى الطب لحسن، ولكنه بعيد عن اللفظ. وأما أن "الوقت ضيق" والوقت والطرفة واللحظة والساعة كلها متقاربة المفهوم وتستعمل للزمان القصير، ويريد بذلك الزمان الذي يمكن الإنسان صرفه إلى تحصيل هذه الصناعة من جملة عمره، لأن في بعض العمر يكون الإنسان طفلا أو شيخا أو نائما أو مشغولا بمهام. ويمكن أن يكون مراده الزمان الذي يبقى فيه بدن الإنسان على حاله، ليكون ذلك دلالة على طول الصناعة. وأما أن "التجربة خطر" فلأن موضوع الصناعة قابل للفساد بسرعة. ثم كثير من الصنائع وإن شاركت الطب في قبول موضوعها الفساد، إلا أن موضوع الطب أشرف؛ فكان خطره أعظم. والتجربة هى امتحان ما يؤثره الشيء في البدن بإيراده عليه، وذلك على قسمين؛ أحدهما: امتحان ما اقتضاه القياس، كما إذا دل القياس A على برودة الكافور فأردنا امتحان ذلك. وثانيهما: امتحان الشيء من غير قياس. ولا شك أن الخطر في القسم الثاني أعظم. وأما أن "القضاء عسر" والقضاءهو الحكم، فقيل: أراد الحكم على المريض بما يؤول إليه حاله من صحة أو عطب، ولا شك في عسر ذلك. وقيل: أراد الحكم بموجب التجربة، وذلك عسر أيضا؛ لأن التجربة إنما يوثق بها إذا كانت على بدن إنسان، وكان الوارد خاليا عن كل كيفية غريبة، واستعمل في علل متضادة وبسيطة بما قوته مقاربة لقوة العلة، وكان فعله أولا ودائما أو أكثريا؛ ولا شك أن ما (2) توقف على ذلك فهو عسر، وخصوصا إذا كنا استعملنا صنوفا من المعالجة، كالفصد والاستفراغ وسقي أدوية فحصل النفع، فإنا لا ندري عن أيها حصل. وقيل: أراد بالقضاء القياس؛ لأن القياس يلزمه الحكم بموجبه فأطلق اسم اللازم على الملزوم. ولا خفاء بعسر معرفة صحيح القياس من فاسده، ولو سهل التمييز بينهما لما خالف العلماء ولا ناقض أحدهم نفسه. ونقول:العلم الذي يميز بين صحيح القياس وفاسده هو المنطق، فلابد للطبيب القايس من معرفة المنطق. فظهر B أن العمر قصير وأن الصناعة طويلة، ومع ذلك فالوقت الذي يمكن الإنسان تعلمها فيه ضيق، ومع ذلك فتعلمها صعب؛ لأن آلة اكتسابها هو التجربة وهى خطر والقياس عسر. وأما باقي الكلام فبعضهم جعله منفصلا عن الأول وبعضهم جعل الكل فصلا واحدا، وجالينوس قال: سواء كان الجميع فصلا واحدا أو فصلين فليس الباقي على نهج الأول؛ لأن الأول إخبار عما ذكرناه، والثاني مشورة، قال: وهو مشورة على قاريء الكتاب إذا أراد امتحانه، لأنه قد يقع الخطأ بإغفال هذه الأشياء فيظن كذب ما تضمنه الكتاب. أقول: بل وإن كان ظاهره كالمشورة، فالمراد منه بالذات ليس المشورة، بل ليكون كالبرهان على صعوبة استعمال هذه الصناعة، كأنه قال: ومع ما بينا من صعوبتها وطولها وقصر العمر عنها فاستعمالها عسر؛ لأنه لا يكفي في استعمالها الاقتصار على فعل ما قد فرغ العمر في تعلمه، بل يحتاج إلى مراعاة أمور أخرى غير مضبوطة، كشهوة المريض وأخلاقه ومن يحضره من الخدم والعواد، وأشياء أخر خارجية كالأخبار الواردة عليه، A وغير ذلك لتكون هذه على وجه ينتفع به، ولا شك أن ذلك صعب جدا. وهاهنا شك أورده فاضل في زماننا وقد زدنا في تقريره ما يفعله المريض ومن يحضره، والأشياء التي من خارج إما أن تكون مما ينبغي أن يفعل فتكونداخلة فيما يتوخاه، أو تكون مما ينبغي أن لا تفعل فينبغي أن تقتصر على فعل ما ينبغي دونها، أو لا يكون مما ينبغي أن يفعل ولا مما ينبغي أن لا يفعل فلا حاجة للطبيب إلى التعرض لها البتة. وجوابه: إن معنى قولنا: "إن كذا (3) مما ينبغي يفعل" هو أن الصناعة تقتضيه، وهذه الأشياء ليست من الأشياء التيتقتضيها الصناعة. ولكن ليس كل ما (4) تقتضيه الصناعة لا ينبغي للطبيب أن يفعله، فإن كون الطبيب عدلا أمينا وغير ذلك ليس مما تقتضيه الصناعة وينبغي للطبيب أن يكون كذلك. فإن قيل: العادة جرت في أوائل الكتب أن تمدح الصنائع وترغب فيها،فكيف ابتدأ أبقراط ببيان صعوبتها وطولها. قال بعضهم: غرضه الصد عنها؛ وهو قبيح وبعيد عن المعقول. وقال آخر: ليبين أنها B تخمين؛ وهو بعيد عن اللفظ وغير لائق بافتتاح الكتب. وقال آخر: لإقامة عذره في تصنيف الكتب لئلا تدرس الصناعة ولا يسع عمر الإنسان لابتداعها. وقال آخر: ليبين السبب في تصنيفه هذا الكتاب على طريق الفصول ليسهل حفظه وفهمه فيمكن في العمر القصير أن ينال منها طرفا. وقال آخر: لإقامة عذر الطبيب إذا أخطأ. وقال آخر: ليحبب (5) المتعلم. وقال آخر: لامتحان همة الطالب. وهذه الأقاويل كلها حسنة ويمكن أن تكون مراده. واعلم أن جميع الشراح اقتصرت همتهم على بيان وجه افتتاحه بهذا الفصل، ونحن نرجوا أن يوفقنا الله لبيان ترتيبه لكل فصل.
[aphorism]
पृष्ठ 8
قال أبقراط: إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء اللذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، نفع ذلك وسهل احتماله؛ وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق، فإنها إن خلت من النوع الذي ينبغي أن تخلو (6) منه نفع ذلك وسهل A احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وينبغي أيضا أن تنظر في الوقت الحاضر من أوقات السنة، وفي البلد، وفي السن، وفي العادة، وفي الأمراض هل توجب استفراغ ما هممت باستفراغه أم لا؟
[commentary]
पृष्ठ 8
الشرح: إنما قدم هذا الفصل لأن غرضه إثبات قاعدة عامة يجب تقديمها في أول الكتاب، وهى أنه ينبغي للطبيب أن يحذو فعل الطبيعة، وخصص المثال عليها بالاستفراغ لأنه يتكلم في هذه المقالة في قوانين التغذية، وهى إنما تكون بعد نفض الفضول من الأمعاء وغيرها. وأيضا فلاغذاء هو خلف لبدل ما يتحلل، والتحلل استفراغ؛ فوجب تقديم الكلام في الاستفراغ لأنه مقدم على التغذية. وإنما ينبغي أن يستفرغ ما كان فاضلا، والفضل هو الامتلاء، والامتلاء على ثلاثة أنواع: امتلاء الأوعية فقط، وهو أن تكون الأخلاط -مع صلاح كيفياتها- زائدة في المقدار. وامتلاء بحسب القوة فقط، وهو أن تكون الأخلاط -مع اعتدال مقدارها- خارجة B عن الطبيعة في كيفياتها. وامتلاء بحسب الأوعية والقوة، وهو أن تكون الأخلاط -مع رداءة كيفياتها- زائدة في كميتها. وهذا الثالث أولى بوجوب الاستفراغ، ثم الثاني. ونعني بالنوع الذي ينبغي أن ينقى (7) منه البدن كل ما (8) هو غير طبيعي، إما في جوهره كالحصا والثفل والخلط العفن، أو في كيفيته كالدم الحار أو البارد، أو في كميته كالدم إذا كثر، أو في كيفيته وكميته كالدم الكثير إذا فسد. والدليل على ذلك قوله: "وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد" معناه: وإن لم يكن المستفرغ طوعا في استطلاق البطن والقيء من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، ضر ذلك وعسر احتماله. ولو كان الخلط الزائد في كميته -مع صلاح كيفيته- ليس من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، لبطل ذلك؛ لأن استفراغه ينفع ويسهل احتماله. ويعني "بالطوع" ما لم تستكره الطبيعة على إخراجه بدواء مسهل ولا بغيره، سواء A كان إخراجه طبيعيا كالثفل، أو لا يكون كخروج الأخلاط الفاسدة. ويعني "بخلاء العروق" الاستفراغ الصناعي لأنه أكثر ما يكون بالفصد أو الأدوية المسهلة، وذلك يازمه خلاء العروق، فأطلق اسم اللازم على الملزوم. وأما أنه إذا كان المستفرغ طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع وسهل احتماله، فلأن إخراج المؤذي نافع وسهل الاحتمال لأن الطبيعة لا تظن به، فيسهل عليها مفارقته، إلا أنه قد يتبع ذلك ضرر كثوران حرارة أو حمى يوم أو إعياء في الأوعية أو سحج في الأمعاء ولا يحس بنفعه في الحال إلى أن يزول العارض. وأما في الحال فيحس الضرر، ولكن ذلك الضرر لا لكونه استفراغ ما ينبغي أن ينقى البدن منه، بل لأمر آخر كضعف المعا وحدة الخلط وغير ذلك. وأما أنه إذا كان المستفرغ طوعا لا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، كان على الضد؛ فلأن ما ليس مما ينبغي أن ينقى البدن منه فهو طبيعي، والبدن يحتاج إليه وينتفع به، وإخراج النافع المحتاج إليه B لا شك أنه يكون ضار أو عسر المفارقة لأن الطبيعة تكون مشتملة عليه ضانة به؛ وكذلك فافهم الحال في الاستفراغ الصناعي. ولما ثبت أن الاستفراغ إذا كان من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع وسهل احتماله، وإذا لم يكن كذلك ضر وعسر احتماله، وجب أن يكون النفع بالاستفراغ وسهولة الاحتمال لازما مساويا لكون المستفرغ من النوع الذي ينبغي أن ينقا البدن منه؛ لأنه لو كان أعم منه لجاز حصوله عند كون المستفرغ لا من ذلك النوع فلايصدق قوله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وإذا ثبت أنه لازم مساو، فيستدل بكل واحد منهما على الآخر، فإن علمنا أن هذا المستفرغ من ذلك النوع علمنا أن الاستفراغ ينفع ويسهل احتماله. وإن علمنا أن هذا الاستفراغ نفع وسهل احتماله، علمنا أنه كان من ذلك النوع، لكن هذا الاستدلال إنما يكون بعد الاستفراغ فينبغي أن نذكر علامات تدل على ذلك النوع قبل الاستفراغ ليتأتى لنا الإقدام عليه، فقال: A "وينبغي أيضا أن تنظر في الوقت الحاضر من أوقات السنة. إلى آخره" ولم يذكر اللون. وإن كان يدل على الخلط الغالب لأنه قد يقع (9) من جهته غلط، وهو إذا كان الخلط غائرا. وهذه الأدلة المذكورة بعضها أقوى من بعض، فإن الشيخ لو مرض في الشتاء وفي بلد بارد مرضا صفراويا، استفرغناه الصفراء ولم نلتفت إلى ما يوجبه البلد والسن والوقت. بقى هاهنا أسئلة، أحدها أنه: لما خصص اللاستفراغ الطوعي بالقيء واستطلاق البطن والحكم عام؟ وثانيها: لما عبر عن الاستفراغ الصناعي بخلاء العروق؟ وثالثها: لما ذكر أولا حكم الاستفراغ الطوعي ثم ذكر حكم الاستفراغ الصناعي، مع أنه كان يمكن ذكرها في قضية واحدة لأن الحكم واحد؟ الجواب: أما الأول فلأن ما سوى القيء واستطلاق البطن، كالرعاف والإدرار والعرق، لا يقع من غير النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن إلا نادرا، فلا يظهر به التمثيل على أن الاستفراغ الطوعي إذا لم يكن من ذلك النوع ضر وعسر B احتماله؛ ولأن غالب الاستفراغ الطوعي يكون بالقيء واستطلاق البطن. وأما الثاني؛ فلأن التغيير بهذا اللازم أكثر فائدة، لأنه يفيدنا معرفة أن الدواء المسهل يخرج ما في العروق، ويفيدنا أيضا أنه ما دام من النوع فينبغي أن يستفرغ إلى أن تخلو (10) العروق منه ولا يلتفت إلى كونه كثيرا أو غير ذلك. وأما الثالث؛ فإن ذلك لإثبات القاعدة التي هى المقصودة من الفصل، وهى أنه ينبغي أن يحذو (11) الطبيب فعل الطبيعة، وذلك لأن الاستفراغ الطوعي الذي من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن هو من فعل الطبيعة فقط، ثم إن الاستفراغ الصناعي إذا كان موافقا لفعل الطبيعة نفع ولم يضر (12)، وليس ذلك لكونه استفراغا بل لكونه موافقا لفعل الطبيعة، فيجب أن يكون قصدنا أن نفعل كفعل الطبيعة.
[aphorism]
पृष्ठ 11
قال أبقراط: خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر، إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى؛ وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا على حالتهم تلك ولا A يستقروا. ولما كانوا لا يستقرون وليس يمكن أن يزدادوا صلاحا، فبقى أن يميلوا إلى حال هى أردأ (13). فلذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بلا تأخير، كما يعود البدن فيبتديء في قبول الغذاء، ولا يبلغ في استفراغه الغاية القصوى، فإن ذلك خطر لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن الذي يقصد إلى استفراغه. وكذلك أيضا كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى خطر، وكل تغذية أيضا هى عند الغاية القصوى فهى خطر.
[commentary]
पृष्ठ 11
الشرح: إنما ذكر هذا الفصل بعد الذي قبله لوجهين، أحدهما: إنه قد فهم من الفصل الأول أن الطبيب ينبغي أن يحذو فعل الطبيعة فيما تفعله بالذات، كاستفراغ النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، وأنه لا ينبغي أن يحذو فعلها العرضي كالاستفراغ الطوعي لا من ذلك النوع، فأراد أن يبين هاهنا أن هذا ليس مختصا بالاستفراغ بل وفي كل فعل عرضي كإفراط الخصب، فإن فرط الخصب ليس B عن فعل الطبيعة بالذات؛ لأن فعلها بالذات هو هضم الغذاء وتوزيعه، وإنما اتفق أن كان الغذاء كثير التغذية بطيء التحلل فأفرط الخصب. وفي مثل هذا الفعل الذي بالعرض يجب على الطبيب أن يخالفه، كما يجب أن ينقص هذا الخصب. والوجه الثاني: إنه قد فهم من الفصل الأول أن الاستفراغ الصناعي إذا كان من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع وإن بلغ إلى أن تخلو (14) منه العروق، فأراد أن يبين هاهنا أن ما تعدى ذلك لا يجوز إلا بشرط احتمال الطبيعة، ليبين أن كل إفراط فهو مؤذ وعدو للطبيعة. واعلم أن قوله "المفرط" صفة للخصب لا للبدن، ولو جعل صفة للبدن لصح ولكن لا يكون فيه من الخطر ما إذا جعل صفة للخصب، ولا يكون أيضا باقي الكلام مستقيما. وقوله: "خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر" يفهم على وجهين، أحدهما أن يكون تقدير الكلام: "خصب البدن المفرط خطر A لأصحاب" على أن يجعل قوله "لأصحاب الرياضة" من بقية المحمول، فتكون الرياضة هى سبب الخطر فيهم. والوجه الثاني أن يكون تقدير الكلام: "خصب البدن المفرط الذي لأصحاب الرياضة خطر" فيكون المحمول قوله "خطر" وقوله "لأصحاب الرياضة" من الموضوع. وهذا الثاني هو المشهور. قالوا: إنما خصص ذلك بأصحاب الرياضة لأن معنى الخصب المفرط أن لا تبقى معه الأعضاء قابلة للتمدد، ومثل هذا لا يوجد إلا لأصحاب الرياضة أي الذين اتخذوا الرياضة حرفة، كالمصارعين فإنهم يتباهون بزيادة العظم. وأما الرياضة المقصود منها المعيشة كالنجارة والحرث فلا يبلغ بأصحابها الخصب المفرط، ثم بعض من فهم هذا علل أن ذلك خطر بأن الطبيعة دائما توزع الغذاء على البدن، وأعضاء هؤلاء لا تقبل التمدد، فليس يمكن أن يثبتوا على حالتهم تلك ولا أن يزدادوا صلاحا. وأقول: إن صح هذا المفهوم فيكون المراد بالصلاح زيادة B الخصب، كأنه صلاح في اعتقادهم لأن هؤلاء يرون أن زيادة الخصب صلاحا، وإذ لا يمكن أن يثبتوا على حالتهم تلك لأجل زيادة هذا الغذاء الوارد ولا يمكن أن يزدادوا خصبا، إذ الفرض أن أعضاءهم لا تقبل الامتداد، فبقى أن يميلوا إلى حال هى أردأ، وهى: إما أن ينشق عرق، أو يسيل دمهم إلى تجويف القلب أو الدماغ فيقتل. فإن قيل: الخصب المفرط إما أن يمكن وجوده لغير أصحاب الرياضة فلا يكون لتخصيصه بهم وجها، لأن ما ذكرتموه من السبب قائم في غير أصحاب الرياضة. أو لا يمكن حصوله لغير أصحاب الرياضة، فلا حاجة إلى التخصيص بهم، ولهم أن يجيبوا عنه بأنه يحتمل أن يكون ذلك لا للتخصيص بهم بل كالتعريف للخصب الذي هو خطر، كأنه يقول: الخصب المفرط الذي من شأنه أن يعتري أصحاب الرياضة خطر. ونحن نقول: إن حمل الفصل على هذا المعنى لا يصح، أما أولا: فلأن الخصب المفرط لم نجده يعتري أصحاب الرياضة A بل أكثر ما يعتري المتدعين، كأن الرياضة لتحليلها، لا يجتمع من المادة ما يوجب ذلك الخصب. وأما ثانيا: فلأن الدم والأخلاط إذا بلغ من كثرتها أن الأعضاء لا يمكن أن تتمدد لأكثر منها، وجب أن يكون منعها للزيادة أسهل من الهرب أمام النافذ إلى أن تشق عرقا أو تنصب إلى تجويف القلب أو الدماغ وتقهر قوتهما الدافعة، وكيف يبلغ النافذ، إن صح مع قلته أن يوجب لهذه الأخلاط الزائدة جدا هذه الحركة العظيمة. ثم العجب أن نفوذ الغذاء لا يتم إلا بقوة دافعة من العضو النافذ عنه وقوة جاذبة من العضو النافذ إليه، وهذه الأعضاء قد امتلأت جدا بحيث لا تسع الزيادة، فلا تكون قوتها دافعة للوارد أولى من أن تكون جاذبة له، وخصوصا وجالينوس يعترف أن في كل عضو قوة تدفع ما يفضل عن غذائه وإن كان صالح الجوهر، فالعجب كيف تجذب الأعضاء هذا الوارد مع عدم حاجتها إليه وقلة استعداده لتغذيتها وتدفع ما عندها مما هو أتم نضجا واستعدادا B للتعدي وخصوصا دفعا يلزمه شق عرق أو انصباب إلى فضاء قتال. والعجب أن في فحوى الفصل ما يبطل كلامهم، وذلك قوله "كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء" فدل على أنه إذا لم يستفرغ لم يكن فيه قبول للغذاء، فيثبت ما قلناه ويبطل كلامهم. وأما الوجه الأول فالعلة في كون الخصب المفرط خطر لأصحاب الرياضة، أن الرياضة تسخن الأخلاط، والسخونة توجب التخلخل، فيلزمه زيادة حجمها، لكن الأعضاء لا تقبل التمددفيجيء ما قلناه من انشقاق بعض العروق أو انصباب الدم إلى فضاء؛ وهذا الوجه هو الحق ولو صح الوجه الآخر لكان هذا أولى لأن المعنى لا يحوج إلى زيادة في اللفظ والآخر يحوج إلى زيادة . وأيضا فهذا أكثر فائدة من وجهين: أحدهما: إن على هذا يكون الخطر ثابتا، سواء استعملوا الغذاء أو تركوه، وعلى ما ذكروه لا يتحقق الخطر إلا إذا استعملوا الغذاء، وإلا لم يكن A عند الطبيعة ما توزعه. والوجه الثاني: إن حمل الكلام على ما قلناه يخرج لنا من فحوى الفصل برهانين على وجوب الاستفراغ، أحدهما: لنأمن هذا الخطر. وثانيهما: كيما يعود البدن فيبتديء في قبول الغذاء، أي ليخلو (15) البدن من فرط الامتلاء فيمكنه استعمال الغذاء. وعلى ما ذكروه لا يكون لهم دليل على ذلك إلا هذا الثاني. فإن قيل ما ذكرتموه يدل على وجوب الضرر، فلا يحسن أن يقال أن ذلك خطر لأن الخطر لا يكون إلا فيما يتوقع منه الضرر، مع جواز أن لا يكون. قلنا: الجواب عنه من وجهين: أحدهما: إن هذا السؤال غير مختص بما ذكرناه، فإن ما قالوه إذا صح كان الضرر واجبا أيضا. وثانيهما: إن ما ذكرناه لا يدل على وجوب الضرر بل على وجوب زيادة حجم الأخلاط، فيلزمه أحد أمرين: إما شق عرق، أو انصباب الأخلاط إلى أحد التجاويف. ولا شك أن هذه الحالة أردأ ولكن قد لا تكون ضارة لجواز أن يكون الانشقاق B يسيرا من عضو لا يضر ذلك فيه، كالأنف، فيحصل رعاف ثم ينقطع بسرعة، فلايكون في ذلك ضرر، ويجوز أن يكون غير ذلك، فحسن أن يقال أن ذلك خطر. قوله: "ولا يبلغ في استفراغه الغاية القصوى فإن ذلك خطر، لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن الذي يقصد إلى استفراغه". الاستفراغ الذي في الغاية القصوى هو الذي يجاوز استفراغ ما في العروق حتى وصل إلى استفراغ ما في اللحم؛ وذلك لأن الاستفراغ ما دام يخرج ما في العروق مما ينبغي أن ينقى منه البدن نفع وسهل احتماله بما تقدم؛ وأما إذا تجاوز ذلك فأخذ يستفرغ ما في اللحم حتى ينقص له جرم البدن فهو رديء. وإن كان من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن فليس الواجب في الاستفراغ أن يكون بمقدار الامتلاء، بل لابد مع ذلك من مراعاة القوة. ومثل هذا الاستفراغ، أعني الذي يبلغ فيه الغاية القصوى، لا تحتمله القوة، ثم هؤلاء الامتلاء فيهم كثير وقوتهم تامة فإذا A لم يجز أن يبلغ بهم الاستفراغ الغاية القصوى فبأن لا يجوز في غيرهم أولى. ولما كانت القوة تختلف في الناس في مقدار الاحتمال قدر ذلك تقديرا عاما، فقال: لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن الذي يقصد إلى استفراغه، ثم ربما ظن ظان أن ذلك مختص بالامتلاء الذي بحسب الأوعية، لأن الأخلاط تكون صحيحة فلا يجوز أن يخرج منها المقدار المفرط، وأما إذا كان الامتلاء بحسب القوة فإنه يجوز المبالغة في استفراغه إلى الغاية لأنه مؤذ، وإخراج المؤذي مما ينفع، فأعقب ذلك بقوله: وكل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر؛ وذلك لأن المستفرغ سواء كان صالحا أو فاسدا فإنه لا محالة يتبعه أرواح كثيرة، فإذا أفرط في الاستفراغ فقد أفرط في إخراج الأرواح، ولا شك أن ذلك مما يسقط القوة ويوجب الغشي. قوله: "وكل تغذية أيضا هى عند الغاية القصوى فهى خطر" إنما ذكر هاهنا أمر التغذية لوجهين: أحدهما: إن غرضه في هذه المقالة B الكلام في قوانين التغذية، وأما الكلام في الاستفراغ فوقع بطريق العرض فاكتفى فيه بما ذكر ومرج هذا القانون بقانون في التغذية ليكون ذلك مدرجا إلى الكلام في التغذية. والوجه الثاني: ليتم له إثبات القاعدة التي قصدها، وهى أن كل كثير فهو خطر؛ لأن الكثير إما أن يكون إيرادا على البدن كالغذاء المفرط وهو خطر، أو إخراجا من البدن وهو الاستفراغ المفرط وهو خطر؛ فكل كثير خطر. ثم كون التغذية في الغاية القصوى لا يختص ذلك بالكثرة أو القلة أو الغلظ أو اللطافة، بل ما يعم ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة، عسر، مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة. والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة، إذا لم تحتمله قوة المريض، عسر، مذموم.
[commentary]
पृष्ठ 16
الشرح: من هاهنا ابتدأ أبقراط بقوانين أغذية المرضى، لأن الكلام فيها أهم من الكلام في أغذية الأصحاء، لأن شهوة الأصحاء تدعوهم إلى A استعمال الواجب، وشبعهم يمنعهم الزيادة؛ ولا كذلك المرضى، فكثير منهم يفتقر إلى الغذاء ولا شهوة له وكثير منهم مستغن عنه وشهوته مفرطة. وخصص هذا الفصل بالابتداء لأنه في معنى الأول في تقدير كل إفراط فهو خطر، وكان قد ذكر ذلك في الفصل المتقدم مطلقا، فخصص في هذا الإفراط في لطافة الغذاء لأن الخطر في ذلك أشد. ونريد أن نقدم قبل الخوض في تفسير هذا الفصل مقدمة، فنقول: التدبير في اللغة هو التصرف، وفي اصطلاح الأطباء هو التصرف في الأسباب الضرورية. وأبقراط يريد به هاهنا التصرف في الغذاء، وليس في الغذاء مطلقا، بل من جهة ما يقل ويكثر، ويغلظ ويلطف، والغذاء يقال بحسب الطب على معنيين: أحدهما: يقال غذاء للجسم الذي استحال حتى فسدت صورته وحدثت له صورة عضو من الأعضاء الإنسانية فصار جزءا منه وشبيها به لسد بدل ما تحلل منه أو وليفضل أيضا للنمو ويسمى B هذا غذاء بالفعل. وثانيهما: يقال غذاء للجسم الذي هو بالقوة كذلك، وهذه القوة على قسمين: إما قريبة، وإما بعيدة. والذي هو بالقوة البعيدة (16) فهو الجسم الذي من شأنه إذا ورد على البدن الإنساني أن يستحيل إلى أن يصير غذاء بالفعل، والذي بالقوة القريبة فهو الجسم الذي في بدن الإنسان معدا لأن يكون غذاء بالفعل كالأخلاط. فمراد أبقراط بالتدبير التصرف في الغذاء، بمعنى الذي بالقوة البعيدة، كالخبز وغيره. والغذاء بهذا المعنى ينقسم إلى غليظ، ولطيف، ومتوسط. والغذاء الغليظ هو الذي يكون الخلط المتولد عنه غليظا، والغذاء اللطيف هو الذي يكون الخلط المتولد عنه رقيقا. وكل واحد من الغذاء الغليظ واللطيف والمتوسط فقد يكون كذلك بحسب الأصحاء، وقد يكون كذلك بحسب المرضى. وللغليظ واللطيف مراتب: فاللطيف منه لطيف مطلق، وهو بحسب الأصحاء كالأجدية والأكارع؛ وأما بحسب المرضى فكالمزاوير A وأطراف الفراريج. ومنه لطيف جدا وهو بحسب الأصحاء كالدجاج وأطراف الأجدية، وبحسب المرضى كأمراق الفراريج والثخين من ماء الشعير. ومنه لطيف في الغاية، وهو بحسب الأصحاء كالفراريج ومرقة اللحم، وبحسب المرضى كالسويق وماء الشعير المتوسط. ومنه لطيف في الغاية القصوى، وهو في الأصحاء كأمراق الدجاج وأطراف الفراريج والمزاوير، وبحسب المرضى كالحلاب ورقيق ماء الشعير؛ وقد يفسر بعضهم ذلك بعدم الغذاء البتة . وأما الغذاء المتوسط فهو بحسب الأصحاء كلحم الحولي من الضأن والعجول، وبحسب المرضى كالفراريج. وأما الغذاء الغليظ فهو بحسب الأصحاء كالهريسة ولحم البقر، وبحسب المرضى كالأجدية والأكارع. وأقول أيضا: المرض ينقسم إلى حاد، ومزمن. فالمزمن كل مرض يطول مدته أكثر من أربعين يوما، سواء كان مشتملا على خطر أو لا يكون، وسواء أعقب الصحة أو العطب. وأما الحاد فمنه حاد بقول مطلق وهو الذي ينقضي في اليوم الرابع عشر، ومنه ما هو أقل حدة وهو الذي ينقضي فيما بعد ذلك إلى السابع B والعشرين، ومنه حاد المزمنات وهو ما ينقضي فيما بعد ذلك إلى الأربعين، ومنه حاد جدا وهو ما ينقضي فيما بين الحادي عشر والتاسع. وأما ما ينقضي في السابع فما دونه، فإما أن يكون مشتملا على خطر أو لايكون، والأول إن كان ينقضي فيما بين الرابع والسابع فهو الحاد في الغاية، وما كان في الرابع فما دونه فهو الحاد في الغاية القصوى، وأما ما لا يكون مشتملا على خطر كحمى يوم فلا يقال له حاد ولا مزمن ومع ذلك فقد يطول ستة أيام أو أكثر كما في الاستحصافية والسددية. وأقول أيضا: الغذاء صديق الطبيعة لأنه يقويها، وعدوها لأنه يقوي عدوها الذي هو المرض، فيجب أن يراعى في ذلك الأهم وهو القوة إن كانت ضعيفة، أو المرض إن كان عظيما. والغذاء يستعمل في الأصحاء ليخلف بدل ما يتحلل منهم وللنمو إن كانوا في سنه، ويلزم ذلك تقوية قواهم أو حفظها على حالها. ويستعمل في المرضى ليحفظ قوتهم A إلى حين يمكنها دفع المرض، أو ليقويها إذا طرأ ضعف زائد. ويمنع الغذاء في المرض لئلا تشتغل الطبيعة بالتصرف فيه عن دفع المرض ولأغراض أخر نذكرها في مواضعها فإن كان لنا مع ذلك غرض حفظ القوة قللنا في كميته أو في تغديته أو فيهما معا، فبما نغذوا نراعي جنبه القوة لئلا تخور قبل المنتهى، وبما نقلل نراعي جنبه المادة لئلا تزيد فيزيد المرض؛ ويجب أن نراعي في ذلك أهمهما. واعتبار الأهم يكون من وجهين: أحدهما: باعتبار المرض. وثانيهما: باعتبار القوة. أما باعتبار المرض فيختلف (17) ذلك باختلاف مرتبته، فإن عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر لأنا نعلم أن منتهاها بعيد وتحتاج فيها الطبيعة إلى مجاهدة كثيرة، بسبب غلظ المادة وكذلك أزمن المرض، فإذا لم تقو (18) القوة لم يؤمن عليها أن لا تبقى بالثبات إلى المنتهى ولم تف بنضج ما تطول مدة إنضاجه؛ فلذلك يكون B استعمالنا الغذاء فيها أكثر، ويكون في ابتدائها أكثر، وكلما قرب المنتهى نقصناه ثقة بما سلف وتخفيفا على القوة وقت جهادها. وأما الأمراض الحادة فإن بحرانها قريب، فنرجوا أن لا تخور القوة قبل انتهائها، فإن خفنا ذلك لم نبالغ في تقليل الغذاء. وإذا تحققت هذه المقدمة فنقول: الواجب في الأمراض المزمنة أن يكون الغذاء في أولها غليظا بحسب المرضى، ثم متوسطا، ثم لطيفا؛ وقد يستعمل فيها اللطيف جدا عند المنتهى. وأما الغذاء البالغ في اللطافة فلا شك أنه فيها عسر مذموم . قوله: "التدبير البالغ في اللطافة" يريد التدبير بالأغذية البالغة في اللطافة، ووصف التدبير بذلك على سبيل المجاز. فإن قيل: لما خصص ذلك بالتدبير البالغ في اللطافة، مع أنه لو قال: "التدبير اللطيف في الأمراض المزمنة عسر مذموم" لصح وشمل جميع أصناف ما هو لطيف لأن الأمراض المزمنة لا تدبر بالتدبير اللطيف. قلنا: خصص بذلك لوجهين: أحدهما: A إن بعض الأمراض المزمنة تدبر بالتدبير اللطيف، وهى التي في أول درجات الأمراض المزمنة. وأما البالغ في اللطافة فإنه عسر مذموم في جميعها لا محالة . وثانيهما: إن التدبير اللطيف قد يستعمل في بعض أوقات الأمراض المزمنة كالمنتهى. فإن قيل: ولما خصص ذلك بالأمراض المزمنة وهو في الصحة عسر مذموم أيضا؟ قلنا: ذلك لوجهين: أحدهما: إن كلامه هو في تدبير أغذية المرضى. وثانيهما: إن التدبير اللطيف، فضلا عن اللطيف جدا، فضلا عن البالغ في اللطافة لا يستعمل في حال الصحة إلا لغرض غير تدبير الصحة، وعند ذلك الغرض لا يلتفت إلى كونه مذموما في تدبير الصحة. فإن قيل: لما قال في الأمراض المزمنة التدبير البالغ في اللطافة، وقال في الحادة التدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة؟ وأيضا لما قال في الأمراض المزمنة في جميع الأمراض المزمنة ولم يقل ذلك في الحادة؟ وأيضا لما شرط في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله القوة ولم يشترط ذلك في المزمنة؟ B الجواب: أما الأول فلأن التدبير الذي لا يبلغ في الغاية من اللطافة أقصاها، قد لا يكون مذموما في بعض الأمراض الحادة ولا في بعض أوقاتها؛ وبه يخرج الجواب عن الثاني. وأما الثالث فلأن بعض الأمراض الحادة، وهى التي في الغاية القصوى من الحدة تحتمل القوة فيها ذلك، فلا يكون فيها مذموما، ولا كذلك الأمراض المزمنة.
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد تخطيء المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم، وذلك أن جميع ما يكون منه من الخطأ أعظم مما يكون منه في الغذاء الذي له غلظ يسير، ومن قبل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطر لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم (19) أقل؛ فلذلك صار التدبيرالبالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
पृष्ठ 20
الشرح: هذا الفصل يوجد على نسختين، إحداهما وهى التي اختارها جالينوس A وهى التي ذكرناها. ومعنى ذلك أن الخطأ عن الواجب المائل إلى اللطافة أعظم خطرا من المائل إلى الغلظ إذا كثر مضار الغليظ إطالة المرض بتغليظ المادة وتكثيرها، وذلك أسهل كثيرا من إسقاط القوة باستعمال اللطيف. ويصير الإشارة في قوله: "ومن قبل هذا" إلى المذكور في الفصل، أي: ولما كان ذلك في المرضى خطرا فهو في الأصحاء أولى بالخطر، لأن المرضى قواهم مشغولة بالمرض عن التصرف في الغذاء؛ ولهذا قد يبقى أحدهم مدة بغير غذاء لا يبقى الصحيح فيها. وإذا ثبت أن التدبير الألطف من الواجب أشد خطرا في المرض والصحة من الأغلظ، فلا شك أنه في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا. ويكون تعلق هذا الفصل بما قبله، لأنه كالمؤكد له؛ فإنه إذا كان التدبير اللطيف ألطف مما يجب خطرا ، فالبالغ في اللطافة إذا لم تحتمله القوة لا خفاء أنه عسر مذموم. والنسخة الثانية هكذا في B التدبير اللطيف قد تخطيء (20) المرضى على أنفسهم خطأ كثيرا فيعطم ضرره عليهم. ومعنى ذلك هو أن المرضى إذا استعمل لهم الواجب -بحسب المرض- من التدبير اللطيف فقد يخطئوا على أنفسهم بأن تحملهم الشهوة على ما هو أغلظ كثيرا وأضر مما لو كان الأطباء استعملوا لهم أغلظ من الواجب قليلا. وهذا من جملة ما قاله في أول الكتاب، وهو: "قد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك" ويؤكد ذلك أنه نسب الخطأ إلى المرضى. وأما في المعنى الثاني، فالمخطئ هو الأطباء لا المرضى. ويكون تعلق هذا الفصل بما قبله أنه لما بين أن التدبير البالغ في اللطافة عسر مذموم إذا لم تحتمله قوة المريض، فبين في هذا أن ذلك مذموم أيضا، وإن احتملته قوتهم، إذا كانت الشهوة لا تحتمله، فينبغي أن لا تقتصر على مقدار احتمال القوة، بل يجب مع ذلك مراعاة الشهوة أيضا. فإن قيل: فكيف يستقيم A على هذا التفسير قوله: ومن قبل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطر، لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم (21) أقل. فإن هذا يقتضي أن يكون احتمال الأصحاء إذا استعملوا الأغذية الغليظة في تدبيرهم اللطيف أقل من احتمال المرضى، وذلك باطل. قلنا: يجوز أن تكون الإشارة في قوله: "ومن قبل هذا" لا تعود إلى هذا المذكور في الفصل فقط، فلا يلزم ما ذكرتموه، ويكون تقدير الكلام: ولما كان تلطيف التدبير في المرضى قد يكون رديئا. وذلك في الأمراض المزمنة، وعند عدم احتمال القوة في جميع الأمراض كما بين في الفصل المتقدم، ومع قوة الشهوة وإن احتمله المرض والقوة كما بين في الفصل، مع أن المرض ينبغي أن يقلل فيه الغذاء ويلطف لأن قواهم مشغولة عن استعمال الغذاء بالمرض، فبالأولى أن يكون التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء خطرا. ولم يقل التدبير اللطيف لأن التدبير اللطيف B -بحسب الأصحاء- هو مثل الأجدية والأكارع، وذلك ليس بخطر. فثبت أن التدبير البالغ في اللطافة خطر في حالتي الصحة والمرض. وكذلك قال: فلذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا. وإنما لم يقل في كل الحالات؛ لأن بعض الأمراض قد ينتفع فيها بالتدبير البالغ في اللطافة.
[aphorism]
قال أبقراط: أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى، التدبير الذي في الغاية القصوى.
[commentary]
पृष्ठ 22
الشرح: ربما قيل: قد جرت العادة بتقديم تعريف الجيد والنافع ليستعمل، ثم تعريف الضار والرديء ليجتنب. فلما عكس ذلك أبقراط، قلنا: إنما فعل ذلك لتتميم إثبات أن كل إفراط رديء. ويريد "بالأمراض التي في الغاية القصوى" التي هى كذلك في الحدة، وهى التي بحرانها في الرابع فما دونه. "وبالتدبير الذي في الغاية القصوى" الذي هو كذلك في اللطافة؛ لأن A الظاهر ثبات القوة بالتدبير الذي في الغاية القصوى في هذه المدة اللطيفة، لأنه لا يصح أن يقال في مرض أنه في الغاية القصوى من الأزمان ولا في غذاء من أغذية المرضى أنه في الغاية القصوى من الغلظ. بقى أنه يقال: إنه أراد ما يعم الحدة والشدة لأنه يصح أن يقال: أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى من الشدة هو الذي في الغاية القصوى من القوة. وفي التي في الغاية القصوى من الضعف، هو الذي في الغاية القصوى من الضعف. لكن هذا لا يستقيم لو أراد بالتدبير التصرف فيما يعم الغذاء وغيره. فإن قيل: إن حمى يوم قد تنقضي في يوم واحد، ومع هذا فالغذاء لا يجب تلطيفه فيها، وخصوصا في الجوعية. قلنا: قد بينا أن حمى يوم ليست من الأمراض الحادة، والكلام في تقدير الغذاء بحسب حدة المرض وإزمانه، وذلك لتشتغل الطبيعة بنضج المادة ولا يعيقها عن ذلك الغذاء، وحمى يوم ليست من الأمراض المادية. B
पृष्ठ 22
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بدءا، ويجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة. فأما إذا لم يكن كذلك، لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. وإذا بلغ المرض منتهاه فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة.
[commentary]
पृष्ठ 23
الشرح: أما بيان تعلق هذا الفصل بما قبله فظاهر، لأنه لما فرغ من تقدير الغذاء بحسب الأمراض المزمنة وتقديره بحسب الأمراض التي في الغاية القصوى من الحدة، وجب أن نذكر تقديره بحسب الأمراض التي هى في الحدة دون ذلك. وقد فرغنامن تقسيم الأمراض بحسب مراتبها وأقسام الأغذية اللطيفة فيما مضى. ونريد "بالأوجاع التي في الغاية القصوى" أعراض المنتهى؛ لأن الأمراض يكمل اشتدادها عند المنتهى. واعلم أن لأكثر الأمراض A أربعة أوقات، وما يخرج عنها فهو من الصحة لأن كل مرض من شأنه أن يشتد وينقص، فإنه إذا ظهر فإما أن يظهر اشتداده أو انتقاصه، أو لا يظهر واحد منهما. والأول هو وقت التزيد، والثاني هو وقت الانحطاط، والثالث إن كان قبل التزيد فهو وقت الابتداء، وإن كان بعده فهو وقت الانتهاء. وكل ما يشتد ثم ينقص فبالضرورة يقف بينهما، ضرورة أن بين كل حركتين مضادتين وقوف. ولكن لا نعني بالانتهاء هو ذلك الوقوف فإن ذلك قد يكون غير محسوس، بل نعني به الوقوف في الحس وهو الزمان الذي بعد التزيد ولا يظهر فيه التزيد ولا الانتقاص، وإن كان قد يكون بعض ذلك الزمان اشتداد أو انتقاص في نفس الأمر لكنه غير محسوس. فعلى هذا يكون الانتهاء زمان محسوس وحكم مخصوص. وأما الابتداء فقد يراد به ما قلناه وهو الزمان الذي يظهر فيه المرض ولم يظهر بعد اشتداده ولا انتقاصه، B وقد يراد به أول ساعة حصول المرض، وقد يراد به الأيام الثلاثة الأول، وهذا المعنى هو المراد بقوله بدءا لاستحالة حصول أعراض المنتهى في المبتدأ بالتفسرين الأولين. قوله: "ويجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة" قد يظن ظان أن هذا هو تدبير هذا المرض، وليس كذلك، فإن تدبير ما يقال أنه حاد جدا ما هو أغلظ من ذلك، بل مراد أبقراط أنه في ذلك الوقت أي وقت ظهور تلك الأوجاع وهو أول ظهور علامات المنتهى يكون تدبيره ذلك. قوله: "فأما إذا لم يكن كذلك" أي لم يكن مما تأتي الأوجاع التي في الغاية القصوى فيه بدءا فهذا لايكون حادا جدا لأن كل حاد جدا فهو كذلك. فبقى أن يكون إما حادا بإطلاق، أو ما هو أميل إلى الإزمان، وإما حادا في الغاية أو في الغاية القصوى ، لكن الحاد في الغاية وفي الغاية القصوى يخرجان بقوله: لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ A من ذلك. قوله: "فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى" لما بينا أن المرض كلما كان أحد كانت الحاجة إلى غذاء أقل، وكلما كان أقل حدة كانت الحاجة إلى غذاء أكثر. فإن قيل: قوله: "ونقصانه عن الغاية القصوى" إنما يحسن إذا كان المرض الذي فرض أن هذا المرض ألين منه هو المرض الحاد في الغاية القصوى، لكن ذلك هو الحاد جدا، فكان ينبغي أن يقول: فينبغي أن الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الحاد جدا. قلنا: ليس هذا بلازم؛ لأنه يكون معناه أن المرض إذا لم يكن حادا بل ألين منه فينبغي أن يكون الانحطاط عن تدبير الحاد جدا على حسب الانحطاط عن الغاية القصوى إلى ما سواها أي درجة درجة، وهذا حسن. قوله: "وإذا بلغ المرض منتهاه فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من B اللطافة" لا يريد بقوله "المرض" المرض حاد جدا، بل إما مسمى المرض أو كل مرض، بأن يكون الألف واللام للطبيعة والاستغراق. والظاهر أن المراد هو المرض الذي قال أنه يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من، لأن من الأمراض ما لا يستعمل في انتهائها التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة . وربما قيل: إن -على ما ذكرتموه- يكون الكلام مكررا؛ لأنكم فسرتم قوله: "فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بدءا" على أنه أراد بذلك أعراض المنتهى، وحملتم قوله: "ويجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو الغاية القصوى من اللطافة" على أن ذلك يكون في ذلك الوقت، فحينئذ يغني ذلك عن قوله: "وإذا بلغ المرض منتهاه فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو الغاية القصوى من اللطافة" فتصريحه تكرار لا معنى له. قلنا: ليس ذلك بتكرار لأن ما قاله أولا هو في المرض الحاد جدا وفيه يجب أن يستعمل التدبير A الذي هو الغاية القصوى في أول ظهور علامات المنتهى، وذلك عند حصول الأوجاع التي هى في الغاية القصوى. وما ذكره ثانيا فهو في الأمراض التي تحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك، فإن في مثل هذه لا يجب أن يستعمل فيها التدبير الذي هو في الغاية القصوى إلا إذا بلغ المرض منتهاه؛ وذلك لأن المرض كلما كان أقرب من المبتدأ والأعراض أسكن كان استعمالنا الغذاء أكثر، وكلما جعلت الأعراض تشتد والمنتهى يقرب فقد أخذت الطبيعة في مقاتلة المرض، فقد ينبغي أن يلطف الغذاء أكثر، تخفيفا على الطبيعة وقت المجاهدة وثقة بما أسلفناه من التقوية. وأما غند المنتهى فهو وقت المقاتلة، وإعطاء الغذاء فيه تكثير للعدو، شاغل للطبيعة، غير منتفع به في التقوية لاشتغال الطبيعة عن إصلاحه بالمرض. لكن هاهنا إشكالان، أحدهما: إن ما (22) ذكرتموه باطل طردا وعكسا، فإن التشنج والفؤاق اليابسين B من الأمراض الحادة في الغاية القصوى والواجب فيها استعمال الغذاء الغليظ، والفالج واللقوة من الأمراض المزمنة والواجب فيها الغذاء اللطيف. فأجيب عن هذا: وقيل إن ما ذكرناه مختص بالحميات ولا حاجة إلى هذا التخصيص، بل نقول: إن هذا يعم كل مرض مادي يندفع بمقاتلة الطبيعة للمرض وتحتاج إلى إنضاج فهناك تحتاج إلى تقليل الغذاء عند قرب المقاتلة وتكثيره عند أول المرض ليفي بالتقوية إلى وقت المقاتلة. وأما في الفؤاق والتشنج اليابسين فإن استعمال الأغذية الكثيرة فيهما لا لأنهما مرض حاد أو مزمن، بل ولا لكونه غذاء، بل لإفادته الترطيب. وأما تقليل الغذاء في الفالج واللقوة فذلك في أول حصولهما رجاء منا أن يكون من الأمراض القريبة المنتهى، وأما إذا طالت وتحققنا من إزمانها لم يكن علاجها إلا بأغلظ أغذية المرضى، وإن كان قد يكون لطيفا بحسب الأصحاء. والإشكال الثاني: إن العمل على خلاف ما ذكرتموه، فإن الأطباء يمنعون في أوائل الحميات ثم يستعملونه في التزيد وفي A المنتهى، بل ربما استعملوا في التزيد ماء الشعير وفي المنتهى أمراق الفراريج. والجواب: إنه لا يناقض ما يستعمله الأطباء لما قلناه، لأن ما قلناه هو بحسب طبيعة المرض، وأما استعمال الأطباء، ما ذكرتموه إن سلمنا صدقه فليس كذلك، بل إما لنفرة المريض عن الغذاء في وقت الابتداء أو ليقدم تخمر وامتلاءات، فهم يرجون ترك الغذاء في الابتداء عطف الطبيعة على تلك المادة لتنضجها وتأخذ منها الغذاء، أو لأن المرض دموي أو بلغمي فيرجون بترك الغذاء الاغتذاء من مادة المرض أو لأشياء أخر توجبها المباشرة.
[aphorism]
पृष्ठ 26
قال أبقراط: ينبغي أن تزن أيضا قوة المريض فتعلم إن كانت تثبت إلى وقت منتهى المرض، وتنظر إلى أي الأمرين كائن: أقوة المريض تخور قبل منتهى المرض ولا يبقى على ذلك الغذاء؟ أم المرض يخور قبل وتسكن عاديته؟ والذين يأتي منتهى مرضهم بدءا فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدءا، والذين يتأخر منتهى مرضهم B فينبغي أن تجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ، ثم ينقص قليلا قليلا كلما قرب منتهى المرض، وفي وقت منتهاه بمقدار ما تبقى قوة المريض عليه، وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض فإن الزيادة فيه مضرة.
[commentary]
पृष्ठ 27
الشرح: إن جالينوس جوز أن يذكر هذا في فصلين، وأن يذكر مع ما قبله فصلا واحدا، وأن يذكر ما قبله فصلا واحدا وهذا فصلا واحدا، ونحن فقد اخترنا هذا الأخير، ونقول: الأصل الذي يعتمد عليه الأطباء في تقدير الغذاء هو باعتبار قانونين: القانون الأول هو باعتبار حال المرض، أمزمن هو أو حاد، وقد فرغنا من ذلك. والقانون الثاني هو باعتبار القوة، وهو الذي نذكره الآن، وهذا وجه ذكر هذا بعد ما قبله. وقد كنا بينا أن الغذاء كما يزيد القوة يزيد في المرض، فينبغي أن لا يستعمل منه إلا مقدار ما يحفظ القوة، فينبغي أن يكون الطبيب عارفا بالمقدار الذي يمكن بقاء القوة منذ أول A المرض ليكون تدبيره مبنيا على ذلك، فينظر أي غذاء تبقى عليه القوة إلى أن يخور المرض، وأي غذاء تخور القوة باستعماله ولا يبقى لها إلى وقت منتهى المرض من القوة ما تدفع به المرض. ويعرف ذلك بوجوه منها النبض، ومنها السحنة في سرعة انخراطها وبطؤه، ومنها كون المرض طويلا أو قصيرا؛ فإن الذين يأتي منتهى مرضهم بدءا أي في الأيام الأول الظاهر بقاء قوتهم في هذه المدة القصيرة وإن لطفوا التدبير جدا، والذين يتأخر منتهى مرضهم فينبغي أن تجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ ثم ينقص من غلظه قليلا قليلا كلما قرب منتهى مرضهم وفي وقت منتهاه، لما بينا أن المنتهى إذا قرب كانت الحاجة إلى تغذية أقل، وكلما كان المرض أقرب إلى المبتدأ كانت الحاجة إلى التغذية أكثر. ثم إنه لم يطلق ذلك بل جعله مقدرا بمقدار احتمال ما تبقى قوة المريض عليه. ومعنى قوله: "أنها تبقى" أي أنها تبقى وافية، ولا يريد بقاءها على ما هى عليه في أول B المرض، فإن ذلك ليس بمطلوب في المرضى ولا يمكن أيضا لأن الغذاء الذي يحفظ قوتهم على ما هى عليه يزيد في مرضهم زيادة بينة. بقى هاهنا إشكالات: أحدهما: إن العادة جرت بأن التدبير الذي يقال له أنه لطيف بقول مطلق يكون أغلظ كثيرا من الذي يقال له أنه لطيف جدا، فضلا عن الذي يقال إنه لطيف في الغاية، فضلا عن الذي هو لطيف في الغاية القصوى. ثم إنه قال فيما تقدم : "وإذا كان المرض حادا جدا فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بدءا، ويجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة" فالعجيب كيف يكون المرض الذي تظهر مبادئ المنتهى فيه بدءا يكون تدبيره بالذي هو في الغاية القصوى من اللطافة، والمرض الذي يأتي فيه المنتهى نفسه بدءا يدبروا بالتدبير اللطيف. وجوابه: إنا قد بينا هناك أن مراده بقوله: "ويجب ضرورة" أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من A اللطافة أي في ذلك الوقت وهو حين ظهور علامات المنتهى، وأما هنا فإنه قال: "ينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدءا" ومراده هاهنا بقوله: "بدءا" أي في أول ظهور المرض، وحينئذ لا يرد الإشكال على أن اللطيف يعم ما هو لطيف جدا وما هو لطيف في الغاية القصوى. الإشكال الثاني: إنه قد تقدم تقدير الغذاء بحسب مرتبة المرض، وهو الآن إنما يتكلم في تقديره بحسب القوة، فكيف انتقل عن ذلك قائلا بأن الذين يأتي منتهى مرضهم بدءا فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدءا، والذين يتأخر منتهى مرضهم فكذا وكذا. قلنا: ليس مراده هاهنا تقدير الغذاء بحسب مرتبة المرض، بل بحسب القوة، ثم اعتبر تقدير القوة بمرتبة المرض. الإشكال الثالث: إن قوله: "وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض فإن الزيادة فيه مضرة" لا يستقيم؛ لأن كون الزيادة مضرة لا يوجب المنع من الغذاء أصلا. الجواب: إن الضمير في قوله: "فإن الزيادة فيه" يجوز أن يكون عائدا إلى المرض، ويكون تقدير الكلام: "فإن الزيادة في المرض B مضرة" فإن قيل: فهذا لا يختص بوقت المنتهى فكان ينبغي أن يمنع الغذاء في المرض جملة. قلنا: هو في المنتهى أضر لأنه يكون كالنجدة للعدو من غير زيادة في القوة لعد تصرف الطبيعة فيه كما ينبغي بسبب اشتغالها عنه بالمرض. ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى الغذاء الزائد على ما يجب، كأنه يقول: وينبغي أن تمنع من الغذاء الزائد على ما ينبغي في وقت منتهى المرض فإن الزيادة فيه مضرة. فإن قيل: وهذا لا يختص أيضا بوقت المنتهى فإن الزيادة على ما يجب دائما مضرة. قلنا: ليس كذلك، فإنه قد يجب الزيادة على المقدار الواجب إذا كانت الشهوة مفرطة كما قلناه في فصل "في التدبير اللطيف قد تخطئ المرضى على أنفسهم" فإن تلك الزيادة وإن كانت قد تجب، لكنها لا يجوز استعمالها في هذا الوقت. الإشكال الرابع: إنه قال فيما مضى: وإذا بلغ المرض منتهاه فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة، وذلك كما بينتم A بمثل ماء الشعير الرقيق والجلاب وغير ذلك، وهاهنا قد أوجب منع الغذاء بالكلية إذ قال: "وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض" فكيف الجمع بين القولين. قلنا: أما أولا: فإن كان الضمير في قوله: "فإن الزيادة فيه مضرة" عائدا إلى الغذاء الزائد على ما يجب لم يرد الإشكال؛ لأنه يكون هناك أمر بالغذاء الذي في الغاية القصوى من اللطافة، وهاهنا منع من الغذاء الزائد على المقدار الواجب ولا منافاة بينهما. وأما ثانيا: فإن هذا الكلام هو بحسب ما تقتضيه القوة وفيما مضى كان الكلام فيما يوجبه المرض، ولا منافاة بين أن يكون مقتضى القوة أن لا غذاء في المنتهى ومقتضى المرض أن يكون فيه غذاء ولكن في الغاية القصوى من اللطافة، على أن من الناس من التدبير الذي في الغاية هو عنده عدم الغذاء البتة، فلا يكون بين القولين خلاف.
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان للحمى أدوار، فامنع من الغذاء أيضا في أوقات نوائبها. B
पृष्ठ 29
[commentary]
पृष्ठ 30
الشرح: الغذاء كما يختلف حكمه في القلة والكثرة واللطافة والغلظ بحسب القوة وبحسب الأمراض، كذلك يختلف باختلاف أحوال الأمراض وهى النوائب التي تكون فيها. ونعني بالدور مجموع زمان الأخذ والراحة، وبالنوبة زمان الأخذ. ونقول: كل مرض فإما أن يكون له نوائب أو لا يكون. فالذي لا نوائب له لا يختلف الغذاء بحسب نوبته إذ لا نوبة له، والذي له نوائب فإما أن يمتنع أخذ الغذاء فيها حينا وذلك كالصرع، وإما أن لا يمتنع حينا كالحميات. والحميات منها ما لا نوبة لها فلا يكون لها أدوار كالدق والمطبقة، ومنها ما لها نوائب فيكون لها أدوار. وإذا كان للحمى أدوار فينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت النوبة لوجوه: أحدها: أن الحرارة تشتد لاجتماع حرارة الحمى مع حرارة طبخ الغذاء. وثانيها: أن الطبيعة تتوجه إلى الغذاء وإلى المرض فيكون فعلها في كل واحد منهما أقل مما لو انفرد فيجب أن A ينقص فعلها في مادة المرض فتطول النوبة وتصعب، ويجب أن يفسد الغذاء لقصور فعل الطبيعة فيه فتزيد مادة المرض ولا يحصل به تقوية يعتد بها. وثالثها: أن الغذاء في ذلك الوقت مغلظ زائد في المادة فيجب أن تطول النوبة. واعلم أن وقت النوبة أولى بمنع الغذاء فيه، فإن كانت الحمى لا تفارق ولها فترات جعل الغذاء وقت الفترة، وإن كانت لا فترات لها جعل في الوقت الأبرد من النهار واحتمل ما يوجبه الضرر المذكور إذ لا مندوحة عن التغذية. ولا كذلك زمن النوبة، فإنه يمكن التأخير إلى أن تفارق، وهذا يكون إذا احتملت القوة التأخير وإلا وجب الغذاء ولو وقت البحران. فإن قيل: ما الفائدة فيقوله: "وإذا كان للحمى أدوار فامنع من الغذاء في وقت نوائبها" وكان يمكنه أن يقول: وإذا كان للحمى نوبة فامنع فيها الغذاء. قلنا: لأنه قد يكون للحمى نوائب ولا يكون لها أدوار، وذلك بأن تكون حميات ويكون B حدوث النائبة عند فراق الأولى ولا يكون لها راحة، ولا يكون لها راحة فلا يكون لها دور، وفي مثل هذه يجب استعمال الغذاء في وقت النوبة.
[aphorism]
قال أبقراط: إنه يدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته الأمراض أنفسها، وأوقات السنة، وتزيد الأدوار بعضها على بعض، نائبة كانت في كل يوم أو يوما ويوما لا أو في أكثر من ذلك من الزمان، والأشياء أيضا التي تظهر من بعد. مثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب، فإنه إن ظهر النفث فيهم بدءا منذ أول المرض كان المرض قصيرا، وإن تأخر ظهوره كان المرض طويلا. والبول والبراز والعرق إذا ظهرت بعد، فقد تدلنا على جودة بحران المرض ورداءته، وطول المرض وقصره.
[commentary]
पृष्ठ 31
الشرح: أما وجه تعلق هذا الفصل بالفصول المتقدمة فظاهر، وذلك لأن الغذاء يختلف تقديره في القلة والكثرة والغلظ بحسب اختلاف كون المرض مزمنا، أو قليل الحدة، أو حادا مطلقا، أو حادا جدا، A أو في الغاية؛ وذلك هو مرتبة المرض. وكذلك بحسب نوائبه، فإنه يمنع أويقلل يوم النوبة ويكثر يوم الراحة. وكذلك بحسب نظامه، ويفسر جالينوس النظام بكون المرض حادا جدا، أو في الغاية، أو بقول مطلق. ويجوز تفسيره بغير ذلك وهو كون أدوار المرض وبحارينه وغير ذلك في الأوقات التي تقتضيها طبائع الأمراض في العادة، وذلك لأن المرض إذا كان منتظما كنا عالمين بوقت الراحة وبمقدار طولها وقصرها وطول النوبة وقصرها، فعندما يتوقع قرب الراحة يمنع الغذاء، وعندما يتوقع بعد النوبة يكثر الغذاء. وإذا توقعنا قرب مجيء النوبة منعنا الغذاء أو قللناه فوجب ضرورة أن نعرف العلامات الدالة على كل واحد من ذلك، ليمكن إذا عرفناه أن نعمل بمقتضاه؛ وقد مضى الكلام في كل واحد من ذلك وتقدير الغذاء بحسبه إلا النظام، والسبب في تركه ظهور تقدير الغذاء بحسبه لمن عرف القوانين B المذكورة. وأقسام العلامات الدالة على ذلك أربعة؛ لأن تلك العلامات إما أن تكون هى الأمراض أنفسها، أو لا تكون. والثاني إما أن لا تكون مختصة بالأمراض كأوقات السنة وفي حكمها السن والبلد والعادة وغيرها، أو تكون مختصة إما بالأحوال الجزئية للأمراض كتزيد الأدوار، أو تكون مختصة بالأحوال الكلية للأمراض كالعلامات الدالة على البحران وعلى النضج، وتسمى هذه الأشياء التي تظهر من بعد؛ لأن حدوث ذلك في أول المرض محال، لأن النضج يتبع استيلاء الطبيعة على المادة، ولو كانت الطبيعة مستولية في أول المرض لم يحدث. فلنفصل الكلام في واحد واحد من هذه الأربعة، ونبين دلالته على كل واحد من الأشياء الثلاثة، وهى نوائب المرض، ونظامه، ومرتبته: الصنف الأول: وهو الأمراض أنفسها، ويدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، لأن المرض إذا كان حمى غب A خالصة دل على أنه ينوب يوما ويوما لا، وأنه يكون منتظما، وأنه أطول ما يكون ينقضي في سبعة أدوار. وكذلك فاعرف الحال في الربع وفي أمراض أخرى. الصنف الثاني: الأشياء التي لا تختص بالأمراض بل توجد معها ومع الصحة، وهذه الأمراض كالأعراض العامة، وذلك كأوقات السنة. ويدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، لأن الزمان إذا كان صيفا كانت نوائب الأمراض ذوات النوائب غبا؛ لأنها تكون في الأكثر صفراوية، وكانت الأمراض قصيرة لأن الجزء الهوائي إن وجد القوة قوية أعانها على تحليل مادة المرض، وإن وجدها ضعيفة أعان المرض على إسقاطها بالتحليل. وكذلك إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها، كانت الأمراض منتظمة، وإلا كانت غير منتظمة. الصنف الثالث: الأشياء المختصة بالأحوال الجزئية للأمراض، وذلك كتزيد الأدوار بعضها على بعض، ودلالة ذلك B على النظام ظاهر. وأما على المرتبة، فإن المرض الذي يتزيد أدواره سريعا يكون قصيرا، لأن سرعة اشتداد المرض تدل على حدته، والذي يتأخر فيه تزيد الأدوار يدل على بلادة حركته وطوله. واعلم أنه يريد هنا بالأدوار النوائب، لأن الذي يزيد أو ينقص هو النوبة، ويلزم ذلك زيادة الراحة وقصرها. ولكن مجموع النوبة والراحة الذي جرت العادة بتسميته بالدور لا يزيد ولا ينقص بل أي جزأيه زاد نقص الآخر. وأما دلالة ذلك على على النوائب فمحال لأن معرفة ذلك يتوقف على معرفة النوايب، فلو عرفنا النوائب منه لزم الدور؛ قوله: "نائبة كانت كل يوم" يدل على ما قلنا، أنه يريد بالأدوار النوائب، لأن الأدوار لا تقال أنها تنوب، فثبت أنه أراد النوائب. والنوبة إما أن تكون كل يوم، وذلك إذا كانت الحمى بلغمية خارجة العروق، وسماها نائبة، أو يوما ويوما لا وتسمى الغب الدائرة وذلك إذا كانت الحمى صفراوية، أو في أكثر A من ذلك من الزمان كالربع والخمس والسدس وغير ذلك. الصنف الرابع: الأشياء التي تظهر من بعد، وذلك كعلامات النضج؛ وذلك إما أن يدل على نضج مادة خاصة كالنفث الذي يظهر في أصحاب ذات الجنب، فإنه إن ظهر فيهم بدءا أي في الأيام الأول كان المرض قصيرا، لأن ظهوره يكون لنضج ما، والنضج إنما يكون عن استيلاء الطبيعة على المادة، وذلك يدل على سرعة إخراجها. وإن تأخر ظهوره كان المرض طويلا، لأن تأخر ظهوره دليل على تأخر الطبيعة في الانضاج فوجب أن يتأخر في الدفع. وأقول: إنه إذا طهر النفث في أول يوم، فليتوقع كمال النضج في الرابع والبحران في السابع. وإن ابتدأ ظهوره في الثالث أو في الرابع أو لم ينضج في الرابع، نضج في السابع، وبحرن في الحادي عشر أو الرابع عشر بحسب قرب النفث والنضج وبعدهما. وإن تأخر النفث عن ذلك، فربما تأخر B البحران إلى السابع عشر، بل إلى العشرين والرابع والعشرين، بل قد يتأخر إلى الرابع والثلاثين إذا تأخر النفث عن السابع. وهذا بيان دلالة هذا على المرتبة. وأما دلالته على النوبة فلأن النفث في ذات الجنب في الغالب يكون صفراويا، فيكون اشتداد الحمى غبا، والاشتداد يقوم مقام النوبة. وأما دلالته على النظام، فلأن النفث إن كان نضيجا وفعل الطبيعة فيه متشابها والمادة مفردة كان المرض منتظما، وإلا فقد يكون غير منتظم. وإنما اقتصر أبقراط على بيان دلالته على المرتبة، لأن دلالته عليها دائما وظاهرا، ولا كذلك دلالته على الآخرين. وأما إن كان يدل على نضج مادة غير مختصة بعضو، فخروج ذلك إما أن يكون من منافذ محسوسة أو غير محسوسة. والأول إما أن يكون دائما سيالا وهو كالبول، أو قد يكون متماسكا وهو كالبراز. والثاني كالعرق، وهذه ليست بأنفسها من الأشياء التي تظهر من بعد، بل ولا من A الأشياء الخاصة بالمرض، بل الذي يظهر من بعد ما يظهر فيها من علامات النضج؛ وهذا معنى قوله: "والبول والبراز والعرق إذا ظهرت بعد" أي إذا ظهر فيها علامات النضج بعد، وهذه العلامات الدالة فيها على النضج لا تدل على النوبة ولا على النظام، لأن ذلك قد يكون مع النظام ومع مقابله وفيما له نوبة وفيما لا نوبة له، لكنه يدلعلى مرتبة المرض. فإذا ظهر النضج في هذه سريعا كان المرض قصيرا، وإن ظهر بطيئا كان طويلا بما قلناه. لكن دلالة ذلك ليس دائما، فإنه إذا كان المرض من مادة غير المادة التي تخرج من أحد هذه الطرق، لم يدل النضج في هذه على نضج مادة المرض، فلم يدل سرعة ظهوره على قصر المرض ولا بطء ظهوره على طول المرض، وذلك كذات الجنب فإنه قد يكون البول في أولها نضيجا ولا يدل على قصرها؛ ولهذا قال أبقراط: "فقد تدلنا". وأما قوله على جودة البحران ورداءته فقد وقع B دخيلا، لأنه إنما ذكر في هذا الفصل ما يستدل به على الأشياء الثلاثة التي هى النوبة، والنظام، والمرتبة. وأما بيان أن ذلك قد يدل على جودة البحران ورداءته وليس دائما، فهو ظاهر مما قلناه.
[aphorism]
قال أبقراط: المشايخ أحمل الناس للصوم، ومن بعدهم الكهول، والفتيان أقل احتمالا له، وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان، ومن كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا له.
[commentary]
पृष्ठ 35
الشرح: هذا الفصل مع فصول بعده يجوز أن يكون الغرض منها بيان مقادير أغذية الأصحاء، كما كان الغرض بما قبلها بيان مقادير أغذية المرضى، ويجوز أن يكون الغرض منها تتمة الكلام في تقدير أغذية المرضى؛ وذلك لأن الأسنان تختلف باختلافها مقادير الأغذية فينبغي أن يراعى أمرها في تقدير أغذية المرضى. والصوم قد يراد به الإمساك عن الطعام مدة طويلة، وقد يراد به الاكتفاء بالأغذية اليسيرة، وعلى A هذا المعنى يصح قوله: "المشايخ أحمل الناس للصوم" وأما على المعنى الأول فلا يصح، إلا أن يريد بالمشايخ الذين في أول سن الشيخوخة، فإن المتناهين في الشيخوخة لا يحتملون تأخير الغذاء البتة، لكنهم يحتملون تقليله. ومعنى قوله: "أحمل الناس" أي أقلهم تضررا به وأقلهم جوعا. ونقول: إن الأسنان أربعة لأن البدن إما أن يكون متزايدا أو متناقصا أو لا واحدا منها. والأول هو سن النمو، ويسمى سن الحداثة. والثاني إما أن يكون النقصان ظاهرا ومع ضعف القوة، وهو سن الشيوخ، أو لا يكون كذلك وهو سن الكهول. والثالث وهو سن الشبان. وسنبين مدة كل واحد من الأسنان ونستقصي الكلام فيها في المقالة الثالثة. ولما بين اختلاف الأسنان في احتمالها للصوم بين أن أشخاص السن الواحد قد يختلف في ذلك بسبب اختلاف طباعهم، ومثل على ذلك بالصبيان لأن اختلاف ذلك فيهم أكثر فقال: "وما كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا له" لأن قوة الشهوة B تدل على قوة الهضم الدالة على قوة الحرارة، لأن الكلام في الشهوة الصحيحة الصادقة.
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأبدان في النشوء فالحار الغريزي فيهم على غاية ما يكون من الكثرة ويحتاج من الوقود إلى أكثر مما يحتاج إليه سائر الأبدان، فإذا لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. وأما في المشايخ فالحار الغريزي فيهم قليل، ومن قبل هذا ليس يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير لأن حرارتهم تطفأ (23) من الكثير (24)، ومن قبل ذلك أيضا ليس تكون الحمى في المشايخ حادة كما تكون في الأبدان التي في النشوء، وذلك لأن أبدانهم باردة.
[commentary]
पृष्ठ 36
الشرح: هذا الفصل كالتتمة للفصل المتقدم، ولو زيد في آخر المتقدم لفظة "لأن" فقيل بعد قوله: "فهو أقل احتمالا": "لأن ما كان من الأبدان في النشوء" فكذا وكذا، حتى يصير المجموع فصلا واحدا لحسن ذلك. ونقول: الفرق بين الحار وبين الحرارة أن A الحرارة هى الكيفية نفسها، والحار هو الجسم القائم به تلك الكيفية، وقد يتجوز فيطلق كل واحد منهما على الآخر فيقال: "حار" ويعني به الحرارة، كما يقال:"حرارة" ويعني به الحار، وهذا كما يقال: رجل عدل، وخلق رديء. وقد غلط بعض المتقدمين فأخذ في مناقضة أبقراط مثبتا أن الحرارة الغريزية في الشباب أقوى، وذلك ليس بمناقض؛ فإنه لا امتناع في أن يكون الجسم القائم به الحرارة الغريزية في الأحداث أكثر، وتكون الحرارة الغريزية في أبدان الشبان أشد وأقوى؛ وسنزيد هذا هذا بيانا ونذكر الاختلاف فيه بعد أن نبين حقيقة الحرارة الغريزية فنقول: الحرارة جنس تحته اربعة أنواع: أحدها: الحرارة المحسوسة في جرم النار. وثانيها: الحرارة المستفادة من تأثير الكواكب، كالحرارة المستفادة عن مسامتة الشمس الرأس أو قرب مسامتتها. وثالثها: الحرارة التي توجبها الحركة. ورابعها: الحرارة الموجودة في أبدان الحيوانات التي هى B آلة الطبيعة في الهضم والجذب والتحليل وغير ذلك ، وهذه هى المسماة بالحرارة الغريزية، وقد اختلف الناس فيها فقال بعضهم: هى مزاج الروح، وقيل: هى مزاج البدن كله، وهما فاسدان؛ وذلك لأن الحرارة الغريزية كلما ازدادت (25) شدة ازدادت القوة قوة وازدادت الأفعال الطبيعية، وليس كذلك مزاج الروح أو البدن فإنه مهما خرج عن الاعتدال أورث لا محالة وهنا في القوة وتغيرا في أفعال الطبيعة. وقال بعضهم هى الحرارة النارية العنصرية، وهو باطل لأن آثار الحرارة الغريزية مباينة لآثار الحرارة النارية، وتباين اللوازم يدل على تباين الملزومات. والذي نراه أن هذه الحرارة مباينة بحقيقتها لسائر أقسام الحرارة المذكورة وأنها تفاض على أبدان الحيوانات كما تفاض عليها النفس أو قواها. وأما تحقيق الكلام في ذلك وبسطه فمما لا يليق بالكتب الطبية. وهذه الحرارة هى آلة الطبيعة في آثارها، ولاشك أن الآلة كلما كانت A أكمل وأقوى كانت الأفعال الصادرة بها أقوى، فيلزم أن تكون هذه الحرارة كلما ازدادت قوة ازدادت الأفعال الطبيعية جودة وليس كما يقال أن هذه ما دامت على اعتدالها كانت غريزية فإن أفرطت كانت غريبة، فإن الحرارة الغريزية هى ما تحدث عن الحركة او الأدوية أو العفونة أو غير ذلك، وتلك مخالفة بالحقيقة للحرارة الغريزية فلا يمكن أن تنتقل إليها وإن أفرطت لأن الإفراط لايوجب انتقالا في الحقيقة إلا بأن يتكون شيء آخر، كما إذا أفرط الهواء في الحرارة فإنه ينتقل نارا ولكن ذلك كون وفساد ولا يمكن أن يحصل هذا في الحرارة الغريزية مادامت الحياة موجودة. وقد اختلف الأقدمون في حرارتي الأحداث والشبان فقال بعضهم: إن حرارة الأحداث أقوى، واستدل على ذلك بوجهين: أحدهما: إن الأفعال الطبيعية فيهم أقوى وأكثر، وكل من (26) كان كذلك فالحرارة فيه أقوى. أما أن الأفعال الطبيعية فيهم أقوى؛ فلأن شهوتهم أقوى وهضمهم أكثر وأدوم، فإنهم يهضمون لبدل المتحلل وللنمو. وأما أن الأفعال B الطبيعية فيهم أكثر فلأنهم يزيدون على غيرهم بالنمو. وأما أن كل من كان كذلك فحرارته أقوى؛ فلأن قوة الأفعال وكثرتها إذا كان الفاعل واحدا دليل على قوة الآلة، والآلة (27) الطبيعية في هذه الأفعال هى الحرارة الغريزية. فإن قيل: الاعتراض عليه من وجوه: أحدها: إن قوة الشهوة تدل على برد المزاج، وكذلك من مزاج معدته بارد تكون شهوته أقوى من هضمه، ومن مزاج معدته حار يكون بالعكس. وأيضا فإن أكثر حدوث الشهوة الكلبية عن برد. وثانيها: إن النمو في الأحداث إنما هو لرطوبة أمزجتهم فيكون تمددها سهلا فيكفي في ذلك اليسير من الحرارة، ولا كذلك غيرهم، أو لأن الأحداث لم يستكملوا بعد فهم يتمنون (28) الكمال وقد حصل الكمال لغيرهم فاشتغلوا عن النمو. وثالثها: إن قولهم إن كل من كانت الأفعال فيه أقوى وأكثر فحرارته أقوى باطل؛ فإن النوم من الأفعال الطبيعية، وكلما كان أقوى وأكثر دل على أن الحرارة أقل وأضعف، وكلما كان أضعف A وأقل كان بالعكس. الجواب: أما الأول فإن كلامنا في الشهوة الصحية الصادقة، وهى لا تكون إلا مع قوة الهضم وجودة الاستمراء، وذلك يدل على قوة الحرارة. وأما الثاني فإن النوم ليس طبيعيا مطلقا بل بشرط وسبب، وهو تعب القوى البدنية من حركات اليقظة وقصور الهضم لاشتعال القوى بآثار اليقظة، وكلامنا في الأفعال الطبيعية مطلقا، والنوم إنما يقال له ضروري، فإن قيل له طبيعي فهو على سبيل الاشتراك. والوجه الثاني: إن الأحداث أقرب إلى التلون، وأقرب عهدا بالمني والدم، والحرارة الموجودة فيهم لم يتحلل منه كما تحلل من أبدان الذين بعد عهدهم بالتكون، وكل من هو كذلك فحرارته أقوى. والحق أنه لا يلزم ان يكون أقوى، إذ من الجائز أن تكون الرطوبات الكثيرة تغمرها فلا تظهر آثارها، فإذا كمل النمو ونقصت الرطوبة أخذت وقويت إلى أن انفرط (29) الجفاف فتضعف لوجه آخر وهو نقصان المدد. وقال B بعضهم: إن حرارة الشبان أقوى لوجهين: أحدهما: إن آثار الحرارة فيهم أقوى وأظهر، وكل من كان كذلك فحرارته أقوى. أما بيان أن آثار الحرارة فيهم أقوى وأظهر فلأن الهضم من فعل الحرارة وهو فيهم أقوى، والحركات من آثار الحرارة وهي فيهم أقوى. أما أن هضم الشباب أقوى؛ فلأن دمهم أكثر وأمتن، ولذلك يصيبهم الرعاف أكثر وأشد ويحتاجون إلى فصد أكثر واستمراءهم أتم وفساد الأغذية فيهمأقل وهضمهم الأشياء الصلبة أكثر وأسهل. وأما أن حركاتهم أقوى فظاهر. وأما بيان أن كل من كان كذلك فحرارته أقوى فتعين ما قلتموه. والوجه الثاني: إن الشباب مزاجهم أميل إلى الصفراء، والأحداث إلى البلغم؛ ولذلك أكثر قيء الشباب صفراوي وأكثر قيء الأحداث بلغمي. وأكثر أمراض الشباب صفراوية، وأكثر أمراض الأحداث يغلب عليها البلغم ، فظاهر أن ذلك يدل أن الحرارة في الشبان أقوى. واعلم أن الحق هو رأي جالينوس وهو أن الحار A الغريزي في الأحداث أكثر والحرارة في الشباب أحد وأقوى، قال: والحرارة فيها متساوية، لكنها في الأحداث فاشية في جوهر رطب كثير فيكون أكثر وألين، وفي الشباب فاشية في جوهر يابس قليل فيكون أحد وأقوى وأظهر، وشبه ذلك بحرارة الحجر الصغير والماء الكثير إذا عرض لشمس حارة فإن الحار المائي يكون أكثر وألين والحار الحجري يكون أحد وأقل. بقى هاهنا مسألة وهي أنه لما يقال: حرارة غريزية ورطوبة غريزية، ولا يقال: برودة غريزية ورطوبة غريزية ولا يبوسة غريزية . قلنا: لأن الدافع بالذات في جميع الأفاعيل هى الحرارة، والرطوبة تقوم الحرارة بها ، وأما البرودة واليبوسة فمنافيتان للحياة، لا ينفعان إلا بالعرض لأن الأفعال حركات والحركة بالحرارة . وأما البرودة فمميتة مانعة من الحركة بالذات، لا ينسب إليها من خدمة البدن وتدبيره ما ينسب إلى الحرارة. وإذ قد تبينت أن الحرارة في الأحداث والشبان متساوية في الأصل، فأقول: إنها B بعد سن الشبان تنتقص لما بينا في أول الكتاب من وجوب الأسباب المحللة للرطوبة التي هي للحرارة الغريزية كالدهن للسراج ، وبينا أيضا أن الغذاء لا يمكن أن يقاوم هذا التحلل لأن هذا التحليل يشتد لدوام المؤثر الواحد في المتأثر الواحد كما بيناه ولا كذلك الحال في الغذاء الوارد، فوجب أن تنقص الحرارة والرطوبة الغريزية ويعين أيضا على ضعف الحرارة كثرة ما يتولد من الرطوبات الغريبة التي نسبتها إلى الحرارة الغريزية نسبة الماء إلى السراج ؛ فلهذا كانت أبدان الشيوخ باردة يابسة في جوهرها ويدل على ذلك قشف جلودهم وصلابة أعضائهم وبعد عهدهم بالمني والدم والروح البخاري، لكنها رطبة بالرطوبة الغريبة البالة. وأما الأحداث فهم أرطب بالرطوبة الغريزية ، وكذلك ينمون وأعضاءهم ألين وعهدهم بالمني والدم والروح البخاري أقرب، فرطوبة الحدث كرطوبة غصن غض نضير (30)، ورطوبة الشيخ كرطوبة خشب داوي نقيع. ولنرجع من هاهنا إلى تفسير ألفاظ A الكتاب. قوله: "ولذلك يحتاج من الوقود" سمى الغذاء بالوقود لأن الغذاء يمد الرطوبات الغريزية وبها تقوم الحرارة الغريزية، فهو كالدهن الممسك للدهن الذي في الدبال القائم به الحرارة، وكالحطب القائم بدل ما يفنى من الحطب المشتعل في الأتون. وأما أنهم يحتاجون من الوقود إلى أكثر مما يحتاج إليه غيرهم فلوجهين: أحدهما: إنهم يحتاجون إلى النمو، فيحتاج أن يكون الوارد لأجل المتحلل وليفضل للنمو، ولا كذلك غيرهم. والوجه الثاني: إن أبدانهم رطبة والجسم الرطب أسهل تحللا وتبخيرا، فيكون المنفصل من أبدانهم كثيرا وأكثر من غيرهم، فيحتاجون إلى خلف أكثر من غيرهم؛ ولهذا قال: فإذا لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. فإن قيل: لما سمى الغذاء أولا وقودا ثم سماه بالغذاء ثانيا؟ وهلا قال "الغذاء" فيهما أو "الوقود" فيهما؟ الجواب: إنه كان مراده إذا بيان أن الحار الغريزي في B الأحداث أكثر، وكون الحار أكثر لا يوجب لذاته كون الغذاء أكثر من حيث هو وقود فإن الحرارة القوية تفتقر إلى مادة تقوم بها كثيرة، والحرارة الضعيفة ينبغي أن تكون مادتها قليلة، فناسب إذا أن تسميه وقودا. وأما ثانيا فمراده إثبات أن حاجتهم إلى خلف أكثر، وذلك لا يناسب كون الوقود يجب أن يكون أكثر بل كون الغذاء يجب أن يكون أكثر فسماه إذا غذاء. قوله: "في المشايخ لأن حرارتهم تطفأ (31) من الكثير" قد شبه جالينوس ذلك بحال السراج إذا صب عليه دهن كثير. قوله: "ومن قبل ذلك أيضا ليس تكون الحمى في المشايخ حادة كما تكون في الأبدان التي في النشوء وذلك لأن أبدانهم باردة" لقائل أن يقول: قد بينتم أن الحرارة الغريزية مخالفة بالحقيقة للحرارة الغريبة، فلا امتناع إذا أن تكون حرارة الحمى التي هي غريبة قوية جدا ، مع أن الحرارة الغريزية ضعيفة وبالعكس A. بل لو قيل: إن الحرارة الغريبة ينبغي أن يكون استيلاؤها أكثر إذا كانت الحرارة الغريزية ضعيفة، لكان ذلك قولا له معنى، كيف وإنكم بينتم أن آلة الطبيعة هي الحرارة الغريزية، وإذا كانت الآلة ضعيفة في دفع الطبيعة للحرارة الغريبة كان استيلاؤها أكثر. وعلى هذا لا يدل ضعف الحمى في المشايخ على قلة حارهم الغريزي. الجواب: إن ما قلتموه جائز، لكن هاهنا سبب آخر به يدل كون الحمى ضعيفة على قلة الحار الغريزي، وهو أن المادة إذا كانت أبطأ استعدادا كان انفعالها أقل وأضعف، وإذا كانت مستعدة أكثر كان انفعالها أقوى وأكثر، فإن المستعد للشيء يكفيه أضعف أسبابه. والحرارة الغريزية وإن كانت مباينة للغريبة لكنهما اشتركا في جنس الحرارة، فأيهما كان في جسم أكثر كان استعداده للتسخن أكثر؛ ولهذا فإن الجسم المتسخن بالشمس أو بالحركة يكون استعداده للتسخن B بالنار أكثر، مع أن ماهية الحرارة فيها (32) متخالفة. وبدن الشيخ الحار الغريزي فيه قليل وضعيف، فيكون استعداد بدنه للتسخن بأي حرارة كان أعسر. فإذا فرضنا حرارة واحدة حصلت للشباب، كان استعداد بدنه للتسخن عنها أكثر، فسخن بدنه سخونة مفرطة، ولو حصلت بعينها للشيخ كان استعداد بدنه للتسخن عنها أقل، فسخن بدنه أقل؛ ولذلك قال: "وذلك لأن أبدانهم باردة" أي أنها بعيدة عن الاستعداد للتسخن بالحرارة الغريبة.
[aphorism]
قال أبقراط: الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع، والنوم فيهما أطول ما يكون، فينبغي أن يكون في هذين الوقتين أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر؛ وذلك لأن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير، ولذلك يحتاج إلى غذاء كثير، والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين.
[commentary]
पृष्ठ 42
الشرح: A قد مضى أن أوقات السنة تدل على مرتبة المرض ونظامه ونوبته ليقدر الغذاء بحسب ذلك، والآن نبين أن تقدير الغذاء يختلف بحسب أوقات السنة بنفسها، وناسب ذكر هذا بعد ذكر تقدير الغذاء بحسب الأسنان، لأن الأسنان إنما اختلف الغذاء بحسبها لأجل الاختلاف في قوة الحرارة الغريزية وضعفها وقلتها وكثرتها، وهذا يختلف أيضا باختلاف الفصول، فإن في الشتاء تكون الحرارة الغريزية أكثر وأقوى، وفي الصيف بالضد. وربما ظن أن الأطباء يعنون بالفصول ما يعنيه المنجمون، وهو أن يكون الفصل عبارة عن انتقال الشمس في ربع ربع من فلك البروج، مبتدئة من النقطة الربيعية، وليس كذلك، بل الفصول عند الأطباء هي بحسب مايحس من الهواء، فالزمان الحار أي الذي يحوج إلى ترويح يعتد به هو الصيف، والزمان البارد الذي يحوج إلى إدفاء يعتد به هو الشتاء، B والزمان المتوسط أي الذي لايحوج إلى إدفاء يعتد به ولا إلى ترويح يعتد به وفيه ابتداء نشوء الأشجار وظهور الأزهار هو الربيع، والزمان المتوسط في الحر والبرد أي الذي يحس منه بالحر كما يحس منه بالبرد وفيه اصفرار لون الورق وابتداء سقوطه هو الخريف. وقد اختلف العلماء في سبب التعاقب، وأعني بالتعاقب أن الجسم إذاسخن ظاهره برد باطنه وبالعكس. ومثال ذلك الأرض فإنها في الشتاء يسخن باطنها، ولهذا يسخن ماء البئر ويرى البخار يتصعد من فمه، وفي الصيف يبرد باطنها فيبرد ماء البئر ويقل ما يتصعد منه من البخار. فقال بعضهم: إن ذلك غلط في الحس، لأن أبداننا تبرد في الشتاء فيكون ماء البئر أسخن منها، وفي الصيف يسخن فيكون ماء البئر أبرد منه وهو بحاله لم يتغير. قالوا وهذا كالبول فإنه يحسبه في داخل الحمام باردا وفي خارجه حارا وهو بعينه واحد لم يتغير. وقال: A آخرون وهو المشهور: إن ذلك لأن البرد إذا أصاب الظاهر هربت منه الحرارة إلى الباطن لأجل المضادة، وكذلك إذا أصاب الحر الظاهر هرب البرد للمضادة. وهذان القولان فاسدان، أما الأول فمن وجهين: أحدهما: أنه لا يمتنع علينا أن ندفيء بشرتنا في الشتاء دفئا يبلغ إلى سخونة هواءالصيف، ومع ذلك فإذا لمسنا ماء البئر وجدناه حارا. والوجه الثاني: إن البخار المتصعد من البئر لاشك أن المبخر له هو الحرارة وهو محسوس بالبصر؛ فيمتنع أن يقال أنه غلط في الحس. وأما القول الثاني ففساده أعظم؛ وذلك لأن الحرارة والبرودة من الأعراض، والأعراض يستحيل عليها الانتقال من موضوع إلى آخر، والحق أن سبب التعاقب هو أن كل جسم ففيه قوة مسخنة أوة مبردة لجميعه، فإذا أصاب ذلك الجسم كيفية مضادة لتلك الكيفية غصبت الأجزاء الظاهرة من ذلك الجسم عن فعل تلك القوة فيه فبقى B تأثيرها في الأجزاء الباطنة فقط، والمنفعل إذا قل قوى تأثير المؤثر فيه، فإنه لا سواء إضاءة عن مصباح وإضاءة صحراء رحيبة عن ذلك المصباح. مثال ذلك أن يكون في الأرض قوة تبردها فإذا استولى الحر الخارجي على الأجزاء الظاهرة منها في الصيف بقى تأثير القوة المبردة في الأجزاء الباطنة فقط فكان تبريدها (33) أقوى؛ وكذلك حال الأجواف فإن الحار الغريزي المسخن لجميع البدن إذا غصب البرد الخارجي منه الأجزاء الظاهرة قوى تسخينه لباطنه، وأيضا كان في الصيف تتحلل منه أجزاء كثيرة وفي الشتاء قل ما كان يتحلل منه فقوى تأثيره. وقوله: "أسخن ما يكون بالطبع" وإن كان قد يجوز أن يسخن أيضا سخونة خارجة عن الطبع، فإنه إذا حبس البرد الأبخرة الحارة وحقنها سخنت البدن، ولكن ذلك لا يوجب زيادة الحاجة إلى التغذية. وغرض أبقراط أن يبين أنه أسخن A ما يكون سخونة توجب زيادة الحاجة إلى التغذية، وذلك إنما يكون عن السخونة التي بالطبع وهي التي تقدم ذكرها. وهذا الذي ذكرناه من سبب سخونة الأجواف في الشتاء ظاهرا وأما سخونتها في الربيع فلأن الربيع لم ينتقل بعد هواه إلى الحرارة الموجبة لانتشار الحار الغريزي وانتشار فعل الحرارة الغريزية فيبقى على ما كان في الشتاء أو أقل منه قليلا. واعلم أن الجوف في اللغة يطلق على كل تجويف، وفي اصطلاح الأطباء يقال لشيئين: أحدهما يقال له الجوف الأعلى، وهو موضع تدبير الغذاء كالمعدة والكبد. وثانيهما يقال له الجوف الأسفل، وهو موضع الأمعاء. ومراده هاهنا بالأجواف مواضع تدبير الغذاء. قوله: "والنوم فيهما أطول" قد قيل: إن سبب طول النوم فيهما أن الليل فيهما أطول وليس كذلك، فإن ليل الربيع أقصر من ليل الخريف، بل لأجل الرطوبة الهوائية، ولأن الشتاء يكون المزاج فيه رطبا، والربيع تسيل فيه الرطوبات ويكثر الدم وذلك موجب لزيادة النوم. قوله: "فينبغي في هذين الوقتين أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر" معناه أن الأجواف لما كانت في هذين الوقتين أسخن والنوم أطول كان الهضم والاستمراء أتم، فينبغي أن يكون استعمال الأغذية أكثر؛ وذلك لا لكونها وقودا للحار الغريزي كما بين في الفصل المتقدم، بل لأنها أغذية وذلك لأن التغذية يلزمها التقوية فتكون التغذية مطلوبة وفي باقي الفصول قد لا يمكن الإكثار منها لمانع وهو الخوف (34) من أن لا يتم انهضامها، وأما في هذين الفصلين فينبغي الإكثار لأنا جازمين بقوة الهضم. قوله: "وذلك لأن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير؛ ولذلك يحتاج إلى غذاء كثير" هذا كأنه جواب عن دجل مقدر وهو أنه كأن قائلا قال: إنه ينبغي أن يكون استعمال الأغذية في هذين الوقتين قليلا لأن الغذاء إنما يحتاج A إليه ليبدل على ما تحلل والتحلل في هذين الوقتين قليل، فينبغي أن يكون الغذاء في هذين الوقتين قليلا، فأشار إلى مناقضة ذلك بقوله: "وذلك لأن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير" وإذا كان الحار الغريزي كثيرا كان التحليل كثيرا، وإذا كان التحليل كثيرا وجب أن يكون الغذاء كثيرا؛ ولهذا قد يعتقد أن في هذا الفصل تكرارا وليس كذلك، لأن المدعى في أولا هو حرارة الأجواف وإشارته بزيادة الغذاء أولا لعدم المانع منه إذ الهضم قوي، والمدعى ثانيا أن الحار الغريزي في الأبدان جملتها حينئذ كثير. قوله: "ولذلك يحتاج إلى غذاء أكثر" أي ولهذه العلة يحتاجون إلى أغذية أكثر، فكأنهقال: ينبغي أن تكون الأغذية في هذين الوقتين كثيرة لحاجة وأمان، أما الحاجة فلوجود الحار الغريزي الكثير الذي يلزمه زيادة التحليل المحوج إلى زيادة الغذاء، وأما الأمان فلقوة الهضم. أقول: وهاهنا شيء آخر يوجب B كون الغذاء كثيرا وهو أن البرد الخارجي يوجب جمودا في الدم، وذلك يوجب نقصان حجمه، وذلك يوجب زيادة الغذاء ليسد بدل ما نقص بالتكاثف وإن لم يمكن هناك تحليل البتة؛ وهذا كأنه أولى، وذلك لأن التحليل الخفي لا يبلغ من كثرته أن يكون مقاربا للتحليل المحسوس في الصيف من العرق والوسخ وغيرهما. قوله: "والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين" إنما استدل بالأسنان والصريعين لأنه لما لم يكن بينا أن كون الحار الغريزي أكثر يحوج إلى كون الغذاء أكثر، استدل بأمر الأسنان والصريعين، وهذا ينتظم على هيئة التمثيل كقولنا: ثبت أن الأحداث يفتقرون إلى أغذية أكثر وإنما افتقروا إلى ذلك لأن الحار الغريزي في أبدانهم أكثر، لكن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين أكثر فينبغي أن تكون الأغذية فيهما أكثر. وكذلك نقول في الصريعين A أي المصارعين بأن نجعلهم أصلا وكثرة الحار الغريزي في أبدانهم علة لتكثير الأغذية فيهم، وأن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين أكثر فينبغي أنيكون الغذاء أكثر. واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف؛ وذلك لأن الموجب لزيادة الغذاء في الأحداث يتوقع كون حارهم الغريزي كثيرا أن التحليل من أبدانهم لرطوبتهم كثير ولحاجتهم إلى النمو، وهذا المجموع منتف هنا فلا يلزم من ذلك زيادة الغذاء هنا. وأما القياس على أبدان الصريعين فله غرض أن يفرق بينهما بأن الصريعين كثرة حركة أبدانهم الحركة القوية جدا توجب زيادة تحليل محوج إلى زيادة في التغذية، وهذا المعنى معدوم هاهنا فلا يلزم من ذلك كثرة الغذاء في هذين الوقتين. واعلم أن على هذا الفصل إشكالات: أحدها: إنه لو كان الحار الغريزي فيالأبدان في الشتاء كثيرا، لما كثر فيه البلغم، ولما كانت أمراضه B أكثرها باردة كالصرع والسكتة والفالج والرعشة، والتالي باطل فالمقدم مثله. وثانيها: إنه لو كان الأمر كما ذكرتم لكانت الأبدان كلها كذلك، أي كلها تحتاج إلى غذاء أكثر، وذلك باطل فإن كثيرا من الحيوانات تبقى في الشتاء مدة مديدة غير مستعملة للغذاء، فإن الدب يبقى ثلاثة أشهر لا يغتذي. وثالثها: لو كان كذلك لكانت الأبدان في الشتاء أنشط حركة، وليس كذلك، فإن من الحيوانات ما تبقى في أوكارها ملقاة كالميتة. والجواب عن هذا كله أن ما ذكرناه إنما هو بحسب ما تقتضيه طبيعة الفصل، فإن طبيعة الفصل تقتضي أن البرد يجمع الحار الغريزي ويقويه. وأما كثرة البلغم فإنما هو لكثرة استعمال الأغذية الغليظة وقلة الحركات، وكذلك كثرة الأمراض الباردة إنما هو لغوص البرد إلى داخل البدن بسبب ضعفه A وقلة حرارته في الأصل أو لضعف العصب أو غير ذلك. وأما بقاء الدب ثلاثة أشهر بغير غذاء فذلك لضعف حرارته وكثرة نهمه وكثرة وجود غذائه فإنه يأكل اللحم والثمار فيكون وجود ذلك كثيرا فيجتمع فيه في طول الزمان رطوبات كثيرة فجة فإذا جاء برد الشتاء أخمد حرارته لضعفها وبقيت تلك الرطوبات تمدها في تلك المدة. وأما بقاء بعض الحيوانات كالميتة وموت بعضها فلضعف جرمه وقلة دمه فيستولي عليه البرد ويغوص إلى باطنه فيجمد حرارته الغريزية وإن كانت كثيرة كالحية. وأما ما ذكرناه فهو بحسب ما يوجبه البرد من إحداث التعاقب المذكور، ولا امتناع في أن يكون بعض الناس ضعيف البدن أو قليل الحرارة الغريزية جدا أو قليل الدم فيؤثر فيه البرد ما يؤثره في تلك الحيوانات.
[aphorism]
पृष्ठ 47
قال أبقراط: الأغذية الرطبة توافق جميع B المحمومين لاسيما النساء والصبيان وغيرهم ممن قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة.
[commentary]
पृष्ठ 48