शरह फुसूल अबूक्रत
شرح فصول أبقراط
शैलियों
البحث الرابع
في أنه ابتدأ : في أنه * لما (30) ابتداء بذكر النوم في هذه المقالة يقول وذلك لأنه قد علم أن الغرض من الطب حفظ الصحة الموجودة ورد الصحة الموجودة الزائلة. وذلك موقوف على استعمال الستة الضرورية بحسب الإمكان وهو الهواء المحيط بأبداننا وما كان يؤكل ويشرب والحركة السكون والنوم واليقظة والاستغراغ والاحتقان والأحداث النفسانية. وصارت هذه ستة لأنه قد ثبت أن في أبداننا تلك قوى طبيعية وحيوانية ونفسانية. فلكل قوة اثنان من تلك الستة فللطبيعية ما يؤكل ويشرب والاستفراغ والاحتقان وللحيوانية الهواء المحيط بأبداننا والأحداث PageVW5P056A النفسانية وللنفسانية الحراكة والسكون والنوم واليقظة فتكلم * أبقراط (31) أولا في الاستفراغ والحتقان وقوانين الأغذية بحسب ما يحتاج إليه في هذا الكتاب وما يتعلق بالأهوية أخر ذكره إلى المقالة الثالة لأنه كلام عويص يحتاج إلى أنسه ودربه. وما يتعلق بالحركة أخره أيضا في هذه المقالة وابتداء بذكر النوم لأن عرضه أن يذكره من حيث هو علامة.
البحث الخامس
قوله إذا كان النوم يحدث وجعا. اعلم أولا أن هذه العبارة فيها مسامحة فإن النوم ليس هو المحدث للوجع والضرر بل المحدث لذلك إما تفرق الاتصال بذاته على ما يراه * الفاضل (32) جالينوس بحسب المشهور عنه. ومن المتأخرين صاحب الكامل وأبو سهل المسيحي. وإما هو وسواء المزاج المختلف بذاتهما على ما ذهب * إليه (33) الشيخ الرئيس * رحمه الله (34) . وأما السوء * المزاج (35) المختلف بذاته على ما ذهب إليه * الإمام (36) فخر الدين بن الخطيب والفاضي أبو الوليد بن رشد. واعلم أن الفاضل جالينوس قد اضطرب كلامه فيما ذكرناه عنه فإنه يقول في رابعة العلل والإعراض حيث ذكر أعراض حاسة اللمس أن الألم والحدث يعرضان في جميع الحواس عامة من قبل تفرق الاتصال بغتة, ومراده بالحدث الألم فإنه قال بعد هذا بأسطر: ولا فرق بين أن يسمى الألم حدثا والحدث ألما أو وجعا. فهذا كلامه في هذا الموضع. وقال في ثانية: التعرف أحد أنواع الوجه هذا النوع الذي يحدث في العضو الألم بسبب سوء المزاج المختلف فيه فيؤلمه. ثم قال بعد هذا بأسطر: وأنا أعلم أنني قلت في غير هذا الموضع مرارا كثيرة وفي غير هذا الكتاب أن الأنواع الأول من أنواع الوجع نوعان. أحدهما بغير المزاج تغير المزاج بغتة، والآخر انتقاض الاتصال. ثم كرر هذا القول في * الموضع (37) المذكور والذي أقوله من أمر هذا الفاضل في اختلاف أقواله و مذاهبه إما سهوا منه لكثرة تصانيفه وأما لغلبة هواه معانده من كان يعانده في زمانه وإما غلط من * الناقل (38) الأول لمسوداته وإما من جهة المترجم لكلامه من لغة إلى لغة.
البحث السادس
في ذكر حجج الجماعة المشار إليم وأيضاح الحق في ذلك. أما الفاضل جالينوس وشيعته فإنا لم نجد لهم دليلا على ذلك سوى مجرد الدعوى غير PageVW1P025A أن الذي يمكن أن يقال من جانبهم هو أن الحرارة من شأنها التفريق بين الأجزاء المختلفة والجمع بين الأخزاء * المشاكلة (39) * والمتشاهبة (40) وذلك حركة ويلزمها التفرق. والبرودة شأنها الجمع بين الأجزاء المختلفة والمتشابهة وذلك * حركة (41) ويلزمها التفرق. وكذلك * الكلام في (42) الطعوم والألوان والأصوات والروائح فإن القابضة من الطعوم يلزمها التفرق بالجمع والحريقة والمرة بالبسط. وكذلك الألوان السود والبيض. وأحتج الشيخ الرئيس على صحة مذهبه بوجوه ثلاثة. أحدها أن الوجع قد PageVW5P056B يكون متشابه الأجزاء * في العضو الوجع وتفرق الاتصال قد لا يكون متشابه الأجزاء (43) . فوجود الوجع في الأجزاء الخالية عن التفرق لا يكون عن التفرق بل عن سوء المزاج. وثانيها أن البرد يوجع حيث يقبض ويجمع وحيث يبرد ويفرق الاتصال عن البرد لا يكون حيث يبرد بل في أطراف العضو المتبرد. فوجود الوجع في المواضع الخالية عن التفرق لا يكون عن التفرق بل عن السوء المزاج. وثالثها أن الوجع * لا محالة (44) إحساس بمؤثر مناف بغتة من حيث هو مناف والحد ينعكس وهو أن كل محسوس مناف * من حيث هو مناف (45) موجع. فسوء المزاج موجع لأنه محسوس مناف. ورابعها ما ذكره الإمام فخر الدين من جانبه أن لسعة العقرب أشد إيلاما من الجراحة العظيمة ولو كان المؤلم هو نفرق الاتصال فقط لكانت الجراحة العظيمة أقوى في الأئيلام منها. ولما لم يكن كذلك علمنا أن زيادة الألم من لسعة العقرب إنما هو حاصل عن * سوء (46) المزاج لا من تفرق الاتصال . وخامسها ما ذكرناه نحن وهو أن كمال الأعضاء وغايتها أن تكون صحيحة والصحة تتم بشيئين: أحدهما اعتدال المزاج والثاني جودة الهئية. فكل ما هو مناف للكمال المذكور فهو ألم لكن المنافي للهئية المزاجية سوء المزاج وللهيئة التركيبية تفرق الاتصال فهما حينئذ مؤلمان. ولقائل أن يقول: هذه الححج ضعيفة. أما الأولى فهو ان التفرق المحسوس أوجب الألم ثم أنه أحدث * في الأجزاء الخالية منه سوء مزاج ثم أنه أحدث (47) تفرق الاتصال على ما يقوله الفاضل جالينوس ويكون مثل هذا التفرق غير محسوس ويكون * مثل هذا التفرق (48) هو الموجب للألم في الأجزاء الخالية من التفرق المحسوس. وذكر الأمام اعتراضا وهو أنا لا نسلم كون الوجع متشابه الأجزاء في الحس أن يكون متشابه الأجزاء في الحقيقة بل وقد يكون متشابه الأجزاء في * الحس ولا يلزم من ذلك أن يكون متشابه الأجزاء في (49) الحقيقة لأن التفرقات متى كثرت في السطح كان البعض قريبا من النعض وصارت السطوح صغيرة جدا. فإذا حصلت الآلام في مواضع التفرقات فلكثرة تلك المعاضع وقرب بعضها من بعض وصغر ما بينها من السطوح يشتبه على الحس فيظن كون الوجع متشابها وإن لم يكن في نفس الأمر متشابها. ومثال هذا أنا إذا * دققنا (50) المداد و الإسفيداج والزنجفر والزعفران والزرنيخ دقاقا ناعما وخلطنا البعض بالبعض ثانيا فإنه يظن * للحس (51) المجموع لون مفرد على حدته وإن لم يكن في نفس الأمر كذلك. وإذا كان هذا الاحتمال قائما لم يكن القياس المذكور برهانيا. واعلم أن هذا الكلام من الإمام فيه نظر من وجهين أحدهما * أنا (52) نفرض الكلام في عضو قد حصل فيه جراحة واحدة أو جراحات متعددة وحينئذ يقول القائل وجود الوجع في الأجزاء الخالية عن التفرق لا يكون عن التفرق بل عن * سوء (53) المزاج. وثانيهما أنه مناقض * لقوله ولمذهبه (54) PageVW5P057A فإنه يعتقد أن التفرق لا يوجب ألما لأنه أمر عدمي. وإذا كان الأمر كذلك فكيف توجب التفرقات الغير محسوسة التي قرضها ألما؟ وأما الحجة الثانية ففيها نظر من وجهين أحدهما لقائل أن يقول التفرق الحاصل * من (55) البرد لا يلزم أن يكون في أطراف الموضع المتبرد وذلك لأن الموجب له * سوء (56) المزاج البارد المكثف وهو * مستول (57) على جملة العضو وكل جزء منه * إيجابه (58) للتفرق كإيجاب الجزء الآخر وكل جزء منه يوجب التكاثف وذلك يوجب * عدم (59) التفرق وإذا كان كذلك فكيف يصح أن يقال إن في العضو المتبرد أجزاء أخر خالية من التفرق حتى توجب الألم ويكون مثل هذا الألم حادثا عن التفرق. وثانيها ما ذكره الإمام فخر الدين وهو أن الموضع إذا برد فإنه ينقبض ويعرض من ذلك الانقباض أن يتمدد أطرافه عن أطراف الموضع * الحار (60) وأن ينضغط أجزاؤه المتبردة بعضها في بعض * وكلا الأمران (61) سبب لفترق الاتصال. أما الأول فلأنه إذا مدد طرفه عن ظرف الموضع الحار انفصل منه وحصل التفرق. وأما الثاني فلأن الضغط سبب لتفرق الاتصال. وأيضا فإن المواضع المتبردة يمكن أن يكون البعض أبرد من البعض وحينئذ ينفصل الأبرد عن البارد بأن * تفريق (62) الأبرد أقوى وأبلغ من * تفريق (63) البارد. وأما الحجة الثالثة فحاصلها أن * سوء (64) المزاج مؤلم لأنه مناف لكن ليس فيها ما يدل * على (65) أنه مؤلم بذاته أي بدون التفرق. وأما الحجة الرابعة فالجواب عنها نقول: لسعة العقرب ليس إيلامها مجرد البرودة حتى يسبب الألم العظيم الصادر عنها إليه بل بالسمية المبانية للبدن الإنساني PageVW1P025B فيكون إيجابها للألم بوجهين أحدهما سوء المزاج والثاني مضادة الجوهر. فلذك كان ألمها أعظم وأقوى من ألم الحرارة العظيمة. وأما الحجة الخامسة فليس فيها ما يدل على أن المؤلم بذاته سوء المزاج. بل يحتمل أن يقال: الصحة تتم بشيئين أحدهما اعتدال المزاج والثاني صحة التركيب. فيكون * مقابلهما (66) موجبا لألم لكن ليس فيه ما يدل على أن المقابلين مؤلمان بذاتهما. واحتج الإمام فخر الدين بن الخطيب على صحة ما ذهب إليه بوجوه خمسة أحدها أن التفرق والانفصال لفظان مترادفان. وقد اتققوا على أن * التفرق والانفصال (67) أمر عدمي وهو عدم الاتصال عن ما من شأنه أن يكون متصلا والوجع والألم لا شك أنهما أمران وجوديان والأمر العدمي لا يجوز أن يكون علة * للأمر الوجودي فتفرق الاتصال لا يجوز أن يكون علة (68) للألم. وثانيها أن الآلة إذا كانت في غاية الحدة وقطع بها عضو قطعا سريعا لا يحس بذلك القطع في أول الأمر بل إنما يظهر الألم بعد ذلك بلحظة. فلو كان التفرق لذاته مؤلما لاستحال تخلف الألم عنه. فلما تخلف PageVW5P057B عنه علم من ذلك أن التخلف إنما كان لأن في أول القطع لم يحصل سوء المزاج فلا جرم لم يحصل الألم عنه. ثم لما حصل سوء المزاج بعد ذلك حصل الألم. وثالثها أن * الاغتذاء (69) والنماء إنما يحصلان بتفرق اتصال العضو لينفذ في الفرج * المستجذبة (70) الأجزاء الغذائية مع أنه ليس هناك ألم. ومعلوم أنه إنما لم يؤلم لأن ذلك التفرق أمر طبيعي ولم يحدث عنه سوء مزاج. وذلك يدل على أن التفرق ليس هو سبب للألم لأنه تفرق بل لما يتبعه من سوء المزاج. ورابعها أن لسعة العقرب أشد إيلاما من الجراحة العظيمة فلو كان المؤلم هو تفرق الاتصال فقط لكانت الجراحة العظيمة أقوى من الإيلام منها. ولما لم يكن كذلك علمنا أن زيادة الألم في اللسعة إنما يحصل من سوء المزاج لا من تفرق الاتصال. وخامسها أن البدن إنما أختص وقبل صورته المعينة بالمزاج المعين فما دام المزاج * معين (71) * باق (72) استحال زوال تلك الصورة فيكون السبب القوي في حدوث اللذة والألم ثبوتا وانتفاء. * هكذا (73) المزاج لا التفرق. هذا مجموع ما ذكره الإمام فخر الدين في جميع تصانيفه. والجواب عما تمسك به أولا من وجهين. أحدهما أن التفرق يلزمه لا محالة كون الأعضاء فاقدة للكمال التركيبي اللائق بها وهو لا محالة مما يمكن أدراكه كحال سوء المزاج. فإن إيجابه للوجع لأجل فقدان العضو اعتداله المزاجي الذي هو كماله. وإذا كان كذلك فيكون موجعا من هذه الجهة. وثانيهما نقول: ما * المانع (74) من أن يقال إن التفرق متى حصل كان معدا لقيضان الألم كما يقوله الإمام فخر الدين من قيضان السوء * المزاج (75) عليها عند كونها كذلك. وذلك لأن كمال الأعضاء واستعدادها لما يفاض عليها من الصورة الصحيحة بمزاج مخصوص وتركيب مخصوص فما دام المزاج والهيئة باقيين استحال زوال تلك الصورة. وأما إذا زالا أو أحدها استعد لمقابل ما استعد به عند كونه على حالته الطبيعية. فالحاصل أن هذه أمور معده لا فاعله. ويكون معنى قول الشيخ هاهنا أسباب الوجع منحصرة في حنسين ليس المراد به السبب الفاعلي بل القابلي. والفاعلي هو مبدأ الفيض. ومع ذلك فنقول: والإمام وقع فيما هرب منه فإنه يدعي أن التفرق موجب * للألم أي لسوء (76) المزاج وهذا أمر وجودي. والجواب عما تمسك به ثانيا: الآلة المفروضة عند قطعها للعضو لا يخلوا إما أن نكون شاعرين بذلك عند حصوله أو لا نكون شاعرين. فإن كان الأول استحال تخلف الألم والوجع. وذلك لأن الانفعال والإحساس PageVW5P058A يتم بشيئين أحدهما انفعال الحاسة من محسوسها الخاص بها والثاني الشعور بذلك أنفعال. فمتى حصل القطع المذكور مع الشعور بذلك الإنفعال والعلم به استحال تخلف الألم عنه والبديهة حاكمة ذلك. وأما إن لم نكن شاعرين بذلك بل غافلين عنه تخلف الوجع حينئذ غير أن تخلفه ليس لأن التفرق غير موجب * للوجع (77) بل لعدم شعورنا به وذلك لانصراف القوة المفكرة في هذا الوقت إلى ما هو أهم من ذلك. وقد بسطنا القول في هذا الجواب في شرحنا لكليات القانون. والجواب عما تمسك به ثالثا نقول نحن، لا نمنع حصول التفرق للأعضاء في حال النماء والاغتداء * لا (78) لأن الغذاء ينفذ في أجزاء خالية في البدن وكيف نقول هذا وقد ثبت في غير هذا الفن عدم الخلاء لذاته. ولو قلنا به لزم أن لا يزيد الأعضاء البتة بالغذاء في حال النماء غير أن هذا التفرق لما كان طبيعيا * مألوفا (79) أي صادر عن الطبيعة المدبرة للبدن وبه كمال الأعضاء وهو في أجزاء صغيرة صار طبيعيا مألوفا غير مؤلم. والإمام قدس ألله * نفسه (80) يوافقنا على مثل هذا. فإن حرارة المدقوق عنده حرارة غريبة مباينة للطبيعة مع أنها غير مؤلمة. وما سبب هذا إلا أنها لما تمكنت في الأعضاء ألفتها وصارت غير مؤلمة. فإذا كانت هذه الحرارة مع منافاتها للطبيعة إذا طال زمانها وألفتها الأعضاء صارت غير مؤلمة. فما عسى أمر صادر عن الطبيعة المدبرة للبدن وبه كمال الأعضاء وهو حاصل دائما وفي أجزاء صغيرة وقد أطنبنا في هذا الاجواب وفي تقريره من جهة الإمام فيما تمسك به من الوجوه النقلية والعقلية PageVW1P026A في شحرنا لكليات القانون. والجواب عما تمسك به رابعا قد ذكرناه. والجواب عما تمسك به، خامسا نقول: ليس قبول البدن لصورته المعينة بمزاجه الخاص به فقط بل وبتركيبه فإنه لا بد من اعتبار التركيب مع اعتبار المزاج على ما تقدم واحتج القاضي أبو الوليد بن رشد على صحة مذهبه بوجهين أحدهما أن تفرق الاتصال عبارة عن حركة الأجزاء بعضها * على (81) بعض والحراكة المذكورة من شأنها أن يتبعها سوء المزاج كما أن مقابل هذه الحركة يتبعه مقابل ذلك. فالموجب للوجع بالذات هو سوء المزاج فقط. وثانيهما أنه قد يتبين في كتاب النفس أن هذه الحاسة إنما نحس حسا أوليا بالكيفيات الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة والبيوسة. وإذا كان كذلك فالألم إنما يعتريها من إفراط محسوساتها الحاصة بها كما تعتري سائر الحواس. ولو كانت هذه الحاسة أعني حاسة اللمس إنما يحدث لها PageVW5P058B الوجع بتفرق الاتصال لكان محسوسها الخاص بها إنما هو تفرق الاتصال فقط على ما يقوله الفاضل جالينوس أو يكون لها محسوسان بذاتيهما على ما يقوله ابن سينا. وإذا كان كذلك فالألم إنما يعتريها من إفراط محسوساتها الحاصة بها على نحو ما يعتري سائر الحواس. فإن العين إنما تتألم بإفراط الألوان وخروجها عن التوسط وكذلك حال اللسان مع الطعوم والسمع مع الأصوات والشام مع المشمومات وإنما تفرق الاتصال شيء يعرض عن الكيفيات المفرطة ونفس الإحساس إنما هو للكيفيات. فحاصل ما ذكره هذا الرجل أن السوء المزاج هو المؤلم بذاته وأن تفرق الاتصال إيلامه بواسطته. قال في كتاب المعنون بالكليات حيث تكلم في أمراض حاسة اللمس: وليس سبب الوجع تفرق الاتصال كما يقوله * جالينوس ولا هو والسوء المزاج بالذات على ما يقوله (82) ابن سينا. واعلم أنني لما نظرت فيما قيل في هذه المسألة لم يصح عندي سوى ما ذهب إليه هذا الإمام قدس الله روحه.
البحث السابع
في بيان * السوء (83) المزاج المؤلم. اعلم أن * السوء (84) المزاج على نوعين: * مختلف ومستو (85) ، غير أنه يجب أن يعلم أن الأطباء مختلفون في تفسير المستوي والمختلف. فالمفهوم من كلام الفاضل جالينوس في كتابه المعنون بسوء المزاج المختلف أن المستوي ما عم جملة البدن والمختلف ما حص * عضوا (86) دون عضو. وبه قال صاحب * الملكي (87) حيث تكلم في اللذة والألم في الباب السابع عشر في المقالة السادسة من الجزء النطري من كتابه. وذهب الشيخ الرئيسي إلى أن المراد بالمستوي ما * استقر (88) في جوهر العضو وأبطل المقاومة وحكم المزاج الأصلي، والمختلف ما لا يكون كذلك. وبه قال أبو سهل المسيحي وابن أبي صادق وجمهور المتأخرين. فحمى العفن سوء مزاج مختلف على هذا المذهب وعلى ما قيل * مستو (89) والبرص سوء مزاج * موستو (90) على هذا التأويل ومختلف على ما قيل. واعلم أنه لا منافاة بين الكلامين فإن جالينوس يسمي العام مستويا من جهة شموله وعمومه لجملة البدن كالمزاج الأصالي * ويسمي الشيخ المستقر مستويا من حيث أنه شأنه المزاج الأصلي (91) في عدم ظهور الألم ويسمي جالينوس الكائن في عضو دون عضو مختلفا من جهة أنه مخالف مقتضي المزاج الأصلي في عدم العموم والشمول ويسمي الشيخ الغير * الأصلي في إيجاب الألم (92) . إذا عرفت هذا * فنقول إن (93) المؤلم هو المختلف على تفسير الشيخ * لكن (94) لا مطلقا على ما سنبينه. وإنما قلنا إن المؤلم هو المختلف، وذلك لوجوه أربعة. أحدها أن المزاج الغريب PageVW5P059A في المختلف منازع لطبيعة العضو ومقاوم لها فتكون المنافاة حاصلة بينهما فيكون إدراك حاصلة * بينهما فيكون المنافي حاصلا (95) بخلاف المتقق فإن المنازعة والمقاومة قد بطلتا فيه واستقر الغريب فلا يكون هناك * إدراك (96) المناقي فلا يكون * ألم (97) . وثانيها أن الإحساس انفعال والانفعال إنما * يحصل (98) عند تقلقل شيء وحصول شيء ويكون الطارئ منافيا للأصلي وحينئذ يحصل الإحساس. وأما المستقر فلا انفعال فيه * فلا (99) إحساس فلا ألم. * وثالثها (100) إنك قد عرفت أن الألم إدراك المنافي * من حيث هو مناف (101) والمنافاة وصف إضافي والأمر * المضاف (102) إنما يتحقق بين شيئين. أحدهما المزاج الطبيعي وثانيهما المزاج الغريب. فهذا الثاني عند وروده على الأول إنما أن يبطله * أو لا يبطله (103) فإن كان الأول فيكون الحكم له فلا يكون هناك كيفيتان فلا يكون هناك منافاة فلا يكون ألم. وإن كان الثاني فتكون المنافاة حينئذ حاصلة بين كيفية العضو والكيفية الواردة فيكون الشعور بتلك المنافاة حاصلا فيتحقق وجود الألم. ورابعها أن حرارة حمى الدق أقوى من * حرارة (104) حمى العفن * مع أنا لا نجد من الإلتهاب والعطش وغيرهما من إعراض الحرارة في حمى الدق ما نجده في حمى العفن وليس لهذا علة سوى أن حمى الدق لما كانت سوء مزاج مستو (105) كانت غير مؤلمة وحمى العفن لما كانت * سوء (106) مزاج مختلفة كانت مؤلمة. وإنما قلنا أن حمى الدق أقوى من حمى * العفن (107) لوجهين أحدهما أن الجسم الصلب لا يسخن إلا عن الحرارة قوية بخلاف اللين فإنه يسخن بادنى حرارة ولا شك أن الحرارة في حمى الدق متعلقة بجوهر الأعضاء الأصلية وحمى العفن متعلقة بجوهر الخلط فحمى الدق أقوى من حمى العفن. وثانيهما أن المبردات المستعملة في حمى الدق أقوى تأثيرا من * المبردات (108) المستعملة في حمى العفن. فلو لم تكن حرارة حمى الدق أقوى من حرارة حمى العفن PageVW1P026B ولإ لما استعمل ذلك فيها.
البحث الثامن
من بيان المؤلم من المختلف. قال الأطباء: المؤلم بالذات من المختلف * من (109) الحار~ والبارد لأنهما كيفيتان فاعلتان والفاعل من شأنه أن يؤثر في الشيء * لا (110) أن يتأثر من الشيء. وأما الرطب واليابس فمهما كيفيتان منفعلتان والمنفعل من شأنه أن يتأثر عن الشيء لا أن يؤثر في الشيء، غير أن اليابس لما كان يلزمه الجمع والتكثيف تبعه تفرق الاتصال فهو مؤلم من هذا الوجه لكن بطريق العرض وأما الرطب فإنه لا يتبعه شيء من ذلك فلا يؤلم بالذات PageVW5P059B ولا بطريق العرض. وهذا الكلام فيه نظر وهو أن الألم عند الأطباء عبارة عن إدراك المنافي من حيث هو * مناف (111) ولا شك أن السوء المزاج الرطب * مناف (112) فيكون مؤلما. واعلم أن * هذا (113) إنما يمشي على * مذهب (114) الشيخ في القول بإيلام * سوء (115) المزاج بالذات. وأما على مذهب جالينوس فلا يمشي لأن الرطوبة لا توجب تفرق الاتصال البتة. وأبو سهل المسيحي قد أشار إلى ما ذكرناه من أمر الرطوبة فإنه قال في كتاب الأسباب والأمراض والأعراض: متى كان * سوء (116) المزاج المختلف من الحرارة والبرودة كان الألم شديدا جدا. ومتى كان من الرطوبة واليبوسة كان ضعيفا، غير أن هذا يناقض مذهبه. فإنه يرى أن المؤلم بالذات يفرق الإتصال والرطوبة لا يفعل ذلك ولنا في هذا البحث كلام آخر قد ذكرناه في شرحنا لكليات القانون.
अज्ञात पृष्ठ