221

البحث الثاني:

المراد هاهنا (311) بالخلط السوداوي في عرف الطب وهو المتولد مع الدم في الكبد وبالمرة السوداء المحترق من هذا الخلط ومن غيره. والفرق بين الطبيعي من السوداء وبين المحترق منها من وجوه خمسة: أحدها أن الطبيعي ليس له طعم مخصوص ينسب إليه فإن فيه حلاوة وحموضة وعفوصة، وأما (312) المحترق فإنه خالص الحموضة؛ ثانيها أن الطبيعي مواده (313) ليس له بريق والمحترق له ذلك؛ ثالثها أن الطبيعي إذا وضع على الأرض لم تغل (314) منه، والمحترق تغلى (315) منه؛ رابعها أن الطبيعي يهوي عليه الذباب ويأكل منه، والمحترق ينفر منه ولم يقربه البتة؛ خامسها أن الطبيعي في خروجه راحة للبدن (316)، والمحترق هلاكة على ما عرفته.

البحث الثالث:

المفهوم من هذا (317) الكلام أن المرة السوداء خروجها من ذاتها لا من دواء مسهل يخرجها إذ لو كان المفهوم من كلامه ذلك لكان قال «أي مرض أخرجت في ابتدائه المرة السوداء»، وأيضا لو كان المفهوم منه ذلك لم يكن هذا القدر علامة مهلك، وخصص حكمه بالابتداء وإن كان خروج المادة المذكورة في جميع أوقات المرض علامة مهلكة، غير أنها متى كان خروجها في أول المرض دل على قوة السبب (318)، ولا شك أن قوة السبب في الابتداء أدل على الهلاك لأنه لم تمهل الطبيعة المقاومة بل يقهرها بقوته (319)، ولذلك قال «فذلك علامة مهلكة» ولم يقل «علامة رديئة».

البحث الرابع:

قال جالينوس: ما دام المرض في ابتدائه فليس شيء مما يبرز من بدن (320) المريض يكون خروجه بحركة من الطبيعة لكن جميع ما يخرج إنما خروجه (321) بحالة خارجة عن المجرى الطبيعي (322) لأنه لا يمكن أن تكون الطبيعة في الوقت الذي يكون فيه مثقلة بأسباب المرض ولم ينضج فيه الأخلاط بعد قادرة على استفراغ شيء ينتفع باستفراغه (323). وهذا الكلام من الفاضل جالينوس حق فإن الطبيعة تستحيل أن تكون قادرة على الدفع عند كونها مثقلة أو تكون المواد متهيئة للدفع عند كونها مستعصية كحالها في ابتداء المرض . فإن خرج شيء منها فخروجها لأحد الأمرين (324): إما لكثرة مقدارها فتغمر القوة الماسكة وتخرج هي بنفسها كحال الماء الغمر القوي الجريان إذا منع عن جهة بمانع ضعيف بالنسبة إليه فإنه يغمر ويسيل إلى تلك الجهة (325)، وإما لحدة المواد فتلذع (326) المجرى وتحوج الطبيعة الخاصة به أن تتخلى عن مسكها (327) وتخرج هي بنفسها كما في هذه الصورة التي ذكرها أبقراط، فإن المرة السوداء رداءتها لأجل حدتها وكثرة نكايتها لا لأجل كثرة مقدارها على ما عرفت. ولما كان حالها كذلك صار خروجها مطلقا من فوق أو أسفل (328) علامة رديئة مهلكة (329).

23

[aphorism]

قال أبقراط: من كان قد أنهكه مرض حاد أو مزمن أو إسقاط أو غير ذلك ثم خرجت منه مرة سوداء أو بمنزلة الدم الأسود فإنه يموت من غد ذلك اليوم. (330)

[commentary]

अज्ञात पृष्ठ