178

البحث الثاني:

قال جالينوس: لو كان مزاج الهواء المحيط بنا وحده هو السبب في حدوث الأمراض لكان جميع الناس يمرضون في كل واحد من أوقات السنة بأمراض تشاكل ذلك الوقت. وهذا كلام صحيح، فإنا إذا استقرئنا ما يحدث في كل فصل من الأمراض رأيناها مختلفة الأنواع في الأكثر بعضها سوداوية وبعضها بلغمية وبعضها * صفراوية (1164) . فإن قيل: فأبقراط نفسه عند ذكره أمراض الفصول فيما بعد حكم بحدوث الأمراض الصفراوية في الصيف والسوداوية في الخريف والبلغمية في الشتاء في الأكثر وغالب * الأمر (1165) وعند * هذا (1166) يقول القائل لا يصح هذا التفسير، فنقول: حكم أبقراط في هذه الفصول بما ذكره إنما هو بالنظر إلى طبيعة الفصول المذكورة لا إلى طبيعة القابل، وحكمه في هذا الفصل بالنظر إليهما جميعا، ولأجل هذا قال في آخر الفصل «إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن تحدث وتهيج».

البحث الثالث:

قال جالينوس: ليس يمكن أن يكون الضرر PageVW5P156A الذي ينال البدن الحار والبدن البارد من السبب الواحد على مثال * واحد (1167) ، ولا ما ينال الرطب واليابس من السبب الواحد شيء واحد، ولا ما ينال المعتدل من السبب الواحد * هو (1168) ما ينال كل واحد من الحار والبارد منه. وهذا كلام حق، فإن استعدادات الأبدان لها حكم آخر، وهذا القدر راجع إلى اختلاف التدابير في المأكل والمشارب والحركات وغير ذلك فتختلف المواد البدنية لذلك، وعند اختلافها يختلف قبولها لتأثير السبب العام فتختلف الأمراض.

البحث الرابع

في فائدة تقييد حكمه بحدوث ما يحدث في كل وقت بلفظة أخرى ولم يقل يجب لقائل أن يقول إن لفظة الوجوب أجود من لفظة أخرى، وذلك لأن مواد البدن مختلفة ومن شأن المادة المناسبة لطبيعة كل فصل أن يتحرك فيه وتحدث مرضا، وأيضا فإن لكل فصل مادة مخصوصة شأنها أن تتولد فيه وتحدث ما يناسبها من الأمراض: أقول إن هذا وإن كان حقا غير * أن (1169) المادة المتقدمة قد تكون قليلة والقوة البدنية في الفصل المناسب لها قوية مستولية عليها فعند ذلك لم يحدث من المادة المناسبة مرض أو أن صاحبها يبادر ويستفرغها أو يستعمل عند إتيان فصلها ما يضاد مزاجها ويكسر قوتها، وبالجملة يقابلها بما يضادها من الأشربة والأغذية، * وكذلك (1170) يفعل بالمادة المتولدة في الفصل. فلما كانت هذه الأمور محتملة الوقوع قيد * حكمه (1171) هاهنا بلفظة أخرى ولم يقيده بلفظة الوجوب.

البحث الخامس

في فائدة * قوله (1172) «تحدث وتهيج»: أقول: هذا الكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن * يقال (1173) إنه قد عرف أن المواد المولدة للأمراض قد تتولد في الفصل المناسب وقد تكون حاصلة قبل مجيء الفصل غير أنها كانت مقهورة بغيرها فلما ورد عليها الفصل * المناسب (1174) لها حركها وأوجب لها القوة لما يحدث عنها، ولما كان حال المواد البدنية كذلك عبر عما يحدث عنها بالحدوث عن المواد الوقتية وبالهيجان عن المواد * المتقدمة (1175) ؛ وثانيهما أن * يقال (1176) توليد فصول السنة للأمراض على ما * ستعرفه (1177) على وجهين: أحدهما بمعنى الحدوث، والثاني بمعنى التهيج، فالأول مثل * الصيف (1178) والخريف والشتاء، والثاني مثل * الربيع (1179) . ولما كان * حال (1180) فصول السنة في توليد الأمراض هذه الحال، أشار أبقراط إلى ذلك وقدم لفظة الحدوث على الهيجان، وإن كان حدوث الهيجان في أعدل الفصول على ما ذكرنا في الوجه الثاني لأن الموجب للحدوث أقوى من الموجب للهيجان فإن السبب * لن (1181) يقوى على إحداث ما يحدثه * ما (1182) لم يكن قويا بخلاف المهيج فإن أدنى سبب يهيج المادة المناسبة له لاستعدادها * لذلك (1183) .

20

[aphorism]

अज्ञात पृष्ठ