Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman
شرح فتح المجيد للغنيمان
शैलियों
الإرادة الشرعية والكونية
قال الشارح ﵀: [وكذلك ما خلقهم إلا لعبادته، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون، وهو سبحانه لم يقل: إنه فعل الأول -وهو خَلقهم- ليفعل بهم كلهم الثاني -وهو عبادته- ولكن ذكر أنه فعل الأول ليفعلوا هم الثاني، فيكونوا هم الفاعلين له، فيحصل لهم بفعله سعادتهم، ويحصل ما يحبه ويرضاه منه ولهم، انتهى.
ويشهد لهذا المعنى ما تواترت به الأحاديث، فمنها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك ﵁ عن النبي ﷺ قال: (يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابًا: لو كانت لك الدنيا وما فيها ومثلها معها أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم.
فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم: ألا تشرك -أحسبه قال: ولا أدخلك النار- فأبيت إلا الشرك)، فهذا المشرك قد خالف ما أراده الله تعالى منه، من توحيده، وألا يشرك به شيئًا، فخالف ما أراده الله منه فأشرك به غيره، وهذه هي الإرادة الشرعية الدينية كما تقدم].
يعني أن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية دينية تتضمن دين الله وأمره ومحبته، وإرادة كونية قدرية لا يلزم أن يحبها ولا يأمر بها، ولكن كل شيء يقع فهو بالإرادة الكونية، فإن كان الواقع محبوبًا لله فإن الإرادتين تتفقان فيه، كالطاعة -مثلًا- والإيمان، فطاعة الطائع وإيمان المؤمن اجتمعت فيهما الإرادة الكونية والإرادة الدينية الأمرية الشرعية، ولولا الإرادة الكونية ما حصل شيء؛ لأنه لا يكون في الوجود إلا ما أراده الله جل وعلا، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، كما يقوله المسلمون، كل المسلمون يقولون هذا، يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فمشيئة الله نافذة عامة لا يخرج منها شيء، وهذه المشيئة هي الإرادة الكونية، فالمشيئة والإرادة الكونية شيء واحد، كما قال جل وعلا: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:٢٥٣]؛ لأن كل شيء بإرادته ومشيئته.
4 / 11