शरह दीवान मुतनब्बी
شرح ديوان المتنبي
शैलियों
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله «أما بعد» فلما أمضيت النية - سنة 1349ه/سنة 1930م - على أن أضع شرحا على ديوان أبي الطيب المتنبي، وأخذت في معالجة هذا العمل، وكان الناشر إذ ذاك يحفزني حفزا، ولا يكاد يبلعني ريقي، وكان يتناول مني «أصول» هذا الشرح دراكا «أولا بأول» ويقدمه إلى المطبعة نيئا لم تنضجه نار التثبت والروية، وأخيرا تمثل بالطبع ولم يمض على وضعه وطبعه أكثر من عشرة أشهر، لما حدث هذا طفقت أقلب النظر في هذا الكتاب وأعيد الكرة، الخطرة بعد الخطرة، وكلما أنعمت النظر في الشرح بدا لي ما يسوء ويكمد، ويحز في الكبد، من أخطاء مطبعية، وتقصير في شرح بعض الأبيات، وهنيات من هذا القبيل، شأن كل عمل لم يتريث فيه، ولم يوف حقه من الأناة والتحقيق ... فلم يك مني إلا أن صححت النسخة التي بين يدي، وتناولتها بالتنقيح والتهذيب، والحذف والزيادة، وتداركت جميع المآخذ، حتى إذا قدر لهذا الشرح أن يعاد طبعه، طبع على هذه النسخة.
وما زلت على هذه الحال مستعصما بالصبر حتى نفدت نسخ هذه «الطبعة»، ولم يك بد من إعادة طبع هذا الديوان، فكانت فرصة جميلة مؤاتية أحيت ميت الأمل، وحفزتني إلى استئناف العمل، فكان أن وجهت عزيمتي إلى التوسع في هذا الشرح وجعله شرحا وافيا من كل نواحيه، شرحا أورد فيه جميع تفاسير الشراح، وأقوال النقاد، وأستوعب مزايا كل الشروح، وليس ذلك أثرة مني واستبدادا بالمتنبي، ولكنه حب الكمال، وما يسمونه المثل الأعلى ... فلقد رأيت بعض الشراح قد اختصر الطريق، واكتفى بتفسير الكلمات اللغوية، وبعضهم قد جعل وكده الإعراب وما يتعلق بالأبيات من جهة النحو والتصريف، وآخرين قصروا عنايتهم على إيراد السرقات والأشباه والنظائر. بيد أن هذه الأشباه - ومثلها الشواهد النحوية التي أوردها العكبري، ومن قبله الإمامان: أبو الفتح بن جني، والواحدي - تحتاج هي الأخرى إلى الشرح والتفسير ... ورأيت في بعض عبارات القدامى من الشراح غموضا يجمل أن يوضح أو يستبدل به غيره، مما يوائم أذهان هذا الجيل ... فكان كل أولئك مما حفزني إلى الاحتفال والاحتشاد لهذا الشرح ... فكان أن أوردت فيه جميع تفاسير الشراح - من متقدمين ومتأخرين - وأقوال نقدة المتنبي - من متعصبين له ومتعصبين عليه - وأكثرت من إيراد الشواهد، والأشباه والنظائر، وشرحت ما غمض من هذه الشواهد والأشباه ، ومن عبارات الشراح، فضلا عن تصحيح الأخطاء التي ألمت بالشرح الأول، حتى أربى هذا الشرح على الشروح كلها مجتمعة، وحتى صار هذا الشرح شرحا للمتنبي، وشرحا لشروح المتنبي ...
على أنني لا أدعي أن الكمال الذي نشدت قد تحقق، وحسبي أني لم آل جهدا، ولم أدخر وسعا، وإن كان جهد المقل، وغاية المستطيع، ورحم الله العماد الأصفهاني حين يقول: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل ... وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر. «وأما بعد» فلمناسبة هذا الشرح الجديد، والاحتشاد فيه، والعمل على جعله مغنيا عما عداه: رأيت أن أتبسط شيئا في سيرة المتنبي - ولا سيما ما كان منها عونا على معرفة المناسبات والظروف التي قيلت فيها قوافيه - وكذلك رأيت أن أترجم شراح المتنبي ممن ورد ذكرهم في هذا الشرح، وإتماما للفائدة جمعت أمثال المتنبي وحكمه وألحقتها بهذه الكلمة.
وإنما نترامى بهذا كله إلى أن يكون هذا الكتاب - ديوان المتنبي وشرحه ومقدماته - كفيلا بتحقيق كل ما يصبو إليه دارس شعر المتنبي.
وإني أسأله - سبحانه - أن يهبه من السلامة ما يحقق له رضا المنصفين، ويضفي عليه من القبول ما يعم به انتفاع المتأدبين، إنه سبحانه بذلك كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
عبد الرحمن البرقوقي
1357ه/سنة 1938م
سيرة المتنبي
अज्ञात पृष्ठ