शरह अक़ीदा तहाविय्या

Ibn Abi al-Izz d. 792 AH
57

शरह अक़ीदा तहाविय्या

شرح العقيدة الطحاوية

अन्वेषक

أحمد شاكر

प्रकाशक

وزارة الشؤون الإسلامية

संस्करण संख्या

الأولى

प्रकाशन वर्ष

١٤١٨ هـ

प्रकाशक स्थान

والأوقاف والدعوة والإرشاد

بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَانِي الْغَيْبِيَّةِ، وَالْمَعَانِي الشُّهُودِيَّةِ الَّتِي كَانُوا يَعْرِفُونَهَا، وَقَرَنَ بِذَلِكَ مِنَ الْإِشَارَةِ وَنَحْوِهَا مَا يُعْلَمُ بِهِ حَقِيقَةُ الْمُرَادِ، كَتَعْلِيمِ الصَّبِيِّ، كَمَا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "النَّاسُ فِي حُجُورِ عُلَمَائِهِمْ كَالصِّبْيَانِ فِي حُجُورِ آبَائِهِمْ". وَأَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ الرَّسُولُ مِنَ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مِمَّا أَدْرَكُوا نَظِيرَهُ بِحِسِّهِمْ وَعَقْلِهِمْ، كَإِخْبَارِهِمْ بِأَنَّ الرِّيحَ أَهْلَكَتْ عَادًا، فَإِنَّ عَادًا مِنْ جِنْسِهِمْ، وَالرِّيحَ مِنْ جِنْسِ رِيحِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ أَشَدَّ. وَكَذَلِكَ غَرَقُ فِرْعَوْنَ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَلِهَذَا كَانَ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ فِيهِ عِبْرَةٌ لَنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (١). وَقَدْ يَكُونُ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ الرَّسُولُ مَا لَمْ يُدْرِكُوا مِثْلَهُ الْمُوَافِقَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكِنَّ فِي مُفْرَدَاتِهِ مَا يُشْبِهُ مُفْرَدَاتِهِمْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. كَمَا إِذَا أَخْبَرَهُمْ عَنِ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمُوا مَعْنًى مُشْتَرَكًا وتَشبيهًا بَيْنَ مُفْرَدَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَبَيْنَ مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ مما عَلِمُوهُ فِي الدُّنْيَا بِحِسِّهِمْ وَعَقْلِهِمْ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْهَدُوهُ بَعْدُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ يَشْهَدُوهُ مُشَاهَدَةً كَامِلَهً لِيَفْهَمُوا بِهِ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْغَائِبِ، أَشْهَدَهُمْ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ لَهُمْ إِلَيْهِ، وَفَعَلَ قَوْلًا يَكُونُ حِكَايَةً لَهُ وَشَبَهًا بِهِ، يَعْلَمُ الْمُسْتَمِعُونَ أَنَّ مَعْرِفَتَهُمْ بِالْحَقَائِقِ الْمَشْهُودَةِ هِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي يَعْرِفُونَ بِهَا الْأُمُورَ الْغَائِبَةَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يعْرفَ هَذِهِ الدَّرَجَاتُ: أَوَّلُهَا: إِدْرَاكُ الْإِنْسَانِ الْمَعَانِيَ الْحِسِّيَّةَ الْمُشَاهَدَةَ. وَثَانِيهَا: عَقْلُهُ لِمَعَانِيهَا الْكُلِّيَّةِ. وَثَالِثُهَا: تَعْرِيفُ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ. فَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ خِطَابٍ. فَإِذَا أَخْبَرْنَا عَنِ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِنَا الْمَعَانِيَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَشْهُودَةِ وَالِاشْتِبَاهَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ بِتَعْرِيفِنَا الْأُمُورَ الْمَشْهُودَةَ، ثُمَّ

(١) سورة يُوسُفَ آية: ١١١.

1 / 60