جَذَبَهُ بِهِ الِاتِّحَادِيُّ إِلَيْهِ، وَأَقْسَمَ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِ إِنَّهُ مَعَهُ، لَوْ سَلَكَ الْأَلْفَاظَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي لَا إِجْمَالَ فِيهَا كَانَ أَحَقَّ، مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَامَ حَوْلَهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبًا مِنَّا لَنَبَّهَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ وَبَيَّنَهُ، فَإِنَّ عَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، فَأَيْنَ قَالَ الرَّسُولُ هَذَا تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ، وَهَذَا تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ، وَهَذَا تَوْحِيدُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ؟ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى؟ أو أشار إلى هَذِهِ النُّقُولِ وَالْعُقُولُ [حَاضِرَةٌ] (١).
فَهَذَا كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ عَلَى رَسُولِهِ، ﷺ، وَهَذِهِ سُنَّةُ الرَّسُولِ، وَهَذَا كَلَامُ خَيْرِ الْقُرُونِ بَعْدَ الرَّسُولِ، وَسَادَاتِ الْعَارِفِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ، هَلْ جَاءَ ذِكْرُ الْفَنَاءِ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ؟ وَإِنَّمَا حَصَلَ هَذَا مِنْ زِيَادَةِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، الْمُشْبِهِ لِغُلُوِّ الْخَوَارِجِ، بَلْ لِغُلُوِّ النَّصَارَى فِي دِينِهِمْ. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى - الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ وَنَهَى عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ (٢).
وَقَالَ ﷺ: «لَا تُشَدِّدُوا فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ، رَهْبَانِيَّةٌ ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ)
اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. وَلَكِنَّ لَفْظَ"التَّشْبِيهِ"قَدْ صَارَ فِي كَلَامِ النَّاسِ لَفْظًا مُجْمَلًا يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ، وَهُوَ مَا نَفَاهُ الْقُرْآنُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ، مِنْ أَنَّ
_________
(١) في الأصل: (خطرة) والصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن.
(٢) سورة المائدة آية: ٧٧.
1 / 52