قال أرسطاطاليس : وجوده ل ج وهو أبتوسط ب ، وب تكون موجودة ل ج . فأما القياس السالب فتكون إحدى المقدمتين أحد حديهما معقول على الأخر ؛ وأما الأخرى فيكون أحد حديهما غير معقول على الحد الأخر . وبين ظاهر أن الأصول التى تبنى منها ذات القياس هى بهذا العدد ، من قبل أنه يلزم من الاضطرار البرهان عندما يتكون هى بهذا العدد ، مثل أن تكون أموجودة ل ج بتوسط ب ، وتكون أيضا ب موجودة ل ح . » التفسير غرضه فى هذا الفصل : هل تركيب القياس المستقيم يمر إلى نهاية من أحد طرفيه ، أو من كليهما ، أو من وسط - أعنى أن يحمل محمول على موضوع ، ومحمول آخر على ذلك المحمول ، وعلى ذلك المحمول ثالث ، ويمر الأمر إلى غير نهاية ؟ أم يجب أن يتناهى هذا الحمل ؟ وكذلك قصده [٩٣ ب ] أن يطلب هنا القياس أيضا الذي فرض نتائج من جهة المحمول يتناهى فى التحليل إلى موضوع ليس يحمل على شىء أصلا . وذلك انه بين أن كل ثلاثة أشياء يحمل أحدها على الثانى ، والثانى على الثالث ، أن الثالث موضوع ليس بمحمول ، والأول محمول ليس بموضوع ، والوسط موضوع ومحمول . فهو يطلب فى مثل هذا الفرض : هل يمر الحمل فى أمثال هذه الثلاثة الحدود إلى ما لا نهاية ، أو يمر الوضع إلى مالا نهاية ، أو تمر الأوساط التى بين الطرفين المفروضين إلى غير نهاية ؟ مثل أن نفرض بين أوح أوساطا لا نهاية لها ، كل واحد موضوع للذى فوقه ، ومحمول على الذى تحته . ولما كان هذا المطلوب لا يتصور إلا بأن يقدم قبل ذلك مقدمة من كتاب « القياس » ، وهو أن كل قياس فإنما تبنى ذاته من ثلاثة حدود ، ابتدأ بهذه المقدمة . فقوله : « وكل قياس فإنما تنبنى ذاته من حدود » - : الاقيسة الحملية البسيطة ، على ما تبين فى كتاب « القياس » . وقوله : « أحد الحدود هو الذى بين وجوده ل ج ، وهو أبتوسط ب ، وب تكون موجودة ل ج » - يريد ؛ وأحد هذه الحدود هو الحد الأكبر الذى عليه علامة أالذى بين وجوده للطرف الأصغر الذى عليه علامة ج ، بتوسط الحد الأوسط الذى عليه علامة ب . فقوله : « وأتكون موجودة ل ج » يريد: بتوسط ب ، إذا كانت أموجودة ل ب ، وب موجودة ل ج . وإنما شرط الإيجاب فى المقدمتين لأن هذا هو الذى ينتج الموجب . ولما ذكر صورة القياس الموجب ، ذكر صورة القياس السالب ، إذ ليس قصده فى هذا الفحص أن يفحص عن القياس الموجب المركب ، أعنى : هل يتناهى من طرفيه ووسطه ، أم لا يتناهى ؟ بل وعن القياس السالب ، فقال : « فأما القياس السالب فتكون إحدى المقدمتين أحد حديها معقول على الآخر، وأما الأخرى فيكون أحد حديهما غير معقول على الحد الآخر » - يريد فأما القياس السالب ، فإذا كان لا بد فيه من مقدمة سالبة ، ومقدمة موجبة ، يكون حد إحدى المقدمتين مقولا على الحد الآخر بإيجاب . وهو إما حمل الأوسط على الأصغر، وإما الأكبر على الأوسط ؛ ويكون أحد حدى الأخرى مقولا بسلب . وهذا أيضا : إما الحد الأكبر على الأصغر ، وإما الأوسط على الأصغر . وإنما لم يبال هاهنا - فيما أحسب - أن تكون الصغرى هى السالبة ، أو الكبرى لأن هذا النظر هو فى قياس ليس على مطلوب محدود . وذلك الشرط إنما يعتبر بالإضافة إلى مطلوب محدود ، أعنى كون الصغرى موجبة ولا بد ، والكبرى سالبة على ما بين فى كتاب « القياس » . وقوله : « وبين ظاهر أن الأصول التى تنبنى منها ذات القياس هى بهذا العدد » - يريد انه يطهر أن أقل الأصول التى يبنى منها القياس هى بهذا العدد ، أى ثلاثة ، من قبل أنه يلزم عن وضعها بهذا العدد شىء آخر غيرها ، وهو الذى يسمى نتيجة ، وأنه يلزم [٩٤ أ] عن أقل من هذا العدد شىء آخر هو غيره الذى أراد بقوله : « من قبل أنه يلزم من الاضطرار البرهان عندما يكون بهذا العدد » الشىء المبرهن ، أى النتيجة . وقوله : « مثل أن تكون أموجودة ل ج بتوسط ب ، وتكون ب موجودة ل ج » - يريد : مثل أنه إذا وضعنا أموجودة ل ج ، فإنه يتبرهن ضرورة عن هذا أن أموجودة ل ج . وكذلك فى السلب ، مثل أنه إذا وضعنا أن أمسلوبة عن ب ، وب موجودة ل ج ، فإنه يتبرهن عن هذا أن أمسلوبة عن ج . قال أرسطاطاليس : « فأما القياس بمقدمات مظنونة ومأخوذة من الآراء المشهورة وعلى طريق نحو الجدل . فظاهر أن البحث عن قياسهم يكون على انه من مقدمات مشهورة ، حتى إنها وإن كان لها وسط بالحقيقة يظن أنها غير ذات وسط ، فإن القياس على طريق الجدل بأمثال هذه يقيس . » التفسير لما كان غرضه إنما هو الفحص عن المحمولات فى البرهان : هل تتناهى ؟ وكذلك الموضوعات ؛ وكان هذا ليس يبين فى المقدمات الجدلية وإنما يبين فى المقدمات البرهانية - أخذ يقدم لذلك أن المقدمات صنفان : جدلية ، وبرهانية ، ويعرف السبب الذى من قبله ليس يتصور هذا الفحص فى المقدمات الجدلية . وهذا كله بعد أن قدم لذلك أن كل قياس فإنه يكون ، أقل ذلك ، من ثلاثة حدود فقال : « فأما القياس بمقدمات مظنونة ومأخوذة من الآراء المشهورة فظاهر أن البحث عن قياسهم يكون على أنه من مقدمات مشهورة » - يريد : وهذا الطلب ليس يتصور في القياس الذى يكون من مقدمات مظنونة ، لأن القياس الذى سيكون من مقدمات مظنونة - وهى المأخوذة من الآراء - البحث فيه إنما يكون عن المقدمات المشهورة من غير المشهورة لاعن يتناهى أو لا يتناهى . ولما أخبر أنه يلزم أن يكون البحث فى القياس الجدلى أن يبحث باحث عنه عن الشهرة فى المقدمات المشهورة ، عرف أن هذا هو السبب الذى من قبله لا يتعرض الجدل إلى هذا الفحص فى المقدمات المشهورة ، فقال : « حتى إنها ، وإن كان لها وسط ، يظن أنها غير ذات وسط » - يريد أنه يعرض له عندما يفحص عن المقدمات المشهورة أن تكون ذات وسط ، فيظن بها أنها غير ذات وسط ، وبالعكس ؛ ولذلك ليس يمكن فيها إحصاء الأوساط بالحقيقة ، فضلا عن أن يوقف منها عند الطلب أنها متناهية أو غير متناهية . والسبب فى ذلك أن المشهور ليس هو بمطابق للموجود . فإذن هذا الفحص [٩٤ ب ] ليس يمكن فى المقاييس الجدلية . ولما عرف هذا ، عاد إلى ذكر القياس الذى يمكن فيه هذا الفحص ، فقال : فأما الذين . . . قال أرسطاطاليس : « فأما الذين يقيسون على طريق الحق ، فإنه ينبغى أن ينظر فى مقدماتهم على أنها مأخوذة من الأمور الموجودة . وذلك بمنزلة ما يكون أحد حديها محمولا على الآخر على طريق العرص . ومعنى قولنا : « على طريق العرض » بمنزلة ما يحمل الإنسان على الأبيض . وليس هذا الحمل بمنزلة حملنا على الإنسان أنه أبيض ، وذلك أنه ليس حملنا على الأبيض أنه إنسان من حيث هو أبيض . فأقا الأبيض فإنا نحمله على الانسان من قبل أنه يعرض للإنسان أن يكون أبيض ، فإنه توجد أشياء هى بعينها تكون محمولة على أنفسها . » التفسير لما قدم بيانه أن كل قياس إنما يكون - أقل ذلك - من ثلاثة حدود ، وأن هذا الفحص إن كان فى القياس الجدلى فبين أنه يكون فحصا غير طبيعى ، لأن مقدمات المقاييس الجدلية والمشهورة ليس من شرطها أن تكون مطابقة للموجود - أخذ يقدم أيضا لذلك مقدمة ثانية وهى أن هذا الفحص إنما يكون فى الحمل على المجرى الطبيعى ، وهو الحمل الذى يكون فيه المحمول محمولا بالطبع ، والموضوع موضوعا بالطبع ، وهو أن يكون المحمول مما يحتاج فى وجوده إلى موضوع ، والموضوع مما يقوم به محمول ما . وذلك أن هاهنا أشياء يظن من أمرها أنها موضوعات غير محمولات بالطبع ، ومحمولات بالطبع غير موضوعات لشىء بالطبع ، وموضوعات محمولات معا بالطبع ، أى موضوعات لشىء بالطبع محمولات على شىء آخر بالطبع . فهو يطلب هذا المعنى فى المحمولات الطبيعية والموضوعات الطبيعية ، أعنى هل فيها بسائط ؟ إذ كان فيها أوساط . وهل إن كان فيها بسائط أوساطها متناهية ، أم غير متناهية . فقوله : « فأما الذين يقيسون على الحق » - يعنى به المبرهن . وقوله : « فإنه ينبغى أن ننظر فى مقدماتهم من جهة أن مقدماتهم فى الحمل يحاكى بها الأمور الموجودة . وهو الذى دل عليه بقوله : « على أنها مأخوذة من الأمور الموجودة » - أى على أن أجزاءها مأخوذة فى الحمل والوضع على ما هى عليه الأمور الموجودة أنفسها . ثم حد هذا الحمل ما هو فقال : « وذلك بمنزلة ما يكون أحد حديها محمولا على الأخر ، لا على طريق العرض » - يريد بطريق العرض : الحمل الذى يعرض فيه أن يكون الشىء يحمل على نفسه ، وهو الحمل على غير المجرى الطبيعى . فإن [٩٥ أ] الحمل على غير المجرى الطبيعى هو حمل بالعرض بهذه الجهة ، وإن كان من الأمور الذاتية مثل حمل ذوات الفصول على الفصول ، وحمل ذوات الحدود على الحدود . وقوله : « بمنزلة ما يحمل الإنسان على الأبيض » - يعنى قول القائل : إن الأبيض إنسان . وإنما كان ذلك كذلك لأن الانسان هو بالطبع موضوع للبياض ، والبياض محمول عليه بالطبع . فمن قال : الانسان أبيض ، فقد حمل حملا طبيعيا ؛ ومن قال : الأبيض انسان ، فقد حمل حملا غير طبيعى ، لأنه عرض له أن حمل الشىء على نفسه . وليس كل محمول على المجرى الطبيعى يكون ذاتيا ، مثل حمل الأبيض على الانسان ، فإنه حمل على المجرى الطبيعى ، وهو غير ذاتى . وهو إنما جعل مثاله ها هنا مأخوذا من حمل الأعراض على الجواهر ، لأنه وإن لم يكن ذاتيا فهو على المجرى الطبيعى . وقوله : « وليس هذا الحمل بمنزلة حملنا على الإنسان أنه أبيض » - يريد أن هذا الحمل هو على غير المجرى الطبيعى . ثم وفى السبب فى ذلك فقال : « وذلك أنه ليس حملنا على الأبيض أنه إنسان من حيث هو ابيض » - يريد : وإنما كان حملنا الانسان على الأبيض بهذا النوع من العرض من قبل أنه ليس هو إنسان بما هو أبيض ، إذ كان يكون ما هو أبيض ليس بإنسان . < وقوله : « فإنه توجد أشياء > هى بعينها تكون محمولة على أنفسها » - يريد : أن هذا يعرض فى حمل الأعراض التى يدل عليها بأسماء مشتقة على الجواهر ، وفى حمل الجواهر عليها . وذلك أن تقدير قولنا : « الأبيض هو إنسان » - هو قولنا : « الانسان الأبيض هو انسان » . كذلك قولنا : « الانسان أبيض » تقديره : الانسان هو إنسان أبيض . قال أرسطاطاليس : ه موجودة لها أولا من غير وسط . وليوجد ل ه : د ، ول د : ب . فالنظر يجب أن يقع هكذا : هل الإمعان إلى فوق يلزم من الاضطرار أن يقف [ 82 a ]* ، أو يكون يمضى إلى غير نهاية ؟ » التفسير يقول : فليكن ما عليه علامة ج هو موضوع لغيره فقط دون أن يحمل على شىء آخر ، أى يكون موضوعا أخيرا ليس محمولا على لشىء أصلا . يريد : لنفرض شيئا على هذه الصفة ، ثم نطلب : هل تتناهى المحمولات عليه ، أم لا ؟ فقوله : « مالا يوجد لشىء غير الشىء الذى هو له » - يريد : أى ما لا يوجد لشىء غير الشىء الذى هو ذاته ، مثل زيد ، فإنه لا يوجد لشىء إلا لزيد فقط ، أى أنه لا يحمل على شىء آخر ؛ ومثل الانسان الذى هو نوع آخر، فإنه لا يحمل على كلى أصلا . وقوله : « وليوجد له د » - يريد : وليحمل على المحمول الأول الذى هو ه محمول ثان بغير وسط ، وهو د . وليحمل أيضا على د محمول [ ٩٥ ب ] رابع ، وهكذا فإذا وضعت أشياء بهذه الصفة ، وقع الإمعان إلى فوق . وإذا كان ذلك كذلك ، فالنظر يقتضى إما أن يمر هذا الإمعان إلى مالا نهاية ، أى يوجد للمحمول محمول إلى غير نهاية ، أو يقف الأمر فينتهى إلى محمول ليس هو موضوع الشىء أصلا . وهذا هو الذي دل عليه بقوله ؛ " فالنظر يجب أن يقع هكذا : هل هذا الإمعان إلى فوق يلزم من الاضطرار أن يقف ، أو يكون يمضى إلى غير نهاية ؟ » - يريد : فالنظر يوجب فى المرور فى مثل هذه المحمولات إلى فوق أن يقف الحمل ، أو أن يكون يمضى إلى غير نهاية . قال أرسطاطاليس : « وأيضا إن كانت أليس يحمل عليها شىء بالذات ، وكانت أموجودة ل ط أولا من غير توسط ، وكانت ط موجودة ل ح ، وح موجودة ل ب - فالنظر هنا : هل هذا الامعان إلى أسفل ينقطع ، أو يمكن أن يمضى إلى مالا نهاية له ؟ » التفسير لما كان المطلوب فى هذه المحمولات التى بهذه الصفة ثلاثة أشياء : أحدها إذا فرضنا موضوعا آخر : هل يمكن أن تتناهى المحمولات عليه حتى يوجد . عنها محمول أخير ليس يحمل عليه شىء ، أو لا يتناهى ؟ والثانى : هل إذا فرضنا محمولا أخيرا ، أعنى ليس يحمل عليه شئ ، وحمل هو على غيره ، وذلك الغير على غيره : هل ينتهى الأمر إلى موضوع أخير ، أو لا ينتهى الأمر ، بل يمر هذا الإمعان إلى أسفل بغير نهاية ؟ والثالث : هل إذا حملنا محمولا ما أولا على موضوع ما بأوساط كثيرة : هل يحب فى تلك الأوساط أن تتناهى ، أو لا تتناهى ؟ و< لما > كان قد ذكر القسم الأول ، عاد إلى القسم الثانى وهو مرور الموضوعات إلى غير نهاية . وكلامه فى هذا مفهوم بنفسه . ومثاله من المواد : إن كان الموجود - مثلا - ليس يحمل عليه شىء بالذات ، وكان هو محمولا على الجسم ، وكان الجسم يحمل على المتغذى ، والمتغذى على الحيوان - هل ينتهى هذا الحمل فى الإمعان إلى أسفل دائما ، أو يقف عند موضوع أخير ليس هو محمولا على شىء ؟ كأنك قلت فى هذا المثال : والمتغذى على الحيوان ، والحيوان على الإنسان ، والإنسان على زيد وعمرو . قال أرسطاطاليس : « وأيضا فإنا نبحث عن الأوساط : أتراها قد يمكن أن تكون بلا نهاية ، والطرفان محدودان ؟ ومعنى هذا هو أنه إذا كانت أموجودة ل ح بوسط هو ب ، وكانت أشياء أخر محمولة على ب ، وعلى تلك الأشياء أشياء أخر : أترى يمكن الامعان فى ذلك إلى غير نهاية ، أم ذلك غير ممكن ؟ والبحث عن هذا المعنى [٩٦ أ] هو البحث على أنه : هل يمكن أن يمر البرهان إلى مالا نهاية ؟ وهل يكون برهان على كل شىء ؟ أم ينتهى الأمر فى البرهان إلى مقدمات غير ذات وسط ؟ » التفسير هذا هو الطلب الثالث ، وهو أن تمر الأوساط المأخوذة بين الأكبر والأصغر إلى غير نهاية . وذلك بأن يبين الحد الأكبر ، الذى هو أمثلا ، ل ح الذى هو الأصغر بوسط هو ب ، أعنى بأن تفرض أمحمولة على ب ، وب محمولة على ج . ثم يبين أيضا حمل أعلى ب بوسط هو د . وذلك بأن تحمل أعلى د ، ود على ب ، ثم يبين أيضا حمل أعلى د ، بوسط هو ه ، وذلك بأن تحمل أعلى ه ، وه على د . وكذلك يفعل أيضا فى حمل الطرف الأوسط على الأصغر ، أعنى أنا نأخذ له حدا أوسط ، وللأوسط : أوسط - فهل يمر مثل هذا إلى غير نهاية ؟ أو ينتهى إلى مقدمات غير ذوات أوساط ؟ فقوله : « وأيضا فإنا قد نبحث عن الأوساط : أترى هل قد يمكن أن تكون بلا نهاية ، والطرفان محدودان ؟ « - يعنى بلا نهاية بين الطرفين ، أو تكون متناهية ؟ ويعنى بالطرفين : الأكبر ، وهو . المحمول فى المطلوب ، والأصغر وهو الموضوع فى المطلوب . ولما ذكر الشىء الذى عنه يفحص أتى بمثال ذلك ، فقال : « ومعنى هذا هو أنه إذا كانت أموجودة ل ح بوسط هو ب ، وكانت أشياء أخر محمولة على ب ، وعلى تلك الأشياء أشياء أخر » - يريد : ومثال هذا الذى يطلب فيه هذا الطلب هو أن يزعم زاعم أن أمثلا موجودة ل ج ، بوسط هو ب ، وتكون أمحمولة على ب من قبل أن أشياء أخر محمولة على ب ، ومن قبل أن على تلك الأشياء أشياء أخر محمولة - فهل يتناهى مثل هذا الحمل حتى توجد أفى ب بأوساط لا نهاية لها ؟ أو هى متناهية ؟ وكذلك حال أمع ج ، وهو الذى أراد بقوله : « أترى يمكن الإمعان فى ذلك إلى غير نهاية ؟ أم ذلك غير ممكن ؟ » - يعنى بإمكان الامعان فى وجود الحدود الأوساط بين الطرفين ، وذلك بأن تكون إن كانت غير متناهية : إما بوجودها بهذه الصفة بين الطرف الأكبر والأوسط ، وإما بين الظرف الأوسط والأصغر ؛ وإما فى الموضعين معا . وإن كانت متناهية فإنما تكون فى الموضعين . ثم بين أن البحث عن هذا المعنى ليس هو من جنس البحث عن المعنيين المتقدمين ، لأن البحث عن هذا المعنى ، كما قال هو : هل يمكن أن تمعن البراهين فى الشىء الواحد إلى غير نهاية . يريد بالإمعان إلى غير نهاية أن ببين شىء ما بمقدمتين ، ثم تبين كل واحدة من تلك المقدمتين بمقدمتين أيضا ، وهكذا إلى غير نهاية ؛ - أم ينتهى مثل هذا المطلوب [٩٦ ب ] إلى أقيسة تكون عن مقدمات معروفة بأنفسها ؟ وقد كان تكلم على هذا المعنى فى أول هذه المقالة ، لكن رأى هنا أن يعيده . قال أرسطاطاليس : « والقول فى المقاييس والمقدمات السوالب على مثال القول فى الموجبات ، بمنزلة ما تكون أإما غير موجودة لشىء من ب أولا ، أو يكون بينهما وسط له أولا تكون أغير موجودة بمنزلة ح ، وتكون ح موجودة لكل ب . وأيضا إن كانت أغير موجودة لشىء هو قبل ح ، فهل يوجد لا يتناهى فى الشىء الذى هو قبل ح ، أم يلزم أن ينقطع ويقف ؟ » التفسير يقول : ومثل هذا الطلب ينبغى أن نطلب فى القياسات السالبة ، أعنى التى تنتج نتيجة سالبة . فقوله : « والقول فى المقاييس والمقدمات السوالب على مثال القول فى الموجبات » يريد - : وهذا النحو من الطلب ينبغى أن نطلبه فى المقاييس التى تكون فيها مقدمات سوالب ،على مثل ما نطلبه فى المقاييس التى تكون من مقدمات موجبة . وهذا أيضا إنما يتصور بأن لا يكون بين الطرف الأكبر المسلوب عن الأوسط وبين الأوسط وسط آخر يوجب سلب الأعظم عن الأصغر ، أو يكون بين الأكبر والأوسط وسط حتى يكون كل سلب إما أولا ، أى بغير وسط ؛ وإما أن ينتهى إلى سلب أول ، إن كان سلبا بوسط أو الأوساط تمر إلى غير نهاية . فقوله : « بمنزلة ما تكون أإما غير موجودة لشىء من ب أولا ، أو يكون بينهما وسط له أولا تكون أغير موجودة ، بمنزلة ح ، وتكون ح موجودة لكل ب » - يريد : وهذا الطلب يكون تصوره على أحد وجهين : اما إن كان السلب ليس يحتاج إلى سلب فيكون بمنزلة ما يفرض فارض أن أالتى هى الطرف الأكبر غير موجودة لشىء من ب الذى هو الحد الأوسط فى القياس السالب ، أعنى الذى مقدمته الكبرى سالبة وصغراه موجبة ، ويكون سلبها عن ب بغير وسط ، أى أول . فإن ألفى قياس مقدمته السالبة بهذه الصفة فبين أنه ليس يحتاج السلب إلى سلب . والوجه الأخر أن يكون بين أوبين ب - الذى هو الحد الأوسط وسط آخر عنه تسلب أسلبا أولا ، وتسلب من ب من قبل سلبها عن ذلك الوسط ، سواء كان ذلك الوسط واحدا إذا كان متناهيا ، أو أكثر من واحد ، فإنه يصل ضرورة إلى مقدمة مسلوبة سلبا أوليا . [٩٧ أ] وهذا هو الذى أراد بقوله : « أو يكون بينهما وسط له أولا تكون أغير موجودة بمنزلة ح ، وتكون ح موجودة لكل ب » - يريد : أو يكون بين الحد الأكبر والأوسط وسط عنه يكون الطرف الأكبر الذى هو مسلوب سلبا أوليا . مثل أن يكون الحد الأوسط ما عليه ب ، وتكون أمسلوبة عن ج سلبا أوليا ، وتكون ح موجودة ل ب ، فتكون أمسلوبة عن ب من قبل سلبها عن ح ، فيكون سلبها عن ب بوساطة ح . ولما ذكر هاتين الجهتين اللتين يتصور منهما تناهى المقدمات والسوالب فى القياس بانتهاء إلى سوالب أول ، أخذ يذكر القسم الثانى الذى تعطيه طبيعة التقسيم ، وهو أن يكون سلب الطرف الأكبر عن الأوسط بأوساط لا نهاية لها ليس ينتهى إلى سلب أول ، فقال : « وأيضا إن كانت أغير موجودة لشىء هو قبل ح ، فهل يوجد لا يتناهى فى الشىء الذى هو قبل ح ؟ أم يلزم أن ينقطع ويقف ؟ » - يريد : وإن كانت أمسلوبة عن الحد الأوسط الذى هوس سلبا ليس بأول ، بل من قبل قياسها عن شىء آخر هو وسط بين أوح ، أو أشياء أخر- فهل تنتهى مثل هذه الأشياء التى هى أوساط بين الظرف الأكبر والأوسط فى القياس الأول ، أعنى الأول فى التحليل ؟ أم ليس تتناهى ؟ وإنما وجب أن لا تتناهى المقدمات السوالب إن لم تنته الأوساط التى بين الطرف الأكبر والأوسط ، أعنى المسلوب عن الأوسط ، من قبل أن كل وسط يوجد هنالك فهو يتضمن مقدمتين إحداهما موجبة ، وهى الصغرى ، والأخرى سالبة وهى الكبرى . فيسأل أيضا فى هذه السالبة : هل هى بوسط ، أم لا ؟ فإن كانت بوسط ، فهنا لك أيضا مقدمتان : موجبة ، وسالبة . فيسال أيضا فى تلك السالبة هل هى بوسط ، أم لا ؟ وإذا وجد هذا يتسلسل ، فهل يمر ذلك إلى غير نهاية ؟ أم ينتهى الأمر إلى سالبة أولى ، أعنى يكون حملها من غير وسط ؟ وهذا هو الذى دل عليه بقوله : « فهل يوجد لا يتناهى فى الشىء الذى هو قبل ح ، أم يلزم أن ينقطع ويقف ؟ » - يريد : فهل يوجد الحمل الذى بين أوح التى هى الحد الأوسط من القياس الأول إذ كان ذلك الحمل بوسط متناهى الأوساط ، أم لا ؟ فقوله : « فى الشىء الذى قبل ح » - يعنى به الأوساط التى توجد بين أوح . وذلك أن هذه الأوساط هى ضرورة بين أوح ، وهى كأنها بعد أإذا أبتدئ من الطرف الأكبر ، وقبل ح . وأما إذا ابتدئ من ح فهى بعد ح ، وقبل أ. لكن إنما أخذ هذا الحمل من الطرف الأكبر . ][وجدت فى النسخة التى نقلت منها هذا البياض فتركته مثل ما وجدته ][* [٩٨ أ] قال أرسطاطاليس : « فأما الأمور التى ينعكس بعضها على بعض فليس صورتها هذه الصورة . وذلك أن من الأشياء التى ينعكس بعضها على بعض بالتساوى ليس فيها محمول هو أول ، ومحمول آخر يحمل عليه ، لكن كل واحد منهما عند الأخر هو أول . فإن كانت الأشياء المحمولة < على > هذا الوجه هى غير متناهية ، فالأمور الموضوعة لها أيضا هى غير متناهية والشك يطرأ عليها على مثال واحد . وكذلك وإن لم ينعكس بعضها على بعض على هذا الوجه ، لكن ينعكس أحدهما انعكاس جوهر على عرض ، والأخر انعكاس عرض على جوهر . » التفسير لما كان هذان المطلبان فى القياسات المركبة ، أعنى : هل المحمولات فيها متناهية أو الموضوعات إنما يتصور فى الحمل الذى يكون على استقامة ، أعنى يتوهم تزيده إلى فوق كالخط المستقيم ، أو انحداره إلى أسفل كالخط المستقيم أيضا ، إلا فى الحمل الذى يتصور دائرا ، وذلك يكون فى المقدمات المنعكسة بعضها على بعض ، أعنى التى تكون من الحدود والرسوم والخواص - بين هذا المعنى لئلا يغلط فيه غالط ، فقال : « الأمور التى ينعكس بعضها فى بعض فليس صورتها هذه الصورة » - يريد : فأما المقدمات المشتركة بالحدود الأوساط ، وهى منعكسة بعضها على بعض ، فليس صورتها فى هذا الطلب هذه الصورة التى قصدنا الفحص عنها ، وذلك أن المقدمات المنعكسة يوجد الحمل فيها - ضرورة - غير متناه . وذلك أن المحمولات فيها يمكن أن توجد محمولات دائما والموضوعات موضوعات دائما . مثال ذلك أنا إذا صورنا دائرة أب ح د ه ، وجعلنا هذه الحروف عليها حدودا منعكسة ، فإنه توجد محمولات فيها غير متناهية ؛ وكذلك الموضوعات ، وكذلك أن أتحمل على ب ، ب على ح ، ح على د ، د على ه ، ه على أ، أعلى ب ، وكذلك إلى غير نهاية . وإن أخذت أيضا من جهة الموضوع وجدت ب موضوعة ل أ، وح موضوعة ل ب ، ود موضوعة ل ح ، وه موضوعة ل ب ، وأموضوعة ل ه ، وب موضوعة ل أ، ويمر الأمر إلى غير نهاية . وقوله : - وذلك أن الأشياء التى ينعكس بعضها على بعض بالتساوى ليس فيها محمول اول لموضوع ، ومحمول أخير يحمل عليه ، لكن كل واحد منهما عند الأخر هو أول » - يريد : والسبب فى أنه لا يتناهى الحمل فى الأمور المنعكسة ، لا إلى فوق ولا إلى أسفل ، أنه ليس فى الأمور المنعكسة محمول أول وهو موضوع أخير عند [ ٩٨ ب ] العكس ، بل قد يمكن أن يحمل عليه الطرف الأخير . وقوله : « فإن كانت الأشياء المحمولة على هذا الوجه غير متناهية ، فالأمور الموضوعة لها غير متناهية أيضا » - يريد : وإذا تبين فى الأمور المنعكسة أنه لا يوجد فيها محمول أول ، فبين أنه لا يوجود فيها موضوع أخير ، وذلك أن جميع المحمولات تنقلب موضوعات ، والموضوعات محمولات . فإن كانت المحمولات غير متناهية ، فالموضوعات غير متناهية . وقوله : « والشك يطرأ على مثال واحد . . » إلى آخر ما كتبناه - يريد : والشك العارض فى مرور الموضوعات إلى غير نهاية ، وانحلاله بأنها تمر إلى غير نهاية للسبب الذى قلناه يعرض وإن لم تبن المقدمة عندما تنعكس على نحو واحد من الحمل لأنه إذا كانت المقدمة حمل فيها عرض على جوهر من أول الأمر ، انعكست إلى . الحمل الذى على غير المجرى الطبيعى وهو حمل جوهر على عرض . وإذا أخذ هذا الحمل أولا ، انعكست إلى الحمل الذى على المجرى الطبيعى .
٢٠ - < عدد الأوساط ليس غير متناه >
पृष्ठ 431