Sharh Bab Tawhid al-Rububiyyah min Fatawa Ibn Taymiyyah
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية
शैलियों
الرد على مقالة أن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته وأن الوجود صفة للموجود
قال رحمه الله تعالى: [وإن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وقد يقولون: الوجود صفة للموجود.
وهذا القول وإن كان فيه شبه بقول القائلين بقدم العالم، أو القائلين بقدم مادة العالم وهيولاه المتميزة عن صورته فليس هو إياه].
يعني: هذا قول الفلاسفة، ولذلك ندرك جيدًا وبدون أي تكلف أن مذاهب هؤلاء كـ ابن عربي والتلمساني والقونوي وابن سبعين والسهروردي المقتول وكل هؤلاء ما جاءوا بجديد، مذاهبهم موجودة عند فلاسفة اليونان والرومان والصابئة، وفلاسفة المجوس، وفلاسفة الهنود، وإنما هؤلاء أعطوها صفة الألفاظ والمعاني الشرعية، ونسبوها إلى الإسلام فقط، وإلا فهم لم يأتوا بجديد.
قال رحمه الله تعالى: [وإن كان بينهما قدر مشترك؛ فإن هذه الصورة المحدثة من الحيوانات والنبات والمعادن ليست قديمة باتفاق جميع العقلاء، بل هي كائنة بعد أن لم تكن.
وكذلك الصفات والأعراض القائمة بأجسام السماوات والاستحالات القائمة بالعناصر، من حركات الكواكب، والشمس، والقمر، والسحاب، والمطر، والرعد، والبرق وغير ذلك، كل هذا حادث غير قديم، عند كل ذي حس سليم؛ فإنه يرى ذلك بعينه.
والذين يقولون بأن عين المعدوم ثابتة في القدم، أو بأن مادته قديمة، يقولون بأن أعيان جميع هذه الأشياء ثابتة في القدم، ويقولون: إن مواد جميع العالم قديمة دون صوره.
واعلم أن المذهب إذا كان باطلًا في نفسه لم يمكن الناقد له أن ينقله على وجه يتصور تصورًا حقيقيًا؛ فإن هذا لا يكون إلا للحق].
هذه قاعدة عظيمة لمن تأملها، وهذا الأمر هو الذي يجعل الباطل يلتبس على عامة العقلاء إذا لم يوفقهم الله ﷿ لبصيرة نافذة وللاهتداء بهدى الله ﷿، وهذه الأمور مع أنها تصادم البديهة فإنها تلبس؛ لأنه لا يتصور أن عاقلًا يقول بهذا القول، فيظن أن لقوله وجهًا آخر فيلتبس عليه الأمر، وإلا هل يعقل أن مواد جميع العالم أزلية تماثل الله ﷿؟ هذا مستحيل؛ لأنه لا يمكن أن يكون الموجود إلا عن خالق أزلي لا بداية له كما وصفه النبي ﷺ، بأنه الأول الذي ليس قبله شيء.
إذًا: هذه قاعدة في أكثر أمور الباطل، يقول: (واعلم أن المذهب إذا كان باطلًا في نفسه لم يمكن الناقد له أن ينقله على وجه يتصور تصورًا حقيقيًا) لماذا؟ لأنك كيف تستطيع أن تتصور الباطل وهو باطل؟ لا تستطيع أن تتصور الباطل الذي لا حقيقة له تصويرًا ينبئ عنه إلا بضده؛ فلذلك لا يتصور الباطل إلا بتصور الحق، فإذا ثبت الحق في قلب الإنسان عرف الباطل؛ لأن الباطل لا يُعقل ولا يُعقل إلا الحق، إنما يتوهم الباطل توهمًا.
إذًا: الباطل أوهام، سواء في نفس القائلين به أو في نفس السامعين له، أو فيمن يريد أن يعبّر عن الباطل حتى ولو كان من أصحاب الحق لا بد أن يعبّر أنه أوهام؛ لأن الباطل وهم، هذه الفلسفة وإن كانت صعبة، لكنها بدهية لمن تأملها على سعة؛ ولذلك مثل هذه العبارة يجب أن تأملوها على سعة من وقتكم.
فقوله: (واعلم أن المذهب إذا كان باطلًا في نفسه) يعني: أحيانًا يكون الأمر فيه التباس، فالالتباس يوجد عند الإنسان، فهو يرى الحق من جهة، ويلتبس عليه الباطل من جهة أخرى، لكن المذهب إذا كان باطلًا في نفسه لم يمكن الناقد له، بل حتى المتكلم به أو المعبّر عنه أن ينقله على وجه يتصور تصور حقيقًا إلا على وجه الخيال والتوهم؛ لأن الباطل كله وهم، وليس له حقيقة، وليست الحقيقة إلا للحق.
7 / 3