لا يكثر في ثناياها الفروع الفقهيَّة إلا من باب الإشارة إليها فقط، ولذا عَابَ على بعضِ الشُّرَّاح أنَّهم أكثروا من ذكر هذه الفروع الفقهيَّة، فقال: (وقد أورد الشَّارحُ الهيتميُّ هنا فروعًا كثيرةً على مذهب الشَّافعية، والفاكهيُّ فروعًا كثيرة على مذهب المالكيَّة، وذلك غيرُ جيِّدٍ، واللَّائقُ بالكُتُب الحديثيَّة: إنَّما هو ذكرُ مأخَذ كلٍّ من الأئمة المجتهدين على وجهِ الاِختصار، وأما محلُّ بَسطه: فكتبُ الفروع) (١).
ومن أمثلة عناية المصنِّف بالصناعة الفقهيَّة قوله:
(واعلم أنَّه قام الإجماعُ على استحلاف المدَّعَى عليه في المال، واختلف في غيره: فذهب الشافعيُّ وأحمدُ إلى وجوبها على كل من ادُّعِيَ عليه في حدٍّ، أو طلاقٍ، أو نكاحٍ، أو عتقٍ، أو غيرها، أخذًا بظاهر عموم الحديث، فإن نَكَلَ حلف المدَّعِي وثَبتتْ دعواه، وقال الحنفيَّة: يحلف على النِّكاحِ والعتقِ، فإن نَكَلَ لزمه ذلك كلّه.
واتفق الثلاثةُ على: أنَّ اليمينَ تتوجَّه على كلِّ من ادُّعِيَ عليه حقٌّ، سواءً كان بينه وبين المدَّعي اختلاطٌ أم لا، وشَرَطَ المالكيَّةُ -كالفقهاءِ السَّبعة فقهاءِ المدينة- في كونها عليه: أن يكون بينهما اختلاطٌ؛ لئلّا تبتذلَ السفهاءُ الأكابرَ بتحليفهم.
ولهم تصرُّفاتٌ خصَّوا بها عموم الحديث فقالوا: من ادَّعَى شيئًا من أسباب القود لم يجب به يمينٌ إلا أن يقيم شاهدًا، ومن ادَّعى نكاح امرأةٍ لم يلزمها يمينٌ، ومن ادَّعتْ على زوجها طلاقًا لم يلزمها يمينٌ، إلى غير ذلك، وحسْبُك أنَّه رأيٌ في مقابلة النَّص) (٢).
وقال أيضًا في النهي عن بيع النجش: (وهذا النهي لا يقتضي الفساد، عند الشافعيِّ فيحرم ويصحّ، وأبطله بعض العلماء) (٣).
وقال أيضًا في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه:
(وأجراه أئمَّتنا على العموم، فصوَّروا ذلك بأن يقول لمشتري سلعةً في زمن الخيار: افسخ وأبيعك مثله بأرخص أو أجود منه بثمنه فيحرم؛ لما فيه من الإيذاء الموجب
_________
(١) ص (١٦٥) من هذا الكتاب.
(٢) ص (١٦٥) من هذا الكتاب.
(٣) ص (١٩٥) من هذا الكتاب.
1 / 70