وقوله: (قال الحافظ العلائيُّ: "له طرقٌ وشواهدُ يرتقيْ بمجموعِها إلى درجة الصحة"، وأخرجه ابن أبي شيبة من وجهٍ آخر قويٍّ، والحديث الليِّنُ يقوى بالشواهد المفصّلةِ حتى يبلغَ درجة ما يجِبُ العمل به؛ كالمجهولِ من الناس إذا زكِّيَ صارَ عدلًا تقبل شهادته وروايته، ثم الشَّاهدُ قد يكون كتابًا كأنْ يوافقَ الحديثُ ظاهرَ آيةٍ، أو عمومٌ فيقوى بها، وقد يكون سُنّةً إمَّا من ذلك الحديث أو غيره، وفي المثل:
لا تخاصمْ بواحدٍ أهل بيتٍ ... فَضَعيفانِ يغلبانِ قَويَّا
وقال الآخر:
إن القِداحَ إذا اجتمعْنَ فَرامَها ... بالكسرِ ذُوْ حَنَقٍ وَكَسْرٍ أيْدِ:
عَزَّتْ فلم تُكْسَرْ، وإن هي بُدِّدت ... فَالوهنُ والتكسيرُ للمتبدِّد
فكذا الأسانيدُ الليّنةُ إذا اجتمعتْ حصل منها إسنادٌ قويٌّ، كما قال الشافعي في قلّتين متنجّستين ضُمَّت إحداهما إلى الأخرى: صارتا طاهرتين حيث لا تغيُّرَ) (١).
وقوله أيضًا: وهذا «حديث حسن» وصحيحٌ أيضًا كما ذكر هو وغيره في موضعٍ آخر، وقال الحافظ ابن حجر: (إسناده جيِّدٌ) (٢).
ثانيًا: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجبٍ الحنبليِّ ﵀: اعتنى المصنِّف عنايةً بالغةً بجانب الصناعة الحديثيَّة، ونقد المرويَّات، فله القِدح المعلَّى، ولقد فاق بذلك بقيَّة الشروح، ويكفي الحافظ ابن رجبٍ أنَّه شرح علل الترمذيِّ بشرحٍ نفيسٍ بلغ فيه الغاية، ورسم فيه قواعد الأئمة، وقد ذكر شيئًا من عنايته الحديثيَّة في المقدِّمة فقال: (وأشير إشارةً لطيفةً قبل الكلام في شرح الحديث إلى إسناده؛ ليعلم بذلك صحَّته وقوّته وضعفه، وأذكر بعض ما روي في معناه من الأحاديث -إن كان في ذلك الباب شيءٌ غير الحديث الذي ذكره الشيخ- وإن لم يكن في الباب غيره، أو لم يكن يصحُّ فيه غيره، نبَّهت على ذلك كلِّه) (٣).
_________
(١) ص (١٥٦ - ١٥٧) من هذا الكتاب.
(٢) ص (١٤٨) من هذا الكتاب.
(٣) جامع العلوم والحكم (١٩).
1 / 66