بسم الله الرحمن الرحيم
[خطبة الكتاب]
[٢] // قال الشيخ الإمام العالم العامل الفاضل الكامل المتقن المحقق مجمع الفضائل فريد دهره ولسان عصره بدر الدين أبو عبد الله محمد بن الإمام حجة العرب محمد بن مالك الطائي الجياني تغمده الله برحمته:
أما بعد حمد الله سبحانه بما له من المحامد على ما أسبغ من نعمه البوادي والعوائد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، المرسل رحمة للعالمين وقدوة للعارفين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وعلى سائر عباد الله الصالحين.
فإني ذاكر في هذا الكتاب أرجوزة والدي ﵀ في علم النحو، المسماة بالخلاصة. ومرصعها بشرح يحل منها المشكل، ويفتح من أبوابها كل مقفل.
جانيت فيها الإيجاز المخل، والإطناب الممل، حرصًا على التقريب لفهم مقاصدها، والحصول على جملة فوائدها. راجيًا من الله تعالى حسن التأييد والتوفيق والتسديد، بمنه وعونه.
1 / 3
وهذه أول الأرجوزة:
١ - قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك
٢ - مصليًا على الرسول المصطفي ... وآله المستكملين الشرفا
٣ - وأستعين الله في ألفيه ... مقاصد النحو بها محويه
النحو في اللغة: هو القصد.
وفي اصطلاحنا: عبارة عن العلم بأحكام مستنبطة من استقراء كلام العرب،
[٣] أعني أحكام الكلم في ذواتها، أو فيما يعرض لها بالتركيب لتأدية أصل // المعاني من الكيفية والتقديم والتأخير، ليحترز بذلك عن الخطأ في فهم معاني كلامهم، وفي الحذو عليه.
٤ - تقرب الأقصى بلفظٍ موجز ... وتبسط البذل بوعدٍ منجز
يقول: إن هذه الألفية؛ مع أنها حاوية للقصد الأعظم من علم النحو لما فيها من المزية على نظائرها؛ أنها تقرب إلى الإفهام المعاني البعيدة، بسبب وجازة اللفظ وإصابة المعنى وتنقيح العبارة وتبسط الذل أي: توسع العطاء بما تمنحه من الفوائد لقرائها واعدة بحصول مأربهم، وناجزة بوفائها.
٥ - وتقتضي رضًا بغير سخط ... فائقةً ألفية ابن معط
٦ - وهو بسبقٍ حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا
٧ - والله يقضي بهباتٍ وافره ... لي وله في درجات الآخرة
1 / 4
الكلام وما يتألف منه
٨ - كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... واسم وفعل ثم حرف الكلم
٩ - واحده كلمة والقول عم ... وكلمة بها كلام قد يؤم
وهذا ما أراده بقوله:
........ مفيد كاستقم ... .........................
كأنه قال: الكلام لفظ مفيد فائدة تامة، يصح الاكتفاء بها كالفائدة في (استقم) فاكتفى عن تتميم الحد بالتمثيل.
ولابد للكلام من طرفين: مسند، ومسند إليه، ولا يكونان إلا اسمين نحو: زيد قائم، أو اسمًا وفعلا نحو: قام زيد، ومنه (استقم) فإنه مركب من فعل أمر، وفاعل: هو ضمير المخاطب، تقديره: استقم أنت.
وقوله:
.................... ... واسم وفعل ثم حرف الكلم
واحده كلمة .............. ... ........................
1 / 5
يعني: أن الكلم اسم جنس، واحده كلمة، كلبنة ولبن، ونبقة ونبق.
وهي على ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف؛ لأن الكلمة إما أن يصح أن تكون ركنًا للإسناد، أو لا، الثاني الحرف، والأول: إما أن يصح أن يسند إليه، أو لا، الثاني الفعل، والأول الاسم.
وقد ظهر من هذا انحصار الكلمة في ثلاثة أقسام.
والمراد بالكلمة: لفظ بالقوة، أو لفظ بالفعل، مستقل، دال بجملته على معنى مفرد بالوضع.
(فاللفظ) مخرج للخط والعقد والإشارة والنصب (وبالقوة) مدخل للضمير
[٤] في نحو: افعل، وتفعل، و(لفظ بالفعل) مدخل لنحو زيد // في قام زيد، و(مستقل) مخرج للأبعاض الدالة على معنى كألف المفاعلة، وحروف المضارعة، و(دال) معمم لما دلالته ثابتة، كرجل، ولما دلالته زائلة، كأحد جزأي امرئ القيس، لأنه كلمة، ولذلك أعرب بإعرابيين: كل على حدة، و(بجملته) مخرج للمركب، كغلام زيد، فإنه دال بجزءيه على جزءي معناه، و(بالوضع) مخرج للمهمل، ولما دلالته عقلية، كدلالة اللفظ على حال اللافظ به.
وبين الكلام، والكلم عموم من وجه، وخصوص من وجه.
فالكلام أعم من قبل أنه يتناول المركب من كلمتين فصاعدًا، وأخص من قبل: أنه لا يتناول غير المفيد.
والكلم أعم من قبل: أنه يتناول المفيد، وغير المفيد، وأخص من قبل أنه لا يتناول المركب من كلمتين؛ لأن أقل الجمع ثلاثة.
وقوله:
............. والقول عم ... ..........................
يعني: أن القول يطلق على الكلم والكلمة والكلام، فهو أعم.
1 / 6
وقوله:
..................... ... وكلمة بها كلام قد يؤم
يعني أنه قد يقصد بالكلمة ما يقصد بالكلام: من اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه، كقوله ﷺ: (أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيدٍ، وهي قوله: [من الطويل]
١ - ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل)
وكقولهم: (كلمة الشهادة) يريدون بها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وهو من باب تسمية الشيء باسم بعضه، كتسميتهم ربيئة القوم عينا، والبيت من الشعر قافية.
وقد يسمون القصيدة قافية، لاشتمالها عليها، قال الشاعر: [من الوافر]
٢ - وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني
أراد قصيدة.
١٠ - بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسندٍ للاسم تمييز حصل
قد عرفت أن الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، فلابد من معرفة ما يميز بعضها عن بعض، وإلا فلا فائدة في التقسيم.
ولما أخذ في بيان ذلك ذكر للاسم علامات تخصه، ويمتاز بها عن قسيميه. وتلك العلامات هي: الجر والتنوين والنداء والألف واللام والإسناد إليه.
1 / 7
أما الجر؛ فمختص بالأسماء، لأن كل مجرور مخبر عنه في المعنى، ولا يخبر إلا عن الاسم، فلا يجر إلا الاسم، كزيد وعمرو، في قولك: مررت بزيد، ونظرت إلى عمرو.
وأما التنوين؛ فهو نون ساكنة زائدة، تلحق آخر الاسم لفظًا، وتسقط خطا. وهو على أنواع:
تنوين الأمكنية: كزيد وعمرو.
وتنوين التنكير: كسيبويه وسيبويهٍ آخر.
وتنوين المقابلة: كمسلماتٍ.
وتنوين التعويض: كحينئذٍ.
[٥] وتنوين الترنم: وهو المبدل من حرف الإطلاق نحو قول الشاعر: // [من الرجز]
٣ - يا صاح ما هاج العيون الذرفن
[وقوله: من الرجز]
٤ - من طلل كالأتحمي أنهجن
1 / 8
وتنوين الغالي، وهو اللاحق للروي المقيد، كقول الشاعر: [من الرجز]
٥ - وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن
على ما حكاه الأخفش.
وهذه الأنواع كلها؛ إلا تنوين الترنم والغالي؛ مختصة بالأسماء؛ لأنها لمعان لا تليق بغيرها؛ لأن الأمكنية، والتنكير، والمقابلة للجمع المذكر السالم، وقبول الإضافة، والتعويض عنها مما استأثر به الاسم على غيره.
وأما النداء، كقولك: يا زيد، ويا رجل؛ فمختص بالاسم أيضًا؛ لأن المنادى مفعول به، والمفعول به لا يكون إلا اسمًا؛ لأنه مخبر عنه في المعنى.
وأما الألف واللام، وهي المعبر عنها بأل فهي من خواص الأسماء أيضًا؛ لأنها موضوعة للتعريف، ورفع الإبهام، وإنما يقبل ذلك الاسم، كقولك في رجل: الرجل، وفي غلام: الغلام.
وأما الإسناد إليه فهو أن ينسب إلى اللفظ باعتبار معناه ما تتم به الفائدة، كقولك: زيد قائم، وعمرو منطلق، وهو من خواص الأسماء، فإن الموضوع بالنسبة إليه باعتبار مسماه هو الاسم، لا غير.
وقد عبر عن هذه العلامات البيت المذكور، وتقديره: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف؛ بالجر والتنوين والنداء وأل ومسند أي: والإسناد إليه، فأقام اسم المفعول مقام المصدر، واللام مقام إلى، وحذف صلته اعتمادًا على التنوين، وإسناد المعنى إليه.
1 / 9
ولما فرغ من ذكر علامات الأسماء أخذ في ذكر علامات الأفعال، فقال:
١١ - بتا فعلت وأتت ويا افعلي ... ونون أقبلن فعل ينجلي
أي يعرف الفعل، وينجلي أمره بالصلاحية لدخول تاء ضمير المخاطب عليه، كقولك في فعل: فعلت، وفي ليس: لست ذاهبًا، وفي: تبارك تباركت يا رحمن.
أو بتاء التأنيث الساكنة، كقولك في أقبل: أقبلت، وفي أتى: أتت، أو ياء المخاطبة، كقولك في افعل: افعلي، أو نون التأكيد، كقولك في أقبل: أقبلن.
فمتى حسن في الكلمة شيء من هذه العلامات المذكورة علم أنها فعل، ومتى لم يحسن في الكلمة شيء من العلامات المذكورة للأسماء والأفعال علم أنها حرف، ما لم يدل على نفي الحرفية دليل، فتكون أسماء، نحو قط، فإنه لا يحسن فيه شيء من هذه العلامات المذكورة، ومع ذلك فهو اسم، لامتناع أن يكون فعلا أو حرفًا، لاستعماله مسندًا إليه في المعنى، فإنك إذا قلت: ما فعلته قط، فهو في قوة قولك: ما فعلته في الزمان الماضي، وغير الاسم لا يسند إليه، لا لفظًا ولا معنًى.
[٦] وقد عرف الحرف بقوله //:
١٢ - سواهما الحرف كهل وفي ولم ... فعل مضارع يلي لم كيشم
١٣ - وماضي الأفعال بالتا مز وسم ... بالنون فعل الأمر إن أمر فهم
يعني أن هل وفي ولم حروف لامتناع كونها أسماءً أو أفعالا، لعدم صلاحيتها لعلاماتها، وعدم ما يمنع الحرفية.
وقوله:
.................. فعل مضارع يلي لم كيشم
مع البيت الذي يليه بيان على أن الفعل على ثلاثة أقسام: مضارع وماضٍ وأمر.
فعلامة المضارع: أن يحسن فيه لم، كقولك في يشم: لم يشم، وفي يخرج، وينطلق: لم يخرج، ولم ينطلق، وهو يصلح للحال والاستقبال، تقول: يفعل الآن، وهو يفعل، ويفعل غدًا. ويسمى مضارعًا لمشابهته الاسم في احتمال الإبهام والتخصيص، وقبول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته.
1 / 10
وعلامة الماضي أن يحسن فيه تاء التأنيث الساكنة، نحو: نعمت، وبئست، وهو موضوع للماضي من الأزمنة.
وعلامة فعل الأمر أن تدل الكلمة على الأمر، ويحسن فيه نون التأكيد، نحو: قم، فإنه يدل على الأمر كما ترى، ويحسن فيه نون التأكيد، نحو: قومن.
١٤ - والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم نحو صه وحيهل
إذا دلت الكلمة على معنى فعل الأمر، ولم تصلح لنون التأكيد فهي اسم فعل، نحو: (صه) بمعنى اسكت، و(حيهل) بمعنى أقبل أو أسرع أو عجل.
فهذان اسمان؛ لأنهما يدلان على الأمر، ولا يدخلهما نون التأكيد، لا تقول: صهن، ولا حيهلن، وكذا إذا رادفت الكلمة الفعل الماضي، ولم تصلح لتاء التأنيث الساكنة، كهيهات بمعنى بعد، أو رادفت الكلمة الفعل المضارع، ولم تصلح لـ (لم)، كأوه بمعنى: أتوجع، وكأف بمعنى: أتضجر، فهي اسم.
والحاصل أن الكلمة متى رادفت الفعل، ولم تصلح لعلاماته فهي اسم، لانتفاء الفعلية، لانتفاء لازمها، وهو القبول لعلامات الفعل، وانتفاء الحرفية، لكون ما يرادف الفعل قد وقع أحد ركني الإسناد فوجب أن يكون اسمًا، وإن لم يحسن فيه العلامات المذكورة للأسماء، لأن الاسم أصل، فالإلحاق به عند التردد أولى.
1 / 11
المعرب والمبني
١٥ - والاسم منه معرب ومبني ... لشبهٍ من الحروف مدني
تقدير الكلام: أن الاسم منه معرب ومنه مبني، أي أن الاسم منحصر في قسمين: أحدهما المعرب، وهو: ما سلم من شبه الحرف، ويسمى متمكنًا.
[٧] والثاني المبني، وهو ما أشبه الحرف // شبهًا تاما، وهو المراد بقوله:
..................... ... لشبهٍ من الحروف مدني
أي يبني الاسم لشبه بالحرف، مقرب منه. ثم بين جهات الشبه، فقال:
١٦ - كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا ... والمعنوي في متى وفي هنا
١٧ - وكنيابةٍ عن الفعل بلا ... تأثرٍ وكافتقار أصلا
يبني الاسم لشبهه بالحرف في الوضع، أو في المعنى، أو في الاستعمال، أو في الافتقار.
أما بناؤه لشبهه بالحرف في الوضع، فإذا كان الاسم على حرف واحد، أو حرفين، فإن الأصل في الأسماء أن تكون على ثلاثة أحرف، فصاعدًا، والأصل في الحروف أن تكون على حرف واحد (كباء الجر، أو لامه) أو حرفين كـ (من، وعن).
فإذا وضع الاسم على حرف واحد، أو حرفين بني حملا على الحرف، فالتاء في قوله: (جئتنا) اسم، لأنه مسند إليه، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرف واحد، و(نا) أيضًا من (جئتنا) اسم، لأنه يصح أن يسند إليه، كقولك: (جئتنا) ويدخله حرف الجر، نحو: مررت بنا، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرفين.
1 / 12
فإن قلت: يد، ودم على حرفين، ونراه معربًا. قلت لأنه موضوع في الأصل على ثلاثة أحرف، والأصل فيهما يدي، ودمي، بدليل قولهم؛ الأيدي، والدماء، واليديان، والدميان، فما لم يكن موضوعًا في الأصل على حرفين لم يكن قريب الشبه من الحرف، فلم يعتبر.
وأما بناء الاسم لشبهه بالحرف في المعنى، فإذا تضمن الاسم معنى من معاني الحروف تضمنًا لازمًا للفظ أو المحل، غير معارض بما يقتضي الإعراب، يبني كـ (متى وهنا) وكالمنادى المفرد المعرفة، نحو: يا زيد.
أما (متى وهنا) فهما اسمان لدخول حرف الجر عليهما، نحو: إلى متى تقيم؟ ومن هنا تسير، وهما مبنيان لشبههما بالحرف في المعنى، للزوم (متى) تضمن معنى همزة الاستفهام ولزوم (هنا) تضمن معنى الإشارة، فإنه معنى من معاني الحروف، وإن لم يوضع له لفظ يدل عليه، ولكنه كالخطاب والتنبيه، فمن حق اللفظ المتضمن معنى الإشارة أن يبني، كما يبني سائر ما تضمن معنى الحرف، فلما لازمت (متى وهنا) تضمن معنى الحرف بلا معارض تعين بناؤهما.
وأما المنادى المفرد المعرفة نحو: (يا زيد)، فهو مبني للزوم محله تضمن معنى الخطاب، فإن كل منادى مخاطب غير مظهر معه حرف الخطاب، فلما لازم محله تضمن معنى الحرف؛ بلا معارض؛ بني ولو لم يكن تضمن الاسم لمعنى الحرف لازمًا للفظ، أو المحل، الذي وقع فيه لم يؤثر، كما في نحو: سرت يومًا وفرسخًا، فإن يومًا وفرسخًا مما يستعمل ظرفًا تارةً، وغير ظرف أخرى، ولو عارض شبه الحرف ما يقتضي الإعراب
[٨] // استصحب، لأنه الأصل في الاسم، وذلك نحو (أي) في الاستفهام نحو: أيهم رأيت؟ وفي الشرط، نحو: أيهم تضرب أضرب، فإنها بالنظر إلى تضمنها معنى الحرف تستحق البناء، لكن عارض لزوم الإضافة إلى الاسم المفرد، التي هي من خواص الأسماء، فأعربت.
وأما بناء الاسم لشبهه بالحرف في الاستعمال، فإذا لازم طريقة هي للحرف، كأسماء الأفعال، والأسماء الموصولة.
أما أسماء الأفعال نحو: (صه، ومه، ودراك، وهيهات) فإنها مبنية لشبهها بالحرف في الاستعمال.
1 / 13
وهذا، لأن أسماء الأفعال ملازمة للإسناد إلى الفاعل فهي أبدًا عاملة، ولا يعمل فيها شيء فأشبهت في استعمالها الحروف العاملة كـ (إن وأخواتها) فبنيت لذلك.
وأما الأسماء الموصولة، نحو (الذي والتي) مما يفتقر إلى الوصل بجملة خبرية، مشتملة على ضمير عائد فإن حقها البناء، لأنها تلازم الجمل، فهي كالحروف في الاستعمال، فإن الحروف بأسرها لا تستعمل إلا مع الجمل: إما ظاهرة، أو مقدرة، ولو عارض شبه الحرف في الاستعمال ما يقتضي الإعراب عمل به، ولذلك أعرب (اللذان واللتان) وإن أشبها الحرف في الاستعمال، لأنه قد عارض ذلك ما فيهما من التثنية التي هي من خواص الأسماء.
١٨ - ومعرب الأسماء قد سلما ... من شبه الحرف كأرض وسما
المعرب من الأسماء ما سلم من شبه الحرف على الوجه المذكور. فمثل للمعرب من الأسماء بمثال من الصحيح، وهو (أرض)، وبمثال من المعتل وهو (سما) على وزن هدى، لغة في الاسم، تنبيهًا على أن المعرب على ضربين: أحدهما يظهر إعرابه، والآخر يقدر فيه.
١٩ - وفعل أمرٍ ومضي بنيا ... وأعربوا مضارعًا إن عريا
٢٠ - من نون توكيدٍ مباشرٍ ومن ... نون إناثٍ كير عن من فتن
الأصل في الأفعال البناء، لاستغنائها عن الإعراب باختلاف صيغها، لاختلاف المعاني التي تعتور عليها، فجاء مثال الماضي والأمر على وفق الأصل فبني الماضي على الفتح، نحو: قام، وقعد، وبني الأمر على السكون، نحو: قم، واقعد.
وأما المضارع فأعرب حملا على الاسم، لشبهه به في الإبهام والتخصيص، ودخول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته.
لكن إعرابه مشروط بألا يتصل به نون توكيد ولا نون إناث، فإن اتصل به نون التوكيد بني على الفتح، نحو: لا تفعلن، لأنه تركب مع النون تركيب خمسة عشر، فبني
1 / 14
بناءه، ولهذا لو حال بين الفعل، والنون ألف الاثنين، أو واو الجمع، أو ياء المخاطبة، نحو: هل تضربان وهل تضربن وهل تضربن، لم يحكم عليه بالبناء، لتعذر الحكم عليه
[٩] // بالتركيب إذ لم يركبوا ثلاثة أشياء، فيجعلوها شيئًا واحدًا. والأصل في نحو: هل تضربان، هل تضربانن، فاستثقلت النونات، فحذفت نون الرفع تخفيفًا، وبقي الفعل مقدر الإعراب.
وإلى هذا أشار بقوله:
من نون توكيدٍ مباشرٍ ...... ... ....................
وإذا اتصل بالمضارع نون الإناث بني على السكون، لأنه اتصل به ما لا يتصل هو، ولا نظيره بالأسماء، فضعف شبهه بالاسم، فرجع إلى أصله من البناء، وحمل على نظيره من الماضي المسند إلى النون فبني على السكون، فقالوا: هن يقمن، ويرعن، ونحو ذلك، فأسكنوا ما قبل النون في المضارع، كما قالوا: قمن، ورعن، بإسكان ما قبلها في الماضي.
٢١ - وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا
٢٢ - ومنه ذو فتح وذو كسرٍ وضم ... كأين أمس حيث والساكن كم
الحروف كلها مبنية، لاحظ لها في الإعراب، لأنها لا تتصرف، ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج إلى الإعراب لبيانها، فبنيت لذلك.
وقد ظهر من قوله:
والاسم منه معرب ومبني ... ...................
إلى هنا؛ أن الكلمات منحصرة في قسمين: معرب ومبني:
وأن المعرب هو الاسم المتمكن، والفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد، أو بنون الإناث.
وأن المبني منها هو الاسم المشبه بالحرف، والفعل الماضي، وفعل الأمر، والمضارع المتصل بنون التوكيد، أو نون الإناث، وكل الحروف.
فإن قلت: من الكلمات ما هو محكي، كقولك: من زيد؟ لمن قال: مررت بزيد، ومنها ما هو متبع، كقراءة بعضهم (الحمد لله رب العالمين) [الفاتحة /٢]، وذلك ينافي الانحصار في القسمين.
1 / 15
قلت: لا ينافيه؛ لأن المحكي، والمتبع داخلان في قسم المعرب، بمعنى القابل للإعراب، والأصل في البناء أن يكون على السكون؛ لأنه أخف من الحركة، فاعتباره أقرب، فإن منع من البناء على السكون مانع ألجئ إلى البناء على الحركة، وهي: فتح، أو كسر، أو ضم.
فالبناء على السكون يكون في الاسم، نحو: من، وكم، وفي الفعل، نحو: قم، واقعد، وفي الحرف، نحو: هل، وبل.
والبناء على الفتح يكون في الاسم، نحو: أين، وكيف، وفي الفعل، نحو: قام، وقعد، وفي الحرف، نحو: إن، وليت.
والبناء على الكسر يكون في الاسم، نحو: أمسن، وهؤلاء، وفي الحرف، نحو: جير، بمعنى نعم، وفي نحو باء الجر، ولامه، ولا كسر في الفعل.
والبناء على الضم يكون في الاسم، نحو: حيث، وقبل، وبعد، وفي الحرف، نحو: منذ على لغة من جر بها، ولا ضم في الفعل.
٢٣ - والرفع والنصب اجعلن إعرابا ... لاسم وفعل نحو لن أهابا [١٠] //
٢٤ - والاسم قد خصص بالجر كما ... قد خصص الفعل بأن ينجزما
الإعراب أثر ظاهر، أو مقدر يجلبه العامل في آخر المعرب.
والمراد بالعامل، ما كان معه جهة، مقتضية لذلك الأثر، نحو: جاءني، ورأيت، من قولك: جاءني زيدً، ورأيت زيدًا، أو دعا الواضع إلى ذلك، كالحروف الجارة، فإن الواضع لما رآها ملازمة للأسماء، وغير منزلة منها منزلة الجزء، ورأي أن كل ما لازم شيئًا، ولم ينزل منزلة الجزء أثر فيه غالبًا استحسن أن يجعلها مؤثرة في الأسماء، وعاملة فيها عملا، ليس للفعل، وهو الجر، كالباء من قولك: مررت بزيدٍ، وسنوضح هذا في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وأنواع الإعراب أربعة: رفع، ونصب، وجر، وجزم.
فالرفع والنصب يشترك فيهما الاسم والفعل، والجر يختص بالأسماء، والجزم يختص بالأفعال.
وأنواع الإعراب في الاسم ثلاثة: رفع، ونصب، وجر، لا رابع لها؛ لأن المعاني التي جيء بها في الاسم لبيانها بالإعراب ثلاثة أجناس: معنى هو عمدة في الكلام، لا
1 / 16
يستغنى عنه، كالفاعلية، وله الرفع، ومعنى هو فضلة، يتم الكلام بدونه، كالمفعولية، وله النصب، ومعنى هو بين العمدة والفضلة، وهو المضاف إليه، نحو: غلام زيد، وله الجر.
وأما الفعل المضارع فمحمول في الإعراب على الاسم، فكان له ثلاثة أنواع من الإعراب، كما للاسم، فأعرب بالرفع والنصب إذا لم يمنع منهما مانع، ولم يعرب بالجر، لأنه لا يكون إلا للإضافة، والأفعال لا تقبلها، لأن الإضافة إخبار في المعنى، والفعل لا يصح أن يخبر عنه أصلا، فلما لم يعرب بالجر عوض عنه بالجزم. فالرفع بضمة نحو: زيد يقوم، والنصب بفتحة نحو: لن أهاب زيدًا، والجر بكسرة نحو: مررت بزيدٍ، والجزم بسكون نحو: لم يقم زيد.
وقد يكون الإعراب يغير ما ذكر؛ على طريق النيابة؛ كما قال:
٢٥ - فارفع بضم وانصبن فتحًا وجر ... كسرًا كذكر الله عبده يسر
٢٦ - واجزم بتسكينٍ وغير ما ذكر ... ينوب نحو جا أخو بني نمر
مثل للرفع، والنصب، والجر بقوله:
........................ ... ............... كذكر الله عبده يسر
ومثل لما يعرب بغير ما ذكر على طريق النيابة بقوله:
......................... ... ................ أخو بني نمر
(فأخو) مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة، و(بني) مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة.
ثم أخذ في بيان مواضع النيابة، فقال:
٢٧ - وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف
٢٨ - من ذاك ذو إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا [١١] //
٢٩ - أب أخ حم كذاك وهن ... والنقص في هذا الأخير أحسن
٣٠ - وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر
٣١ - وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا
في الأسماء المتمكنة ستة أسماء يكون رفعها بالواو، ونصبها بالألف، وجرها بالياء، بشرط الإضافة إلى غير ياء المتكلم.
1 / 17
وهي (ذو) بمعنى صاحب، و(الفم) بغير الميم، والأب، والأخ، والحم، والهن، فإن قلت لم اعتبر كون (ذو) بمعنى صاحب؛ و(الفم) بغير الميم، قلت: احترازًا من (ذو) بمعنى الذي، فإن الأعراف فيه البناء كقوله: [من الطويل]
٦ - فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا
وإعلامًا بأن الفم ما دامت ميمه باقية يعرب بالحركات، وأنه لا يعرب بالحروف، إلا إذا زالت ميمه، نحو: هذا فوك، ورأيت فاك، ونظرت إلى فيك.
فإن قلت: لم كان شرطًا في إعراب هذه الأسماء بالحروف إضافتها إلى غير ياء المتكلم؟
قلت: لأن ما كان منها غير مضاف فهو معرب بالحركات، نحو: أب، وأخ، وحم، وما كان منها مضافًا إلى ياء المتكلم قدر إعرابه كغيره، مما يضاف إلى الياء، نحو: هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي، وما كان منها مضافًا إلى غير ياء المتكلم أعرب بالواو رفعًا، وبالألف نصبًا، وبالياء جرا، كما في قوله:
......................... ... .............. جا أخو أبيك ذا اعتلا
والسبب في أن جرت هذه الأسماء هذا المجرى، هو أن أواخرها حال الإضافة معتلة، فأعربوها بحركات مقدرة، وأتبعوا تلك الحركات حركة ما قبل الآخر، فأدى ذلك إلى كونه واوًا في الرفع، وألفًا في النصب، وياءً في الجر.
بيان ذلك: أن (ذو): أصله ذوى، بدليل قولهم في التثنية: ذويان، فحذفت الياء، وبقيت الواو حرف الإعراب، ثم ألزم الإضافة إلى اسم الجنس، والإتباع، تقول في الرفع: هاذ ذو مال، أصله ذو مال، بواو مضمومة للرفع، وذال مضمومة للإتباع، ثم استثقلت الضمة على الواو المضموم ما قبلها فكسنت، كما في نحو: يغزو، فصار ذو مال،
1 / 18
وتقول في النصب: رأيت ذا مال، أصله ذو مال بواو مفتوحة للنصب، وذال مفتوحة للإتباع، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت الواو ألفا، فصار ذا مال، وتقول في الجر: مررت بذي مال، أصله بذو مال، بواو مكسورة للجر، وذال مكسورة للإتباع، ثم استثقلت الكسرة على الواو المكسور ما قبلها، كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها، كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها، فحذفت، وقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصار: بذي مال.
وأما (فم) فأصله فوه، بدليل قولهم في الجمع أفواه، وفي التصغير فويه، فحذفت منه الهاء، ثم إذا لم يضف يعوض عن واوه ميم؛ لأنها من مخرجها، وأقوى منها
[١٢] على الحركة، فيقال: // هذا فم، ورأيت فمًا، ونظرت إلى فم، وإذا أضيف جاز فيه التعويض وتركه، وهو الأكثر، وإذا لم يعوض يلزم الإتباع، فيقال: هذا فوك، ورأيت فاك، ونظرت إلى فيك، والأصل: فوك، وفوك، وفوك، ففعل به ما فعل بـ (ذو).
وأما (أب، وأخ، وحم) فأصلها أبو، وأخو، وحمو، لقولهم في التثنية: أبوان، وأخوان، وحموان، ولكنهم حذفوا في الإفراد، والإضافة إلى ياء المتكلم أواخرها، وردوا المحذوف في الإضافة إلى غير ياء المتكلم، كما ردوه في التثنية، وأتبعوا حركة العين بحركة اللام، فصارت بواو في الرفع، وألف في النصب، وياء في الجر على ما تقدم.
ونظير هذه الأسماء في الإتباع فيها لحركة الإعراب امرؤ، وابنم، تقول: هذا امرؤ، وابنم، ورأيت امرأ وابنمًا، ومررت بامرئٍ وابنم.
وأما (هن) وهو الكناية عن اسم الجنس، فأصله هنو، بدليل قولهم في هنة: هنية، وهنوات. وله استعمالان:
أحدهما: أنه يجري مجرى أب، وأخ، كقولهم: هذا هنوك، ورأيت هناك، ومررت بهنيك.
والاستعمال الآخر، وهو الأفصح والأشهر أن يكون مستلزم النقص جاريًا مجرى يد ودم في الإضافة، وغيرها، كقوله ﷺ: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا).
وإلى هذا أشار بقوله:
....................... ... والنقص في هذا الأخير أحسن
1 / 19
وقوله:
وفي أبٍ وتالييه يندر ... ..........................
يعني: أنه قد ندر في بعض اللغات التزام نقص أب، وأخ، وحم، كقولك: جاءني أبك، وأخك، وحمك. قال الشاعر: [من الرجز]
٧ - بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم
وقوله:
......................... ... وقصرها من نقصهن أشهر
يعني: أن في أب، وأخ، وحم لغة ثالثة أشهر من لغة النقص، وهي القصر، نحو: جاءني الأبا، والأخا، والحما.
قال الشاعر: [من الرجز]
٨ - إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وفي المثل: (مكره أخاك لا بطل).
1 / 20
٣٢ - بالألف ارفع المثنى وكلا ... إذا بمضمر مصطفًا وصلا
٣٣ - كلتا كذاك اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريجيان
٣٤ - وتخلف اليا في جميعها الألف ... جرا ونصبًا بعد فتحٍ قد ألف
المثنى: هو الاسم الدال على اثنين بزيادة في آخره، صالحا للتجريد، وعطف مثله عليه، نحو: زيدان وعمران، فإنه يصح فيهما التجريد والعطف، نحو: زيد وزيد، وعمرو وعمرو.
فإن دل الاسم على التثنية، بغير الزيادة، نحو: شفع وزكا، فهو اسم للتثنية،
[١٣] وكذا إذا كان // بالزيادة، ولم يصلح للتجريد والعطف، نحو: اثنان، فإنه لا يصح مكانه اثن واثن.
وإذ قد عرفت هذا فنقول: إعراب المثنى يكون بزيادة ألف في الرفع، وياء مفتوح ما قبلها في الجر والنصب، يليهما نون مكسورة، تسقط للإضافة.
وحمل على المثنى من أسماء التثنية كلمات منها: (كلا وكلتا) بشرط إضافتهما إلى مضمر، كما ينبئ عنه قوله:
..................... وكلا ... إذا بمضمر مضافًا وصلا
كلتا كذاك ............ ... .........................
أي كلتا مثل كلا: في أنها لا تعرب بالحروف إلا إذا وصلت مضافة بمضمر، تقول: جاءني كلاهما وكلتاهما، ورأيت كليهما وكلتيهما، ومررت بكليهما وكلتيهما: بالألف رفعًا، وبالياء نصبًا وجرًا، لإضافتهما إلى المضمر.
فلو أضيفا إلى الظاهر لم تقلب ألفهما ياء. وكانا اسمين مقصورين، يقدر فيهما الإعراب، نحو: جاءني كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين.
ومنها: (اثنان واثنتان) مطلقًا، أي: سواء كانا مجردين أو مضافين، وهذا ما أراد بقوله:
....................... اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريان
يعني: أن هذين الاسمين ليسا في إلحاقهما بالمثنى مثل: (كلا وكلتا) في اشتراط الإضافة إلى المضمر، بل هما كالمثنى من غير فرق.
فإن قيل: لم كان إعراب المثنى بالألف في الرفع، وبياء مفتوح ما قبلها في النصب والجر؟ ولم وليهما نون مكسورة؟ ولم حذفت للإضافة؟
1 / 21
قلت: أما إعراب المثنى بالحروف؛ فلأن التثنية لما كانت كثيرة الدوران في الكلام ناسب أن تستتبع أمرين:
خفة العلامة الدالة عليها، وترك الإخلال بظهور الإعراب، احترازًا عن تكثير اللبس، فجعلت علامة التثنية ألفًا، لأنها أخف الزوائد، ومدلول بها على التثنية مع الفعل: اسمًا في نحو: أفعلا، وحرفًا في نحو: فعلا أخواك، وجعل الإعراب بالانقلاب؛ لأن التثنية مطلوب فيها ظهور الإعراب.
والألف لا يمكن عليها ظهور الحركة، فلجئ إلى الإعراب بقرار الألف على صورتها في حالة الرفع.
فإذا دخل عليها عامل الجر قلبوا الألف ياء لمكان المناسبة، وأبقوا الفتحة قبلها، إشعارًا بكونها ألفًا في الأصل، وحملوا النصب على الجر، لأن قلب الألف في النصب إلى غير الياء غير مناسب، فلم يبق إلا حمل النصب على الرفع أو الجر، فكان حمله على الجر أولى؛ لأنه مثله في الورود فضلة في الكلام.
تقول في الرفع: جاءني الزيدان، فالألف علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر، لدلالتها على التثنية، وعلامة الرفع أيضًا من حيث هي على صورتها في أول الوضع.
وتقول في الجر: مررت بالزيدين، فالياء علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر لمعنى التثنية، وعلامة الجر أيضًا من حيث هي منقلبة عن ألف.
وتقول في النصب: رأيت الزيدين، والقول فيه كالقول في الجر.
وأما النون فإنما لحقت المثنى عوضًا عما فاته من الإعراب بالحركات، ومن دخول
[١٤] التنوين // عليه، وكسرت على الأصل في التقاء الساكنين.
وأما حذف النون في الإضافة، دون غيرها، فللتنبيه على التعويض، فحذفت في الإضافة نظرًا إلى التعويض بها عن التنوين، ولم تحذف مع الألف واللام، وإن كان التنوين يحذف معهما نظرًا إلى التعويض بها عن الحركة أيضًا.
فإن قيل: لم كان لـ (كلا وكلتا) حالان في الإعراب: الإجراء مجرى المثنى، والإعراب بالحركات المقدرة؟ ولم خص إجراؤها مجرى المثنى بحال الإضافة إلى المضمر؟
قلت: (كلا وكلتا) اسمان ملازمان للإضافة، ولفظهما مفرد، ومعناهما مثنى ولذلك أجيز في ضميريهما اعتبار المعنى فيثنى، واعتبار اللفظ فيفرد.
1 / 22