السنة التي يجب اتباعها وذم مخالفها
قال المصنف ﵀: [وأنتم تعلمون -أصلحكم الله- أن السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها ويذم من خالفها، هي سنة رسول الله ﷺ، في أمور الاعتقادات، وأمور العبادات، وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي ﷺ الثابتة عنه في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل، ثم ما كان عليه السابقون والتابعون لهم بإحسان].
من فقه المصنف أنه إذا خاطب أصحاب السلوك أو أصحاب التصوف أكد مسألة العناية بمعرفة السنة الصحيحة من غيرها؛ لأن هذا الاختلاط دخل على كثير من أرباب السلوك، وعنه -أي: هذا الاختلاط- وقعت كثير من البدع والتصورات في الإسلام عند كثير من العامة من المسلمين.
[وذلك في دواوين الإسلام المعروفة].
ذكر هنا دواوين الإسلام، وابتدأ بذكر البخاري ومسلم وكتب السنن، ثم ذكر بعد ذلك بعض المصنفات، وليس بالضرورة أن نقرأ الأسماء، لكنه بعد أن ذكر كتب البيهقي وبعض كتب المتأخرين عن طبقة الأئمة المتقدمين قال:
[وإن كان يقع في بعض هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة].
وهذا شأن يعرفه أصحاب الاختصاص بالحديث.
[وقد يروي كثير من الناس في الصفات، وسائر أبواب الاعتقادات، وعامة أبواب الدين أحاديث كثيرة تكون مكذوبة موضوعة على رسول الله ﷺ].
انتشر في بعض كتب الصوفية بعض الأحاديث الموضوعة، كقولهم بأن الله ينزل إلى الأرض، مع أن الحديث الصحيح: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)، وأن النبي ﷺ لقي ربه مشاهدة مبصرًا له في حياته، وما إلى ذلك من الروايات التي لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث، ولا سيما إذا اعتبرت هذه الروايات كنوع مفاصل في تقريب مسائل السلوك والتعبد ونحو ذلك.
[وهي قسمان: منها ما يكون كلامًا باطلًا لا يجوز أن يقال، فضلًا عن أن يضاف إلى النبي ﷺ].
هذا هو المنكر من الموضوعات المخالفة لأصول الإسلام، والقسم الثاني -وهذا مهم لطالب العلم أن يفقهه- قال:
[والثاني: ما يكون قد قاله بعض السلف أو بعض العلماء أو بعض الناس، ويكون حقًا. أو مما يسوغ فيه الاجتهاد، أو مذهبًا لقائله].
هذه في الحقيقة ينبغي لطالب العلم أن يكون فقيهًا فيها، وهي أن أصول المنهج الشرعي في العلم والعمل والدعوة وما إلى ذلك تتلقى عن محكم نصوص الكتاب والسنة، والهدي المطرد الذي كان عليه السلف أهل القرون الثلاثة الفاضلة.
أما الكلمات أو المثالات المختصة ببعض السلف فهذا فقه له قدره وله شأنه، لكن يجب أن يجمع مع نظيره الذي قد يكون بوجه ما يخالفه في الحال، فقد يكون هذا السياق فيه من الخفض، وهذا فيه من الرفع.
وبعض طلبة العلم -أحيانًا- لا يفقه في نصوص الكتاب والسنة، ومنهج التعامل مع المخالف شيئًا، وقد سأل أحد الطلبة هذا السؤال فقال: هل نناظر أهل البدع؟
فقيل: نعم.
إذا كان المناظر أهلًا والمصلحة الشرعية تقتضي ذلك.
قال: لكن هذا يشكل عليه أنه خلاف مذهب السلف.
فقيل له: كيف خلاف مذهب السلف؟
قال: لأن فلانًا سئل: أنتكلم مع أهل البدع؟ قال: لا، قيل: ولا كلمة؟ قال: ولا كلمة.
فهنا الإشكال ليس من كلام هذا الإمام؛ لأنه جواب في حال معينة، لذا قد تجد عالمًا اليوم قد يُسأل: أنتكلم مع أهل البدع؟ فيقول: اعرضوا عنه؛ لأن الله سبحانه يقول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:٣]، فهذا فقه يناسب مقامه، لكن أن يفترض أن هذا هو المنهج المطرد، وهو أن السني لا يكلم البدعي، لا على سبيل الدعوة ولا على سبيل النصح ولا على سبيل التوجيه، فليس بصحيح.
والذي نقصده أن كلمات أئمة السلف ﵏ هي فقه واجتهاد، تجمع مع غيرها من كلامهم وكلام نظرائهم حتى يكون المنهج منهجًا منضبطا مطردًا على أصول الحكمة التي كان عليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوة من ضلوا سواء السبيل من أجناس الكفار، فضلًا عن المبتدعة المخالفين في شيء من مسائل وأصول الإسلام.
4 / 8