شرح الواسطية - يوسف الغفيص
شرح الواسطية - يوسف الغفيص
शैलियों
الإيمان باليوم الآخر وبما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه
قال ﵀: [فصل: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت فيؤمنون بفتنة القبر وعذاب القبر ونعيمه].
هذا الباب وهو اليوم الآخر وما يكون من مقدماته، ليس فيه -في الجملة- مخالفة بين طوائف المسلمين، وإن كان كثير من الطوائف يفوتهم الإقرار أو العلم بكثير من مسائل هذا الباب، لما دخل عليهم من شبهة أن خبر الآحاد لا يحتج به في العقائد، فتركوا كثيرًا من مفصل الحق، ولم يعتبروه، فضلًا عن كون عامة أهل البدع ليسوا من المعروفين بالرواية والإسناد، فإنك إذا نظرت إلى علماء المعتزلة أو الخوارج، وأمثال هؤلاء، وجدتهم في الغالب ليسوا من أئمة الرواية، والذي كتب السنة وصنفها وأصلها ورواها هم أئمة السنة والحديث، كـ البخاري وأحمد ومسلم وأمثال هؤلاء.
وإن كان في بعض الطوائف المتأخرة منهم من الحفاظ، إلا أنهم ليسوا بمقام أئمة الرواية الأوائل، فالمقصود أن هذا الباب في الجملة محل استقرار، وإن كان يفوت بعض الطوائف أو ينقصهم التفاصيل من هذا الوجه في الغالب، وقد يكون من وجه آخر، وهناك مسائل في باب اليوم الآخر، دخلها قدر من التأويل، ولا سيما المتعلقة بمسائل الوعيد وعذاب القبر وفتنته .. إلخ.
وفي الغالب أن التأويل لشيء من هذا الباب يقع عند المعتزلة؛ بخلاف غيرهم، فإنهم في الجملة يقرون بكلام أهل السنة في هذا الباب.
قال ﵀: [فأما الفتنة، فإن الناس يمتحنون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد ﷺ نبيي.
وأما المرتاب: فيقول: هاه هاه لا أدري! سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة فيسمعها كل شيء إلا الإنسان، لو سمعها الإنسان لصعق].
والمرتاب المراد به هنا المنافق.
وكلام بعض الشراح أن المرتاب هنا العصاة أو من عنده نقص في الإيمان، يفترض ألا يقال أصلًا، لأن المسلم الذي يصدق عليه أنه مسلم مهما كان فاسقًا يعرف أن ربه الله، وأن نبيه محمد ﷺ، وأن الإسلام هو دينه، وإن كانت المسألة كما هو معروف ليست مسألة وعي علمي، فإنه حتى الكافر قد يحفظ هذه الكلمات، ولكنه لا يستطيع أن يقولها حينما يسأل هذا السؤال.
والمقصود هنا من قوله: (المرتاب) هو الكافر الذي لم يؤمن بالله ورسوله ودين الإسلام، وأما المسلمون جميعًا فإن الله يثبتهم على هذا الجواب، وإن كان التثبيت على هذا الجواب لا يعني أن العبد يسلم من العذاب في القبر أو بعد القبر إلى ورود يوم القيامة، فالمقصود أن هذا التفسير لا يمكن أن يعتبر بوجه صحيحًا أبدًا.
وبعض الأقوال ترى في كلام المتأخرين، إذا تبين أنها مناقضة للحق ومناقضة للصواب فيجب أن تستبعد ولا ينصب الخلاف، لأن هذا مما يشكك نفوس المسلمين.
الآن بعض العامة من المسلمين ما عندهم إدراك لفضل الله ﷾، خوفوا بالوعيد وأسمعوا آيات الوعيد التي نزلت في الكفار، وأصبحوا لا يتصورون القبر إلا نارًا أو عذابًا .. إلخ.
الناس يجب أن يعلموا فضل الله ﷾، وأن رحمته سبقت غضبه، وأن يعلموا أن قضاءه ﷾ عدل، وأنه عدل، وأنه لا يظلم مثقال ذرة.
فالمقصود أن الله يثبت المؤمنين، أي: المسلمين جميعًا، وهم كل من وافى ربه محققًا للتوحيد، كما قال النبي ﷺ: (أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه)، كما في البخاري لما سأله أبو هريرة.
مع أن صاحب المعصية قد نقص تقريره وتحقيقه لعبادة الله ﷾ بتركه لبعض الواجبات، ومع ذلك قال النبي ﷺ: (إن له حظًا من الشفاعة) والنبي يشفع له، مما يدل على أنه موحد، فكل من وافى ربه بالتوحيد والإسلام، فإنه يمكّن من هذا الجواب بإذن الله تعالى.
قال: [ثم بعد هذه الفتنة: إما نعيم وإما عذاب، إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد الأرواح إلى الأجساد].
خلافًا لطائفة من المعتزلة زعمت أنه بعد هذا السؤال يبقى الناس في سبات في قبورهم إلى أن تقوم الساعة، فهذا ليس صوابًا، والقرآن صريح أن ثمة نعيمًا وثمة عذابًا في القبر، قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر:٤٦] الآية في حق آل فرعون وكفرة قوم موسى، وإذا كانوا يعرضون على العذاب، فمن باب أولى أن الصالحين المؤمنين يعرضون على النعيم، بل أرواحهم في الجنة، كما ذكر ذلك النبي ﷺ في حق طوائف من المؤمنين كالشهداء وغيرهم.
16 / 2