247

Sharh al-Tadmuriyyah - Nasser al-Aql

شرح التدمرية - ناصر العقل

शैलियों

دحض شبهة من يقول: ليس من العدل مجازاة الخلق على ما قدره الله لهم من عمل السيئات
السؤال
لا شك أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله، خيرها وشرها، ولكن لقائل أن يقول: كيف يستقيم هذا على القول: بأن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم، وهو خالقها فيهم! فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه وفاعله؟!
الجواب
هذا نوع من الوسواس على مستوى عال عند كثير من الفلاسفة والأذكياء والمفكرين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يذعنوا لله ﷿، مع أنه قد يخطر هذا الخاطر حتى على عامة الناس، لكن يبقى ضربًا من الوسواس، وسأتكلم بعد نهاية السؤال عن القواعد في هذا.
قال: فإن كان الجواب: بأن الله علم ما الخلق عاملون، وقدر ذلك عليهم، كان السؤال: من الذي جعلهم يختارون ذلك فعلمه الله، وإن كان الجواب: بأن الله جل وعلا هو الذي جعلهم يختارون ذلك عاد السؤال الأول، وعند ذلك كيف يستقيم؟ هذه هي الوسوسة لاسيما وظهور الدور فيها -الأوهام فيها دور-، أما أصل القضية فليس فيها دور، فهي واضحة؛ لأنها مبنية على أهمية تركيب قواعد التسليم لله ﷿، وقواعد القدر.
وهذا النوع من الخواطر يأتي على ضربين: الضرب الأول: نوع عارض، وذلك كالذي يجده كثير من الصالحين، بل كثير من الناس، بل ربما كل المسلمين، لكنه يزول أمام قوة التسليم والثوابت التي في القلب، فالمسلم أصلًا قد بنى دينه على ثوابت، هذه الثوابت إذا استقرت في القلب وأذعن لها العقل واستجابت لها العواطف والأحاسيس، فإنها لا يضرها الشيء العارض، فتصطدم هذه الوساوس العارضة بهذه الثوابت فتزول بإذن الله.
الضرب الثاني: التشكيك الذي ينبني على شبهات ناتجة عن عوامل كثيرة، منها: التفريط في تحصيل العلم الشرعي، والغرور، والجهل، وضعف الإيمان، والأهواء التي تستحكم على المرء، والمذاهب والاتجاهات، والجهل بالعقيدة السليمة، أعني: عقيدة السلف إلى آخر ذلك من العوامل التي قد تجتمع عند كثير من أصحاب الأفكار الضالة، من القدرية ومن سلك سبيلهم، إذ إن القدرية ليست محصورة بفرقة معينة، بل هي نزعة الاعتراض، وأهمها هذا الاعتراض الذي هو مرض وسوس به القدرية الأولى والقدرية الثانية، وجميع من تكلموا في هذا، من جماعات أو أفراد، سواء قدرية فرقة أو النزعة القدرية عند الأفراد؛ ولذا فأقول: إن هذا الأمر يمكن الجواب عليه باختصار على النحو التالي: أولًا: أننا نعلم أن الله ﷿ قدر الخير والشر ابتلاء وفتنة للعباد، فالله ﷿ يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:٣٥]، والابتلاء له غاية كبرى وحكمة عظيمة.
ثانيًا: لا بد أن نعود إلى ركن الإيمان، وهو أن تؤمن بالقدر، والقدر هو تقدير الله مشيئة وفعلًا، إرادة وخلقًا، فالله خالق كل شيء، وهو قدر كل شيء، فإذا كان الأمر كذلك فمعنى الإيمان بالقدر أن تؤمن بالقدر خيره وشره، وأنه من الله ﷿ جاء على جهة الحكمة، ثم إن الله ﷿ بنى أصول القدر على المراتب الأربع: العلم بأن الله عالم بكل شيء، علم ما كان، وما سيكون، وما هو كائن، وكيف يكون، وعلى أي وجه يكون.
ثم الكتابة، أي: أن الله كتب مقادير كل شيء، الخير والشر، بما فيها مقادير العباد وأفعال العباد الإرادية واللاإرادية.
ثم المشيئة، ومعناها: أن الله شاء كل المقادير بمشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون إلا ما يشاؤه الله من الخير والشر بما فيه أفعال العباد، وبما فيه أفعال الشرك والظلم، وكل الأفعال التي تصدر عن المكلفين، فهي بمشيئة الله.
ثم إن الله خالق كل شيء، قدر الشر على العباد وابتلاهم به.
وهذه مسألة لها باب آخر، وهي تنبني على الثقة بالله ﷿، والثقة بعلمه وحكمته وعدله، وبأن الله بكل شيء عليم، وأنه ﷿ فعال لما يريد، وأنه حكيم فيما قدر وفعل، وأنه سبحانه العليم الخبير، وأنه لا يفعل شيئًا إلا لحكمة وبكمال عدله، فإذا رسخت هذه المعاني في القلب اصطدمت بها الشكوك فلم تؤثر فيها.
ثم يبقى الجانب الثالث أضيق، وهو مسألة تقدير الخير والشر والابتلاء به، وكيف أن الله ﷿ قدر الشر وخلقه وابتلى به ثم يعاقب عليه؟ قال ﷿: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء:٣٥]، فالله ﷿ قد ميز لهذا الإنسان بين الهدى والضلال، وبين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الخير والشر من جميع الجوانب، ثم لما ميز بين هذا وذاك، ابتلى به على نحو إذا تصوره المسلم لم يعد عنده أي إشكال في كمال عدل الله، وذلك أن الله ﷿ قدر الخير وشرعه، أي: أن الشرائع قد تضمنت الأمر بفعله، وأنزل الكتب، وبعث الأنبياء يبينون طريق الخير للناس، ثم إنه أمرهم به وأقدرهم عليه، بل وسهله لهم، ووعدهم عليه بالوعد الحسن في الدنيا والآخرة.
كما أنه قدر الشر وحذر منه على ألسنة الرسل وفي الشرائع، ونفر منه العقول السليمة والفطر المستقيمة التي لم تنطمس بعد، فهو سبحانه قدر الشر، لكنه بعث المرسلين وشرع الشرائع في التحذير منه، وبيان طريقه وا

23 / 12