Sharh al-Nazm al-Jami‘ li-Qira’at al-Imam Nafi‘
شرح النظم الجامع لقراءة الإمام نافع
प्रकाशक
المكتبة الأزهرية للتراث
प्रकाशक स्थान
القاهرة
शैलियों
مقدمة المصحح
بسم الله الرّحمن الرّحيم قال تعالى:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا
[فاطر: ٣٢]
وقال رسول الله ﷺ:
«خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»
وقال الإمام الشاطبى فى متنه:
جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة ... لنا نقلوا القرآن عزبا وسلسلا
1 / 3
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على رسول رب العالمين، الذى أنزل عليه «وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم»، ورضى الله عن صحابته الأكرمين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وجودك يا حنان يا منان، يا ذا الطول والإحسان.
«وبعد» فمن تشريف الله للمسلم أن يعيش فى معية كلامه، يستضيء بنوره، ويغذى عقله، وفكره بضيائه، ففي رياض القرآن الحدائق الغناء، والزهور الفيحاء، والخير والعطاء والنماء، هو أنيس المتقين، ودرة الناصحين، وعبرة المعتبرين. راحة الأرواح، وسبيل الفلاح. روض الرياحين، وملتقى المحبين، على هداه عكف الصالحون، وبأحكامه استنار العابدون، وفى دروبه مشى السائرون، ففاز كل هؤلاء بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
* والكتاب الذى بين يديك- أخى القارئ الكريم-: شرح النظم الجامع لقراءة الإمام نافع .. أوضح فيه مؤلفه العالم العامل، والجهبذ الكامل، المحقق، المدقق فضيلة الشيخ «عبد الفتاح بن عبد الغنى القاضى» قراءة الإمام نافع أيّما إيضاح، وكشف اللثام عن جانب عظيم من الأحرف السبعة التى نزل بها كلام الفتاح على قلب الحبيب الشفيع، الرؤف الرحيم ﷺ.
ولا غرو فإن المؤلّف من أعلام هذا الفن الجليل؛ قراءة، وإقراء وتأليفا وتحقيقا، وعلى يديه الكريمتين تتلمذ شيوخ مشايخنا، وتبحر على سواحل علمه أئمتنا، فجزاه عما قدم لكتابه خير الجزاء، وأحسن مثوبته فى الآخرة والأولى.
* ولما دفع إلىّ هذا الكتاب القيم للإفادة منه وجدته درة فى جبين أقرانه، وقبس مضاء من شمس سمائه فانشرح صدرى لمراجعته وضبطه.
* وكان النهج الذى سرت عليه، والطريق الذى هديت إليه هو ما يلى:
١ - قرأت الكتاب مرات، وقارنته بمراجع القراءات، وصححت فيه الأخطاء المطبعية التى لا تخلو من كتاب عدا كتاب الله رب العالمين.
1 / 5
٢ - ضبطت ما يحتاج إلى ضبط، لا سيما أبيات النظم الجامع للشيخ القاضى.
٣ - علقت على مواضع فيه اقتضت الضرورة بيانها، وجميع هذه التعليقات والإضافات بين معقوفين [....] ليتميز الأصل من الفرع. أما تعليقات الهوامش فإنها تخلوا منهما لتجرد الهوامش منها.
٤ - وضعت الكلمات القرآنية بين علامتى تنصيص «....» مضبوطة على حسب القراءة، أو الرواية.
٥ - إذا ورد مثال لقراءة نافع براوييه: قالون، وورش ضبطت المثال كقراءة نافع إذا لم يكن فى هذا المثال أكثر من رواية، وإلا فيكون الضبط «الشكل» على حسب رواية ورش لشهرتها فى مصر، والمغرب العربى وغيرهما، مثال ذلك قوله تعالى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى [طه: ٧٥].
فلقالون فيها، تحقيق الهمز، وصلة الهاء صلة صغرى، وقصرها مكسورة بلا صلة، أى الاختلاس، وتوسط المتصل.
ولورش فيها، إبدال الهمز، وصلة الهاء صلة صغرى، ومد المتصل مدا مشبعا، وتقليل ياء «العلى».
وعلى هذه القاعدة تضبط الآية هكذا لورش: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى [طه: ٧٥]، وستجدها مبثوثه بكثرة إلا نادرا لا سيما المواضع التى يعسر ضبطها فى المطابع كالروم، والإشمام، والاختلاس، والتسهيل، والإمالة، والتقليل، وما أشبهه، ولا يعد هذا الضبط من قبيل الخلط فى القراءة، وهو محرّم شرعا، وأداء؛ لأننا بصدد القراءات العلمية، أما القراءات التطبيقية العملية فلا يجوز فيها ذلك، ويرجع فى ذلك إلى الطرق المعروفة لجمع القراءات، وإذا انفرد كل من: قالون، وورش برواية فسأضبطها له كروايته عن شيخه نافع.
٦ - كلمات الإمالة، والتقليل أجرد الحرف قبل المقلل، والممال فيها من التشكيل إلا إذا كان مشددا فسأضع الشدة فقط.
1 / 6
* وأخيرا: هذا جهد المقل، ومحاولة العاجز فإن كان فيه من توفيق وسداد فمن الله وحده، فهو الموفق للصواب، وهو حسبى ونعم الوكيل، وإن كان من تقصير، أو عجز، أو خطأ، أو نسيان فلن أبرّئ نفسى منها، والعصمة للأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام. فليعذرنى- أخى قارئ القرآن الكريم- إذ العلم رحم بين أهله، والعذر عند خيار الناس مقبول.
وألتمس منك أن تدعو لى دعوة صالحة بظاهر الغيب إن وجدت فيه ما يسرّك، عسى أن أفوز بها «يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله»، ولن تحرم ثوابها فسيقول لك الملك: ولك مثل ذلك.
هذا، وصلى الله على النبى الشفيع، والرسول العظيم، نبى الهدى، ورسول السلام محمد بن عبد الله، وآله، وصحبه الأخيار الأطهار، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
كتبه بالقاهرة- المرج الغربية
السادات السيد منصور أحمد
التخصص للقراءات ومدرس القرآن الكريم، وعلومه بالأزهر الشريف فى يوم الأحد الثانى عشر من ربيع الأول ١٤٢٥ هـ
٢/ ٥/ ٢٠٠٤ م
1 / 7
نبذة مفيدة فى مؤلف الكتاب «رحمه الله تعالى»
هو «عبد الفتاح بن عبد الغنى بن محمد القاضى» المولود فى دمنهور البحيرة جمهورية مصر العربية فى ١٤/ ١٠/ ١٩٠٧ م. عالم مبرّز فى القراءات وعلومها وفى العلوم الشرعية والعربية من أفاضل علماء الأزهر، وخيرتهم آية الدهر، ووحيد العصر.
التحق بالمعهد الأزهرى بالإسكندرية بعد أن حفظ القرآن الكريم، وتدرّج فى التعليم حتى حصل على شهادة التخصص القديم «الدكتوراة حاليا» عام ٣٤/ ١٩٣٥ م. تتلمذ على كبار علماء عصره بالإسكندرية، والقاهرة منهم الشيخ محمد تاج الدين فى التفسير، والشيخ شحادة منيسى فى البلاغة، والشيخ حسن الشريف فى الحديث الشريف، والشيخ أمين محمود سرور فى التوحيد، وحضر المنطق، وأدب البحث على الشيوخ الأفاضل: محمود شلتوت شيخ الأزهر، عبد الله دراز، عبد الحليم قادوم .. والشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر فى صحيح البخارى.
وظائفه بالأزهر الشريف: عيّن مدرسا ثانويا عقب التخرج، ورئيسا لقسم القراءات بكلية اللغة العربية بالأزهر، ومفتشا عاما بالمعاهد الأزهرية، وشيخا للمعهد الأزهرى بدسوق، ثم المعهد الأزهرى بمدينته دمنهور، ووكيلا عاما للمعاهد الأزهرية ومديرا عاما للمعاهد الأزهرية، ثم رئيسا لقسم القراءات بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
نشاط العلمى: عين رئيسا للجنة تصحيح المصاحف بالأزهر، وخطيبا بمسجد الشعرانى بالقاهرة، وعضوا فى لجنة اختبار القراء بإذاعة جمهورية مصر العربية.
من مؤلفاته: عليه من الله سحائب الرحمة والرضوان: الوافى فى شرح الشاطبية فى القراءات السبع، والإيضاح شرح الدرة فى القراءات الثلاث، والبدور
1 / 8
الزاهرة فى القراءات العشر المتواترة من طريقى الشاطبية والدرة، والقراءات فى نظر المستشرقين والملاحدة، والفرائد الحسان فى عد آى القرآن «نظم» وغير ذلك من المؤلفات القيمة المفيدة.
مرضه ووفاته: مرض بالمدينة المنورة- على ساكنها الصلاة والسلام- وسافر للقاهرة للعلاج. وتوفّى بها وقت أذان الظهر يوم الاثنين ١/ ١١/ ١٩٨٢ م ودفن بالقاهرة. رحمه الله تعالى ورضى عنه. انتهى، ملخصا من كتاب: هداية القارى إلى تجويد كلام البارى للمرصفى.
***
1 / 9
[مقدمة المؤلف] [٥]
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وصحبه، ومن والاه.
وبعد: فيقول العبد الفقير إلى لطف ربه الغنى «عبد الفتاح بن عبد الغنى القاضى» لقبا، الدمنهورى مولدا، الشافعى مذهبا، الأزهرى تربية، النقشبندى طريقة: هذا شرح وجيز لنظمى المسمّى «النظم الجامع، لقراءة الإمام نافع» عمدتّ فيه إلى سهولة العبارة، وسلامة التركيب، وتجنبت فيه الحشو، والفضول ما استطعت إلى ذلك سبيلا. والله أسأل، وبحبيبه أتوسّل (١)، أن يجنّبنى زلة الفكر، وعثرة القلم (٢)، ويمنحنى الإخلاص الدائم لخدمة كتابه المجيد، ويجعله شفيعا لى يوم الدين، فهو حسبى ونعم الوكيل.
وقد رمزت إلى النظم بهذا الحرف «ص» ورمزت إلى الشرح بهذا الحرف «ش».
ص- بحمد منشى العالمين أبتدى ... ثمّ الصّلاة والسّلام الأبدى
على رسول الله خير الخلق ... ومرشد الورى لنور الحقّ
وآله وصحبه الأعلام ... وقارئى القرآن بالإحكام
ش- الحمد: هو الثناء على الله تعالى بالجميل، على جهة التعظيم والتبجيل، و«منشئ» مأخوذ من الإنشاء، وهو الإبداع والاختراع على غير مثال سابق و«العالمين» جمع عالم- بفتح اللام- والعالم اسم لما سوى الله تعالى من إنس،
_________
(١) التوسل: التقرب إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، وبالأعمال الصالحة التى يقوم بأدائها المتوسل، وبدعاء الصالحين الأحياء له .. مصححه.
(٢) عثرة القلم: زلة القلم، والعثار: الزلل. وعلى الشيء عثرا، وعثورا: اهتدى إليه، وفى القرآن الكريم «فإن عثر على أنّهما استحقّا إثما» ... مصححه.
1 / 10
وجن وغير ذلك، وسمّى بذلك لأنه علامة، وأمارة على وجود الخالق ﷻ، والصلاة من الله تعالى الرحمة المقرونة بالتعظيم، والسلام: التحية والأمان اللائقان بمقامه ﷺ، والورى الخلق، وآل الرسول هم أقاربه المؤمنون به من بنى هاشم، وبنى المطلب، و«صحبه» اسم جمع لصاحب والمراد به هنا الصحابى، وهو من اجتمع بالنبى ﷺ مؤمنا به بعد نبوته ومات على الإيمان، و«الأعلام» جمع علم- بفتح العين واللام- وهو الجبل- والإحكام بكسر الهمزة الإتقان.
ابتدأت نظمى بالثناء على بارئ العالمين ومبدعهم على غير مثال سابق تأسيا بالكتاب العزيز، وعملا بقوله ﷺ «كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع» والمراد بالأمر ما يعم القول كالقراءة، والفعل كالتأليف، ومعنى ذى بال صاحب شأن عظيم يهتم به شرعا، ومعنى كونه «أقطع» أنه عديم النفع، لا بركة فيه، فهو- وإن تمّ حسّا- لا يتم معنى.
ثم ثنيت بالصلاة والسلام الدائمين الأبديّين على رسول الله سيدنا ومولانا محمّد ﷺ صفوة خلقه، ومرشدهم لنور الحق، والهدى بما جاءهم به عن ربه من العقائد والأحكام التى تكفل لمن أخذ بها سعادة الآخرة والأولى.
ثم ثلثت بالصلاة والسلام على آله ﷺ، وأصحابه الذين هم كالجبال فى رسوخ قدمهم فى الدين، وعلوّ شأنهم ورفعة منزلتهم، حتى كانوا جديرين بقوله ﷺ فى حقهم «أصحابى كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم»، وعلى قارئى القرآن الذين أتقنوا حروفه، وجوّدوا كلماته، ومهروا فيه حفظا وأداء، فاستحقوا بذلك ثناء رسول الله عليهم، وإشادته بذكرهم، ووعده إياهم بجزيل الأجر، وحسن المثوبة. قال ﷺ: إن لله أهلين من الناس، قيل ومن هم يا رسول الله قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» (١) وقال «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» (٢).
ص- وهذه أرجوزة ضمّنتها ... حروف نافع وقد هذّبتها
قالون عنه وهو عيسى قد نقل ... والثّان ورش وهو عثمان الأجلّ
ش- أى هذه المنظومة أرجوزة أفعولة من الرّجز، وهو نوع من أنواع الشعر.
وأحد البحور الخمسة عشر المشهورة وأجزاء كل بيت «مستفعلن» ست مرات،
_________
(١) أخرجه البزار، وابن ماجة.
(٢) رواه البخارى ومسلم، وتمام الحديث (والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران».
1 / 11
ومعنى «ضمنتها» جعلتها متضمنة ومشتملة على حروف نافع والحروف جمع حرف. ومعناه فى اللغة الطرف من كل شىء، وواحد حروف التهجى.
والمراد به هنا الكلمة القرآنية التى يقرؤها نافع بوجه معين، فحروف نافع عبارة عن الكلمات القرآنية التى يقرؤها نافع بهيئة خاصة، وفى إطلاق الحرف على الكلمة مجاز مرسل من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
ونافع هو أحد الأئمة القراء الذين اشتهر ذكرهم فى جميع الآفاق، ووقع على فضلهم وجلالتهم الاتفاق، وهو نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم، وكنيته أبو رويم، وهو مدنىّ نسبة إلى مدينة رسول الله ﷺ، وأصله من أصبهان، وهو من الطبقة الثالثة بعد الصحابة، وكان أسود شديد السواد، وكان رضى الله عنه عالما خاشعا مجابا فى دعائه، إماما فى علم القرآن، وعلم العربية. أمّ الناس فى الصلاة بمسجد رسول الله ﷺ ستين سنة، قرأ على سبعين من التابعين، وقرأ على مالك رضى الله عنه الموطأ، وقرأ عليه مالك القرآن، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة وأجمع عليه الناس بعد شيخه أبى جعفر، وقرأ عليه مائتان وخمسون رجلا، وكان إذا تكلم تشم من فيه [فمه] رائحة المسك فقيل له يا أبا عبد الرحمن: أتطيب كلما قعدتّ تقرئ الناس القرآن؟ فقال: ما أمس طيبا، ولكنى رأيت فيما يرى النائم النبى ﷺ وهو يقرأ فى فىّ، وفى رواية يتفل فى فىّ فمن ذلك الوقت تشمّ من فىّ هذه الرائحة.
ولد رضى الله عنه سنة سبعين، وتوفّى بالمدينة سنة تسع وستين ومائة، وروى أنه لما حضرته الوفاة قال له أبناؤه أوصنا فقال لهم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
وقد نقل عن نافع راويان: قالون، وورش. فأما قالون فهو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى بن عبد الصمد بن عمر بن عبد الله المدنى، وكنيته أبو موسى. قرأ على نافع سنة خمسين ومائة، ولازمه كثيرا، ويقال إنه كان ربيبه، ولقبه قالون، قيل إن شيخه نافعا هو الذى لقّبه به لجودة قراءته؛ فإن معنى قالون بلغة الروم جيد، وكانت مدة قراءته على نافع خمسين سنة، وكان رضى الله عنه قارئ المدينة ونحويّها، قيل كان أصمّ لا يسمع البوق (١)، فإذا قرئ عليه القرآن سمعه، وقيل
_________
(١) البوق: آلة ينفخ فيها فتحدث صوتا قويا، ويتخذها اليهود ليجتمعوا للصلاة كما ورد فى حديث الأذان.
مصححه.
1 / 12
أصابه الصمم فى آخر حياته بعد أن أخذت القراءة عنه، وكان مولده سنة عشرين ومائة فى زمن هشام بن عبد الملك، وتوفّى سنة عشرين ومائتين فى زمن المأمون.
وأما ورش: فهو عثمان بن سعيد بن عدى بن غزوان بن داود بن سابق المصرى، وكنيته أبو سعيد، ولقبه ورش لقّب به لشدة بياضه لأن الورش شىء يصنع من اللبن يقال له الأقط فشبّه به، وقد رحل إلى المدينة ليقرأ على نافع. فقرأ عليه عدة ختمات سنة خمس وخمسين ومائة، ثم رجع إلى مصر فانتهت إليه رئاسة الإقراء بها، فلم ينازعه فيها منازع. مع براعته فى العربية، وكان جيد القراءة حسن الصوت. قيل كان إذا قرأ على نافع غشى على كثير من الجلساء.
وكان مولده سنة عشر ومائة وتوفى بمصر سنة سبع وتسعين ومائة فى أيام المأمون.
... [منهج المؤلف رحمه الله تعالى] [٤]
ص- سأذكر الحكم الذى يختلف ... مع حفصهم وأترك الّذى يأتلف
ش- قد يخالف نافع، أو أحد راوييه حفصا فى حكم من الأحكام، وقد يوافقه هو أو أحد راوييه فى حكم، فإذا خالف نافع، أو أحد راوييه حفصا فى حكم ما ذكرت هذا الحكم، وأسندته لصاحبه.
فمثال ما خالف فيه نافع بكماله حفصا حكم القاف فى «ويتّقه» فى سورة النور فإن نافعا من روايتى قالون، وورش عنه يقرأ بكسرها، وحفصا يقرأ بإسكانها، وقد ذكرت هذا الحكم فى قولى: وقاف يتّقه لنافع كسر: ومثال ذلك أيضا حكم الهاء فى كلمة «يهدّى» فى سورة يونس فإن ورشا يقرأ بفتحها، ولقالون فيها وجهان، إسكانها، واختلاس فتحتها، بخلاف حفص فإنه يقرؤها بالكسر. وقد ذكرت حكمها فى قولى:
ولا يهدّى افتح لورش هاءها ... سكّن أو اختلس لعيسى فتحها
ويؤخذ مما ذكر أن نافعا قد يخالف حفصا مع اتفاق راوييه فى الحكم. كما فى المثال الأول، وقد يخالفه مع اختلافهما فى ذلك، كما فى المثال الثانى، ومثال ما خالف فيه أحد راويي نافع حفصا حكم الهاء فى لفظ «هو» الواقع بعد الواو، أو
1 / 13
اللام، أو الفاء فإن قالون. يسكن الهاء فى هذا اللفظ بخلاف ورش فإنه يرويه بالتحريك فيكون موافقا لحفص فى حكمه.
وقد ذكرت حكمها فى قولى:
سكّن لعيسى هاء هو هى بعد فا ... أو واو أو لام ..
الخ.
ومثال ذلك أيضا حكم الراء فى كلمة «قربة» فى سورة التوبة فإن ورشا يضمها بخلاف قالون فإنه يسكنها فيكون موافقا لحفص فى حكمها، وقد ذكرت حكمها فى قولى «وورشهم فى قربة قد ضمّ را».
أما إذا وافق نافع حفصا فى حكم فلا أتعرض لذكر ذلك الحكم. ومثال ذلك حكم كلمة «تعملون» فى قوله تعالى فى سورة البقرة وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ الذى يليه قوله تعالى أَفَتَطْمَعُونَ فإن نافعا يتفق، وحفصا فى قراءتها بالخطاب فلم أذكرها وأمثلة ذلك تفوق الحصر.
وإذا وافق أحد الراويين حفصا فى حكم تركت بيان ذلك الحكم، واقتصرت على بيان الحكم المختلف، وأسندته لصاحبه. كما سبق فى حكم هاء «هو» وراء «قربة» فحينئذ يكون ترك بيان الحكم دليلا على أنّ هذا الحكم المتروك موافق لحكم حفص، وأنّ الراوى الذى لم يذكر فى النظم مذهبه مذهب حفص فى هذا الحكم.
والخلاصة: أنى لا ذكر فى هذا النظم إلا الحكم الذى يخالف حفصا. سواء اتفق عليه الراويان، أم اختلفا فيه، بأن كان لكل منهما حكم خاص، وكلا الحكمين يخالف حكم حفص، أو كان لأحدهما حكم يخالف حكم حفص وللآخر حكم يوافقه، وقد تقدمت الأمثلة:
ص- وكلّما ذكرت حكما مطلقا ... ففيه عثمان وعيسى اتّفقا
ش- إذا أطلقت حكما ولم أقيده بالإسناد لنافع، أو لأحد راوييه، أولهما معا علم أن ذلك الحكم اتفق عليه قالون وورش، كقولى:
تصدّقوا اشدد صاده ثمّ ارفعا: حاضرة كذا تجارة معا.
ص- وإنّنى قد اكتفى باللفظ عن ... تقييده إذا المراد منه عن
1 / 14
ش- قد اكتفى بالتلفظ بالقراءة، ولا أقيدها بقيودها إذا ظهر المراد من اللفظ، بأن كان مجرد التلفظ بالقراءة يكشف قيودها، ويدل عليها، كقولى فى سورة النمل .. يخفون يعلنون أنّا قد كسر ... البيت.
فاكتفيت باللفظ بالقراءة عن التقييد بالغيب- لأن التلفظ بها أغنى عن تقييدها، وقولى «عن» فى آخر البيت بمعنى ظهر.
ص- وأسأل الله تعالى عصمتى ... فى القول والفعل وتلك غايتى
ش- العصمة: الحفظ والصيانة، أى أسأل الله تعالى حفظى وصيانتى فى القول، والفعل من الخطأ والزلل، بأن يجعل التوفيق للصواب حليفى ورائدى فى كل منهما- وتلك غايتى التى أسعى إليها، وهدفى الذى أرمى إليه.
... باب البسملة [١]
ص- زد سكتة وصلة بين السّور ... لورشهم وكلّ ذا عنه اشتهر
ش- السكتة، والسكت بمعنى [واحد] وهو هنا عبارة عن قطع الصوت على آخر كلمة فى السورة زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، وبلا بسملة.
والوصل والصلة بمعنى [واحد] يقال فى اللغة: وصل الشيء بالشىء وصلا، وصلة إذا ربطه به، والمراد به هنا وصل آخر السورة بأول الثانية من غير فصل بينهما بالبسملة أيضا، وقد أمرت القارئ أن يزيد لورش سكتا، ووصلا بين آخر كل سورة، وأول ما بعدها، وهذا التعبير وهو الأمر بالزيادة يدل على أن ورشا يشارك حفصا فى الحكم بين السورتين، ويزاد له هذان الوجهان وهما: السكت، والوصل، ومعلوم أن حفصا يفصل بين كل سورتين بالبسملة. فحينئذ يكون لورش بين كل سورتين: البسملة بأوجهها الثلاثة قطع الجميع، ووصل الجميع، والوقف على آخر السورة، ووصل البسملة بأول الثانية، وهذه الأوجه يشترك مع حفص فيها ويزاد له عليها السكت، والوصل بلا بسملة فيكون لورش بين كل سورتين خمسة أوجه، وهذا الحكم عام بين كل سورتين ما عدا الأنفال وبراءة، والناس،
1 / 15
والفاتحة، أما الأنفال وبراءة فله- وكذا لغيره من القراء العشرة- بينهما الوقف، والسكت، والوصل وكلها من غير بسملة. وأما الناس، والفاتحة فليس له ولا لغيره بينهما إلا البسملة، وكذا لو وصل آخر السورة بأولها كمن يكرر سورة فإن البسملة حينئذ تكون متعينة، وأيضا لو وصل السورة بما فوقها فتجب البسملة حينئذ.
ويعلم من تركى بيان مذهب قالون أنه يوافق حفصا فى الفصل بين كل سورتين بالبسملة.
ولم أتعرض فى النظم لبيان مذهب نافع فى الحكم بين الأنفال وبراءة، وبين الناس والفاتحة، ولا فى حكم وصل السورة بأولها، أو وصلها بما فوقها لأن مذهبه يوافق مذهب حفص بل ومذهب القراء جميعا فى كل ما ذكر، وقد سبق بيانه.
... باب هاء الكناية [٥]
ص- واقصر لعيسى ها يؤدّه نؤته ... نصله نولّه أرجه فألقه
ويتّقه وصل له أو اقصرا ... ها يأته وهو بطه ذكرا
وصل لورش كلّ هاء ثبتت ... فى هذه الألفاظ حيث وقعت
ش- هاء الكناية فى اصطلاح القراء هى الهاء الزائدة الدالة على الواحد المذكر، وتسمى هاء الضمير أيضا، فخرج بالزائدة الهاء الأصلية كالهاء فى «نفقه»، «لئن لم ينته» وبالدالة على الواحد المذكر كالهاء فى نحو «عليها، وعليهما، وعليهم، وعليهنّ» وتتصل هاء الكناية بالفعل نحو يؤده»، وبالاسم، نحو «أهله»، وبالحرف نحو «عليه الله».
وقد أمرت القارئ أن يقصر لقالون الهاء فى الكلمات السبع التى ذكرتها فى جميع مواضعها: الأولى «يؤده» وقد وقعت فى موضعين فى آل عمران فى قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ الآية. الثانية «نؤته» ووقعت فى ثلاثة مواضع موضعين فى آل عمران فى قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ
1 / 16
الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها الآية، وموضع فى الشورى فى قوله تعالى: وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها. الثالثة «نوله». الرابعة «نصله» وقد وقعتا فى قوله تعالى فى سورة النساء: نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ، وقدمت وَنُصْلِهِ على نُوَلِّهِ، لضرورة النظم. الخامسة أَرْجِهْ، وقد وقعت فى موضعين: موضع فى الأعراف فى قوله تعالى: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ، وموضع فى الشعراء فى قوله تعالى: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ السادسة فَأَلْقِهْ ووقعت فى موضع واحد فى سورة النمل فى قوله تعالى: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ. السابعة «ويتّقه» ووقعت فى موضع واحد فى سورة النور فى قوله تعالى: وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ.
ثم خيرت القارئ بين وصل الهاء، وقصرها فى كلمة «يأته» فى سورة طه فى قوله تعالى: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا. [وهذا التخيير لقالون أيضا].
وأخيرا أمرت القارئ أن يصل لورش جميع الهاءات الثابتة فى الكلمات السبع السابقة فى جميع مواضعها.
والمراد بقصر الهاء فى هذه الكلمات النطق بها مكسورة كسرا خالصا من غير إشباع، وقد يعبر عن هذا القصر بالاختلاس.
والمراد بصلتها النطق بها مكسورة كسرا خالصا مع إشباعها أى مدها مدا طبيعيا (١) بمقدار حركتين. وهذا إذا لم يقع بعدها همز، فإذا وقع بعدها همز كان مدها من قبيل المد المنفصل (٢) فيمده ورش حسب مذهبه الآتى بيانه فى باب المد والقصر قريبا إن شاء الله تعالى.
وربّ قائل يقول: كان مقتضى الاصطلاح السابق فى الخطبة أن تقتصر على بيان مذهب ورش فى هذه الكلمات الثلاث فحسب، وهى: «أرجه، ويتقه، فألقه» لمخالفة ورش حفصا فى قراءتها لأنه يقرؤها بصلة الهاء، وأما حفص فيقرأ «أرجه، فألقه» بإسكان الهاء، ويقرأ «ويتّقه» بكسر الهاء مع قصرها.
_________
(١) وقد يطلق عليه «مد الصلة الصغرى» ... مصححه.
(٢) وقد يطلق عليه «مد الصلة الكبرى» ... مصححه.
1 / 17
أما الكلمات الأربع وهى: «يؤده، نؤته، نوله، نصله»؛ فلا داعى لذكرها لموافقة ورش حفصا فى قراءتها بالصلة.
وأقول: إننى خالفت الاصطلاح السابق لحكمة وهى أننى لو اقتصرت على بيان مذهب ورش فى الكلمات الثلاث السابقة فحسب لتوهم القارئ أن ورشا لا يصل الهاء إلا فى
هذه الكلمات الثلاث، لأن الاقتصار فى مقام البيان يفيد الحصر، فدفعا لهذا الوهم الخاطئ بينت مذهب ورش فى الكلمات السبع كلها.
ص- وقاف يتّقه لنافع كسر ... والهاء فى فيه مهانا قد قصر
ش- أخبر أن قاف «يتّقه» فى قوله تعالى فى سورة النور: وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ كسر لنافع، وأن هاء «فيه» من قوله تعالى فى سورة الفرقان: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهانًا قصر لنافع أيضا.
ص- هاء عليه الله عنه فاكسرا ... كهاء أنسانيه فاحفظ واذكرا
ش- أمر بكسر هاء «عليه» فى سورة الفتح فى قوله تعالى: وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ الآية عن نافع، ولا بدّ من ترقيق لام لفظ الجلالة حينئذ ككسر هاء أَنْسانِيهُ فى سورة الكهف فى قوله تعالى: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ الآية عن نافع أيضا، وقوله: «فاحفظ واذكرا» تكملة للبيت أى احفظ ما آمرك به من هذه الأحكام، واذكره لغيرك ممن يريد تعلمه ومعرفته، والله تعالى أعلم.
... باب المد والقصر [٧]
المد لغة الزيادة، واصطلاحا إطالة الصوت بحرف من حروف المد، واللين الثلاثة التى هى الألف، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، أو بحرف من حرفى اللين فقط، وهما الواو الساكنة المفتوح ما قبلها، والياء الساكنة المفتوح ما قبلها، ولا يتحقق هذا المد إلا إذا وجد سببه، وسببه إما همز أو سكون، والهمز قد يوجد بعد حرف من
1 / 18
حروف المد واللين المتقدمة، وقد يوجد قبله، فإن وجد بعده، واجتمع معه فى كلمة واحدة سمّى المد حينئذ مدّا متصلا نحو: «جاء، يضيء، قروء»، وإن وجد بعده وكان حرف المد فى آخر كلمة، والهمز فى أول الكلمة التالية سمى المد حينئذ مدا منفصلا، نحو «يأيّها، قوا أنفسكم، وفى أنفسكم»، فإن وجد الهمز قبل حرف من حروف المد واللين فى كلمة واحدة سمى المد حينئذ مد بدل نحو ءامنوا، أوتوا، إيمانا، وإذا تحقق الهمز بعد حرف من حرفى اللين فى كلمة واحدة سمى المد حينئذ مد لين، نحو: سوأة، شيئا، والقصر لغة الحبس، واصطلاحا إثبات حرف المد واللين أو حرف اللين فقط من غير زيادة عليهما.
وللمد إطلاق آخر وهو إثبات حرف مد فى الكلمة كقولى فى سورة الزخرف:
«أسورة فافتح ومدّ» أى افتح السين وأوجد حرف مد بعدها، وللقصر إطلاق آخر أيضا وهو حذف حرف مد من الكلمة كقولى فى سورة الشعراء: «وحاذرون فارهين فاقصرا» أى احذف حرف المد الواقع بعد الحاء فى «حاذرون»، وبعد الفاء فى «فارهين».
ص- واقصر لقالون ووسّط ما انفصل ... بأربع ووسّط ما اتّصل
أشبعهما ستا لورش والبدل ... مدّ له واقصر ووسّط حيث حل
ش- خيرت القارئ أن يقصر، أو يوسط المد المنفصل لقالون، وبينت مقدار التوسط بقولى «بأربع» أى بأربع حركات بحركة الأصبع قبضا أو بسطا، ثم أمرته أن يوسط المد المتصل بالمقدار السابق أيضا، ولم أبين مقدار القصر وهو حركتان لوضوحه، واقتصرت فى مقدار التوسط على الأربع تبعا لكثير من المحققين الذين ذهبوا إلى أن للمد مرتبتين فحسب، طولى: لورش وحمزة، ووسطى لغيرهما، وثبت أن إمامنا الشاطبى رضى الله عنه كان يقرئ بالمرتبتين فقط.
ثم أمرت القارئ أن يشبع المدين المنفصل والمتصل لورش وبينت مقدار الإشباع بقولى «ستّا» أى ست حركات بحركة الأصبع قبضا أو بسطا، كما تقدم.
والخلاصة أن لقالون وجهين فى المد المنفصل وهما القصر والتوسط، ووجها
1 / 19
واحدا فى المتصل وهو التوسط، وأن لورش وجها واحدا فى المدين المنفصل والمتصل وهو الإشباع ست حركات.
ولما ذكرت حكم المدين المنفصل والمتصل ذكرت حكم مد البدل- وقد عرفته فيما سبق- فخيرت القارئ أن يمده لورش، أو يقصره، أو يوسطه حيث وقع سواء كان محققا نحو «آمنوا» أم مغيرا بالتسهيل بين بين، نحو: «ء آلهتنا» فى الزخرف، أم بالإبدال نحو: «لو كان هؤلاء آلهة» أم بالنقل نحو: «الآخرة».
ص- سوى كقرآن ونحو ماء ... أو بعد همز الوصل حيث جاء
كذا يؤاخذ وإسرائيلا ... والخلف فى آلآن عادا الأولى
ش- استثنى العلماء الذين أجازوا توسط البدل، ومده لورش ثلاثة أصول مطردة، وكلمتين فأوجبوا فيها القصر:
الأصل الأول: أن يقع الهمز بعد ساكن صحيح متصل مثل «القرآن، ومسئولا»، فيتعين قصره لحذف صورة الهمزة رسما، واحترزنا بقولنا «بعد ساكن» عن وقوع الهمز بعد متحرك نحو «مآب»، وبقولنا «صحيح» عن وقوعه بعد ساكن معتل.
مثل «فاءوا»، وبقولنا «متصل» عن وقوعه بعد ساكن منفصل مثل «من آمن»؛ فإذا وقع الهمز بعد متحرك، أو بعد ساكن معتل، أو بعد ساكن صحيح منفصل جاز فيه الأوجه الثلاثة المتقدمة القصر، والتوسط، والمد، وقد أشرت إلى هذا الأصل بقولى «كقرآن».
الأصل الثانى: أن تكون الألف التى بعد الهمزة مبدلة من التنوين وقفا نحو «دعاء، هزؤا»، فيتعين قصره أيضا لأن الألف عارضة غير لازمة، إذ لا توجد إلا فى الوقف، بخلاف الألف فى نحو رءا من «رءا القمر»، وتراءا من «وتراءا الجمعان» فتجرى فيها الأوجه الثلاثة لورش عند الوقف عليها لأنها أصلية وذهابها فى الوصل عارض، وقد أشرت إلى هذا الأصل بقولى: «ونحو ماء».
الأصل الثالث: كل حرف مد وقع بعد همز الوصل فى الابتداء نحو «ايت، ائذن لي»، فيتعين قصره لأن حرف المد في ذلك عارض، لأنه بدل من الهمزة، ولهذا إذا وصلت الكلمة بما قبلها ذهبت همزة الوصل، ونطقت بهمزة فى موضع
1 / 20
حرف المد، وهمزة الوصل عارضة أيضا لذهابها عند وصل الكلمة بما قبلها، فامتنعت زيادة المد فى هذا نظرا لعروض همزة الوصل، وحرف المد، وقد ذكرت هذا الأصل بقولى: «أو بعد همز الوصل حيث جاء».
وأما الكلمتان فإحداهما «يؤاخذ» حيث وقعت فى القرآن الكريم نحو: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، وثانيتهما كلمة «إسرائيل» حيث وقعت أيضا، وقد ذكرتهما بقولى: كذا يؤاخذ وإسرائيلا.
واختلف أهل الأداء عن ورش فى كلمتين وهما (آلئن) فى الموضعين فى سورة يونس، وعادًا الْأُولى فى سورة النجم، فمنهم من أجرى فى كل منهما الأوجه الثلاثة المتقدمة، ومنهم من أوجب فيهما القصر.
والألف التى وقع فيها الخلاف فى (آلئن) هى الألف الأخيرة التى بعد اللام، وأما الأولى فليست من هذا الباب لأن مدها لأجل السكون اللازم المقدر، ولكون هذا السكون مقدرا يجوز فى هذه الألف الأولى لورش وقالون وجهان:
الأول المد اعتدادا بالأصل، والثانى: القصر اعتدادا بحركة اللام العارضة، ووجه من أجرى الأوجه الثلاثة فى «آلئن» عدم الإعتداد بحركة النقل العارضة، ووجه من أوجب فيها القصر الاعتداد بهذه الحركة. ووجه من أجرى الأوجه الثلاثة فى عادًا الْأُولى عدم الإعتداد بالحركة المنقولة، ووجه من أوجب فيها القصر أن ورشا يقرؤها بإدغام تنوين عادًا فى اللام من الْأُولى بعد نقل حركة الهمزة إلى اللام فلم يمد الواو من الْأُولى اعتدادا بحركة اللام المنقولة من الهمزة فى الْأُولى إليها لأنها صارت كاللازمة من أجل إدغام التنوين فيها فكأنه لا همز فى الكلمة لا ظاهرا ولا مقدرا.
وأتيت فى النظم بلفظ ءآلئن ممدودا على الاستفهام احترازا عن نحو: «الآن جئت بالحقّ» فلا خلاف عن ورش فى إجراء الأوجه الثلاثة فيه وفى أمثاله.
وهاهنا فوائد: الأولى: أصل كلمة (ءآلئن)، «آن» بهمزة مفتوحة ممدودة، وبعدها نون مفتوحة وهى اسم مبنى علم على الزمان الحاضر. ثم دخلت عليه «ال» التى للتعريف. ثم دخلت عليه همزة الاستفهام فاجتمع فيها همزتان مفتوحتان متصلتان، الأولى: همزة
1 / 21
الاستفهام، والثانية همزة الوصل، وقد أجمع أهل الأداء على استبقاء الهمزتين والنطق بهما معا وعدم حذف إحداهما، ولكن لما كان النطق بهمزتين متلاصقتين فيه شىء من العسر والمشقة أجمعوا على تغيير الهمزة الثانية واختلفوا فى كيفية هذا التغيير. فمنهم من غيّرها بإبدالها ألفا مع المد المشبع نظرا لالتقاء الساكنين، ومنهم من سهلها بين الهمزة والألف، وهذان الوجهان جائزان لكل من القراء العشرة، وعلى وجه التسهيل لا يجوز إدخال ألف الفصل بينها وبين همزة الاستفهام لأحد من القراء.
وهاك بيان قراءة كلّ من قالون، وورش فيها.
قرأ قالون بنقل حركة الهمزة التى بعد اللام إلى اللام مع حذف الهمزة، وحينئذ يكون له ثلاثة أوجه:
الأول: إبدال الهمزة الثانية التى هى همزة الوصل ألفا مع المد المشبع نظرا للأصل وهو سكون اللام، ولعدم الاعتداد بالعارض وهو تحرك اللام بسبب نقل حركة الهمزة إليها.
الوجه الثانى: إبدال همزة الوصل ألفا. مع القصر طرحا للأصل، واعتدادا بالعارض وهو تحرك اللام بسبب نقل حركة الهمزة إليها.
الثالث: تسهيل همزة الوصل بينها وبين الألف.
وهذه الأوجه الثلاثة جائزة له وصلا، ووقفا، ويزاد له حال الوقف قصر اللام وتوسطها ومدها نظرا للسكون العارض للوقف. فيكون له حال الوصل الثلاثة الأوجه السابقة، وفى حال الوقف تسعة أوجه حاصلة من ضرب الثلاثة المتقدمة فى ثلاثة اللام.
وأما ورش فقد قرأ كقالون بنقل حركة الهمزة إلى اللام مع حذف الهمزة مع الأوجه الثلاثة المتقدمة لقالون فى همزة الوصل وهى إبدالها ألفا مع المد، والقصر، وتسهيلها بين بين، ولا يخفى أن له فى مد البدل المغير بالنقل الواقع بعد اللام ثلاثة أوجه، القصر، والتوسط، والمد، ولكن هذه الأوجه الثلاثة فى البدل لا تتحقق على جميع أوجه همزة الوصل بل تتحقق على بعضها دون البعض الآخر.
1 / 22
وخلاصة ما ذكره العلماء لورش فى هذه الكلمة أن له فيها خمس حالات: الأولى: انفرادها عن بدل سابق عليها أو واقع بعدها مع وصلها.
الثانية: انفرادها عن بدل سابق عليها أو واقع بعدها مع الوقف عليها.
الثالثة: اجتماعها مع بدل قبلها مع وصلها.
الرابعة: اجتماعها مع بدل قبلها مع الوقف عليها.
الخامسة: اجتماعها مع بدل واقع بعدها.
أما الحالة الأولى:
فله فيها سبعة أوجه، إبدال همزة الوصل ألفا مع المد المشبّع، وعليه فى اللام ثلاثة أوجه: القصر والتوسط، والمد، ثم تسهيل همزة الوصل بين بين مع الأوجه الثلاثة السابقة فى اللام، ثم إبدال همزة الوصل ألفا مع القصر، وعليه فى اللام القصر فقط فتصير الأوجه سبعة.
الحالة الثانية:
له فيها تسعة أوجه إبدال همزة الوصل ألفا مع المد المشبع، والقصر، ثم تسهيلها بين بين، وعلى كلّ من هذه الأوجه الثلاثة تثليث اللام فتصير الأوجه تسعة.
الحالة الثالثة:
وهى اجتماعها مع بدل سابق عليها، ووصلها بما بعدها كاجتماعها مع «ءامنتم به» فله فيها ثلاثة عشر وجها- قصر البدل قبلها فى «ءامنتم»، وعليه إبدال همزة الوصل مع المد والقصر، ثم تسهيلها- وعلى كلّ من هذه الأوجه الثلاثة: قصر اللام، ثم توسيط البدل فى «ءامنتم»، وعليه إبدال همزة الوصل مع المد، وتسهيلها، وعلى كلّ منها توسيط اللام، وقصرها، ثم إبدال الهمزة مع القصر، وعليه قصر اللام فقط، ثم مد «ءامنتم»، وعليه إبدال همزة الوصل مع المد، وتسهيلها. وعلى كلّ منهما مد اللام، وقصرها، ثم إبدال الهمزة مع القصر وعليه قصر اللام فقط فيكون على قصر «ءامنتم» ثلاثة أوجه، وعلى توسطها خمسة أوجه ومثلها على المد.
1 / 23