شرح الجامع الصحيح
شرح الجامع الصحيح
शैलियों
وقوله: أبيدوا، أي: أهلكوا وخضراؤهم سوادهم ودهماؤهم، والمعنى: أقتلوا جماهيرهم وفرقوا جمعهم، وفي هذا دليل على جواز الخروج على أئمة الجور، وقد فعلته الصحابة وأجمعوا عليه وإن اختلفت مقاصدهم ودعاويهم فان جميع وقائعهم إنما كانت بادعاء الجور على من خرجوا عليه صدقت الدعوى أو كذبت، فأجمعوا أولا على قتال عثمان لما أحدث في الإسلام خلاف ما عهدوا من السنة عملا بوصيته صلى الله عليه وسلم في قوله: "عضوا عليها بالنواجد:، ثم خرج طلحة والزبير على علي لادعائهم الطلب بدم عثمان في زعمهم، ثم خرج معاوية وعمرو على علي أيضا يوم صفين متسترين بتلك الدعوى <01/82> أيضا، وما فيهم من يدعي شرك من خرجوا عليه، ولكن تعللات لو صحت ما زادت على كفر النعمة فعلمنا بذلك صحة الخروج على أئمة الجور بالإجماع المذكور، وأكد ذلك صحة معنى الأحاديث المتقدمة، فإن قيل: قد جاءت أحاديث تعارض ما ذكرتم، منها حديث ابن مسعود: "سيليكم أمراء يفسدون، وما يصلح الله بهم أكثر، فمن عمل منهم بطاعة الله فلهم الأجر وعليكم الشكر، ومن عمل منهم بمعصية الله فعليهم الوزر وعليكم الصبر"، ومنهما حديث عرفجة: "ستكون بعدي هناة وهناة وهناة، فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان"، فالجواب: لا معارضة بين الأحاديث، أما حديث ابن مسعود فإنه يدل على أن أولئك الأمراء يتغلبون على البلاد ويقهرون العباد، فلا يقدرون عليهم بشيء، فأمرهم عند ذلك بالصبر لتعذر الحيلة وسلاهم بقوله: وما يصلح الله بهم أكثر، وذلك أن الجبار الغشوم خير من فتنة تدوم، وأما حديث عرفجة ففيه الأمر بضرب من أراد أن يفرق أمر المسلمين كائنا من كان، فهو مؤيد لقوله فإن لم يستقيموا لكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم، ثم أبيدوا خضراءهم، ولاشك أن العامل بخلاف ما أنزل الله، وبخلاف سنة رسول الله مفرق لأمر المسلمين دون من أنكر عليه ذلك.
قوله: «من أطاع أمري فقد أطاعني»: هذا بيان لقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}[محمد: 33]، فطاعة الله امتثال أمره، وكذا طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن عصى أمره فقد عصاه، وإن ادعى طاعته ومحبته فلا تكفي الطاعة باللسان حتى يصدقها العمل.
قوله: «نحو المشرق»: وتلك الإشارة إلى العراق، كما جاء في حديث علي أنه هوى بيده إلى نحو العراق، وهنالك يطلع قرن الشيطان، وقد ظهرت فيها فتن كثيرة منها خروج طلحة والزبير يوم الجمل، وخروج الأزارقة والصفرية والنجدية وغيرهم من الفرق الضالة، وقد وقعت الفتنة في غيرها أيضا، لكن فيها أعظم، فمن ثم أشار إليها <01/83> رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وفي البخاري عن أسامة قال: "أشرف النبيء صلى الله عليه وسلم على أطم من الآطام فقال: هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر"، فهذا الحديث مصرح بأن الفتن تقع خلال بيوتهم وذلك في المدينة، والمناسب لذكر هذا الحديث في هذا الباب شيئان: أحدهما أن قوله من أطاع أمري ومن عصى أمري يشمل الأئمة وغيرهم، والثاني الإشارة إلى الفتنة أنها غالبا تكون من الأمراء.
ما جاء في الإمام العادل.
पृष्ठ 93