194

الباب التاسع عشر في المسح على الخفين قوله: «في المسح على الخفين»: وغيرهما، فإنه ذكر المسح على الجبائر ومسح الرأس والأذنين ومسح الوضوء بالمنديل، وقد تقدم ذلك كله إلا المسح على الجبائر في آداب الوضوء وفرضه، فلا نعيد شرحه، وإنما كرره المرتب لمناسبته المسح، فإنه لما ترجم للمسح على الخفين ساق معه المواضع الممسوحة حتى إذا رجعه الناظر وجد بغيته مجتمعة، وفيه إشارة إلى أن المسح بالنظر إلى حكم الشرع صنفان: منفي وثابت، فالمنفي منهما عندنا مسح الخفين، والثابت ما عداه إلا مسح أثر الوضوء فقد تقدم الكلام فيه أنه منسوخ، فأما مسح الخفين فذكر في نفيه أحاديث أحدها قوله: عن ابن عباس: قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على خفه قط"، وثانيها قوله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على خفه قط، وأني وددت أن يقطع الرجل رجليه من الكعبين أو يقطع الخفين من أن يمسح عليهما"، وثالثها قوله: "أدركت جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتهم: هل يمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفيه؟ قالوا لا، ورابعها: قوله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: لأن أحمل السكين على قدمي أحب إلي من أن أمسح على الخفين،<1/178> قال جابر: كيف يمسح الرجل على خفيه والله تعالى يخاطبنا في كتابه بنفس الوضوء؟ والله أعلم بما يرويه مخالفونا في أحاديثهم، وهذا الكلام من جابر بعد قوله: أدركت جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتهم: هل يمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفيه؟ قالوا: لا، يدل على أن جابرا رحمه الله تعالى كان قد اعتنى بالبحث عن هذا الحكم كل الاعتناء بعد سماعه الأحاديث التي يرويها مخالفونا، فلم يجد لها مع الصحابة أصلا، وإنما وجد عندهم إنكار ذلك، وقد روي الإنكار عن أبي هريرة مع كثرة حفظه وروايته لما لم يروه غيره، وأنكر مالك بن أنس جواز المسح على الخفين، ولا نزاع عند القوم أنه كان في علم الحديث كالشمس الطالعة، فلولا أنه عرف أن الخبر بذلك ضعيف لما أنكره، وجابر بن زيد عند الكل أعلم بالكتاب والسنة ممن بعده وأعلم من كثير ممن كان في عصره، وقد أدرك الصحابة وسألهم وطلب ذلك الحكم فلم يجده عند أحد منهم، ثم استدل على استبعاده بوجوب الوضوء في آية المائدة، فإن المسح على الخفين غير غسل الرجلين وغير مسحهما أيضا، فليس المسح على الخفين مسحا على الرجلين؛ مع أنا نوجب غسلهما للبيان الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الوضوء، ووافقنا على إنكاره كثير من الناس منهم العترة جميعا في ما قيل، والإمامية من الشيعة والخوارج وأبو بكر بن داود الظاهري، واستدلوا أيضا بآية المائدة التي استدل بها جابر، وبقوله صلى الله عليه وسلم لمن علمه الوضوء، "واغسل رجلك"، ولم يذكر المسح، وقوله بعد غسلهما: "لا يقبل الله الصلاة من دونه"، وقوله: "ويل للأعقاب من النار"، قال أبو سعيد: مسح الخفين إما بدعة أو منسوخ، قلت: لكن كلام جابر ونقله عن الصحابة يشعر بأنه لم يكن شيئا، وقال كثير من الناس: إن الأخبار بذلك منسوخة بالمائدة، وفي بعض كتب قومنا أن الأمير الحسين ساق قصة في الشفاء فيها المراجعة الطويلة بين علي وعمر، واستشهد على اثنين وعشرين من الصحابة فشهدوا بأن المسح كان قبل المائدة لكن قال بعضهم: لم أر هذه القصة في شيء من كتب الحديث، وقد قال بجواز المسح على الخفين كثير من قومنا، وأجمع الكل على أنه غير واجب، فتركه أحوط على تقدير القول بجوازه؛ لأن الوضوء ثابت من الكتاب، وهو واجب بإجماع الأمة، فالآخذ به آخذ بالكتاب والسنة والإجماع، <1/179> والتارك لبعضه مخالف لظاهر الكتاب، مخالف لأهل الحق من أهل الاستقامة واقع في خطر النزاع، فلا عبرة بقول ابن المنذر أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه أه، وقد عرفت أن السنة لم تثبت في ذلك وأن المنكر له الصحابة والتابعون فليجعلهم ابن المنذر حيث شاء.

ما جاء في المسح على الجبائر

قوله: «إحدى زنديه»: الزند بفتح الزاء وسكون النون هو موصل طرفي الذراع في الكف، وهما زندان الكوع والكرسوع، والجبائر جمع جبيرة أو جبارة وهي: العيدان التي يجبر بها العظام: وفي معناها اللفافة والخرقة تكون على الجرح في موضع الوضوء، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أن يمسح على الجبائر؛ فيجب أن يحمل ما كان في معناها عليها؛ لأن المعنى الذي لأجله جاءت الرخصة مفهوم وهو خوف الضرر بنزع الجبائر واستعمال الوضوء {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة:185]، {وما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج:78]، ويستفاد منه أن القادر على بعض الواجب يفعله وليس له ترك الكل للعجز عن البعض، كما يصرح بذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" .<1/180>

الباب العشرون جامع الوضوء

قوله: «جامع الوضوء »: أي: يجمع أحاديث لا تختص بباب دون باب، وذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها: حديث أبي بن كعب في شيطان الماء، والثاني: حديث أبي هريرة في عقد الشيطان على قافية أحدكم، والثالث: حديث أنس بن مالك في نبع الماء من تحت أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضؤوا، إلى آخرهم.

पृष्ठ 211