شرح الأربعين النووية - عبد الكريم الخضير
شرح الأربعين النووية - عبد الكريم الخضير
शैलियों
ـ[شرح الأربعين النووية]ـ
مؤلف الأصل: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: ٦٧٦هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - ١٤ درسا]
अज्ञात पृष्ठ
شرح الأربعين النووية (١)
المقدمة
الشيخ / عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
قال الإمام النووي ﵀: عن أمير المؤمنين أبي حفص
المقدمة، المقدمة
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، قيوم السموات والأرض، مدبر الخلائق أجمعين، باعث الرسل صلواته وسلامه عليهم إلى المكلفين لهدايتهم، وبيان شرائع الدين بالدلائل القطعية، وواضحات البراهين، أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيد من فضله.
المزيدَ، المزيدَ.
الطالب: وأسأله المزيدَ من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، الكريم الغفار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، أفضل المخلوقين، المكرم بالقرآن العزيز المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، وبالسنن المستنيرة للمسترشدين، المخصوص بجوامع الكلم، وسماحة الدين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وآل كل وسائر الصالحين أما بعد:
فقد روينا عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنهم- من طرق كثيرات بروايات متنوعات، أن رسول الله ﷺ قال: «من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء»، وفي رواية: «بعثه الله فقيهًا عالمًا» وفي راوية أبي الدرداء: «وكنت له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا»، وفي رواية ابن مسعود: «قيل له: ادخل من أي أبوب الجنة شئت»، وفي رواية ابن عمر «كتب في زمرة العلماء، وحشر في زمرة الشهداء».
1 / 1
واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرة طرقه، وقد صنف العلماء -رضي الله تعالى عنهم- ما لا يحصى من المصنفات، فأول من علمته صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالم الرباني، ثم الحسن بن سفيان النسوي، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعيد الماليني.
سعدٍ، سعدٍ أبو سعد بدون ياء
الطالب: وأبو سعد الماليني، وأبو عثمان الصابوني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو بكرٍ البيهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين، وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثًا اقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله ﷺ في الأحاديث الصحيحة: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» وقوله ﷺ «نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها»، ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة -رضي الله تعالى- عن قاصديها.
وقد رأيت جمع أربعين أهم من ذلك كله، وهي أربعون حديثًا مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك، ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيح البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد؛ ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها -إن شاء الله تعالى-، وينبغي لكل راغب في الآخرة.
ثم، ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظها.
الطالب: ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظه، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث؛ لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره، وعلى الله اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.
1 / 2
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم"، "مقدمة"، وقد تفتح الدال "مقدَمة" فهي مقدِمة باعتبار أنها متقدمة على الكلام كله، وهي مقدَمة باعتبار أن المؤلف قدمها على هذا الكلام فيجوز في الدال الفتح والكسر، وإن كان الأشهر والأكثر هو الكسر.
ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الحمد لله رب العالمين" ولسنا بحاجة إلى إعادة ما مر بنا مرارًا من الكلام على الحمد، وأن كثيرًا من أهل العلم يفسره بالثناء على الله -جل وعلا-، وأن ابن القيم -رحمه الله تعالى- انتقد هذا التعريف بحديث أبي هريرة في صحيح مسلم: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ قال: حمدني عبدي، فإذا قال: ﴿الرحمن الرحيم﴾ قال: أثنى علي عبدي» فالثناء ليس هو الحمد، الحمد المكرر المثنى مرتين وثلاثًا، تكرار المحامد هي: الثناء على الله -جل وعلا - ولذلك لم يفسر النبي ﵊، الله -جل وعلا- في الحديث الصحيح ما قال: إذا قال العبد: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ قال: أثنى علي عبدي، إنما قال: حمدني عبدي، فإذا قال: ﴿الرحمن الرحيم﴾ يعني كرر هذا الثناء وهذا الحمد سمي ثناءً، قال: أثنى علي عبدي، والتعريف المرضي عند ابن القيم ﵀ أن الحمد: هو ذكر الله -جل وعلا- بأوصافه، بأوصافه التي بجميعها يستحق المدح، فجميع أوصاف الله -جل وعلا- متضمنة للمدح والحمد، فذكره -جل وعلا- بهذا الأوصاف هو حمده، وتكرار هذا الحمد هو الثناء، فالثناء هو الحمد المكرر، والحمد والشكر بينهما عموم وخصوص عند أهل العلم، والكلام في هذه المسألة يطول.
"الحمد لله" أل هذه للاستغراق فجميع أنواع المحامد لله -جل وعلا-، وهذه اللام ﴿لله﴾ لام الملك والاختصاص، فالحمد مملوك كله لله -جل وعلا- ومختص به ﷾.
1 / 3
"رب العالمين" بدل من لفظ الجلالة ولذلك جر؛ لأن البدل له حكم المبدل أو عطف بيان، "العالمين" جميع ما سوى الله -جل وعلا-، كل ما سوى الله عالم وقد يطلق على الخلائق من أولهم إلى أخرهم عالم -وهذا هو الإطلاق الأصلي-، وقد يطلق على أهل جيل من الناس أو أمة من الأمم يقال لهم عالم، فبنوا إسرائيل فضلوا على العالمين يعني على عالمي زمانهم، وإلا فهذه الأمة أفضل منهم بلا شك، "قيوم السموات والأرضيين" يعني القائم بأمر السموات وأهل السموات، والأرضيين وأهل الأرضيين، "السموات والأرضيين" السموات السبع ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [(١٢) سورة الطلاق] يعني سبع كذلك، "مدبر الخلائق أجمعين" لا يخرج أحد عن تدبيره وتصرفه -جل وعلا- فهو المدبر لجميع الخلائق، ولا يمكن أن يستقل شيء من المخلوقات بنفسه دون الله -جل وعلا-.
"باعث الرسل"، باعث الرسل إلى أممهم، وباعث النبي محمد ﵊ إلى الثقلين الجن والإنس، "وصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين"، "الصلوات" جمع صلاة، "وصلوات الله" يختلف فيها أهل العلم، منهم من يقول: إنه الثناء عليهم، ومنهم من يقول: الدعاء لهم بالرحمة، وسلامه عليهم أجمعين.
1 / 4
"إلى المكلفين" من بلغ سن التكليف فالمكلفون هم الإنس والجن ممن تعدى مرحلة رفع القلم، فهم جميع الإنس والجن ماعدا الثلاثة الذين رفع عنهم القلم: «الصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ» مع أن النائم مكلف، بمعنى أن رفع القلم عنه مؤقت، زوال رفع القلم عنه أسرع من زواله عن الصغير وعن المجنون، الصغير قد يقرب من بلوغ الحلم وقد يبعد لكنه رفع عنه القلم حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، قد يفيق وقد لا يفيق، أما النائم فنومه ساعات ثم يستيقظ فيعود عليه التكليف، لكنه أثناء النوم القلم عنه مرفوع وهذا في حقوق الله -جل وعلا-، أما في حقوق الخلق وما يكون التكليف فيه من باب ربط الأسباب بالمسببات فيكون من الحكم الوضعي لا من التكليفي، فجمهور أهل العلم يرون أن الصبي والمجنون تجب عليهم الزكاة، والثلاثة تلزمهم قيم المتلفات وأروش الجنايات، ولا يقال: إن القلم مرفوع عنهم فلا تجب عليهم هذه الأمور؛ لأنها ليست من الأحكام التكليفية وإنما هي من الأحكام الوضعية، ربط الأسباب بالمسببات فإذا وجد السبب وجد المسبب، نائم انقلب على أو تحرك فكسر متاعًا لغيره يضمن، صغير يضمن في مثل هذه الصورة، مجنون جنا يضمن والمراد بالضمان ضمان وليه في المال، على كل حال هذه مسألة معروفة عند أهل العلم.
1 / 5
يقول: "لهدايتهم"، "باعث الرسل إلى الخلق أجمعين لهدايتهم"، ودلالتهم وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، إلى تحقيق الهدف الذي من أجله خلقوا وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، "لهدايتهم" ودلالتهم وإرشادهم وبيان شرائع الدين لهم، فهم يهدونهم ويدلونهم ويبينون لهم الشرائع ليعملوا بها، "شرائع الدين" ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [(٤٨) سورة المائدة] كل نبي رسول من هؤلاء الرسل له شريعة ومنهاج وإن كان أصل الدين واحدًا كما جاء في الحديث الصحيح: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، أولاد علات وديننا واحد» وهو الإسلام الذي هو الأصل، وإن كانت الشرائع تختلف من شريعة إلى أخرى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [(٤٨) سورة المائدة] في صحيح البخاري سبيلًا وسنة، شرعة ومنهاجًا: سبيلًا وسنة، فالشرعة هي السنة، والمنهاج هو السبيل؛ لأن أهل العلم يقولون: إن هذا من اللف والنشر المشوش، شرعة ومنهاجًا: سبيلًا وسنة، الشرعة هي السنة، والمنهاج هو السبيل.
"بالدلائل القطعية وواضحات البراهين"، "بالدلائل القطعية" التي يأتي بها الرسل عن الله -جل وعلا-، وما يقوله أو ما ينقله الرسول عن ربه -جل وعلا- بلفظه مثل: القرآن، والكتب المنزل: كالتوراة والإنجيل والزبور قبل التحريف هذه كلها من عند الله -جل وعلا-، وغيرها كصحف إبراهيم وموسى، وغيرها مما يعرف ومما لا يعرف كلها من عند الله -جل وعلا- يجب الإيمان بها، بل الإيمان بالكتب ركن من أركان الإيمان.
"الدلائل القطعية" تكون بنصوص الوحي المنزل وبما ينقله النبي عن ربه -جل وعلا-؛ لأن ما يقوله ويتكلم به وينطق به هو وحي كما في قوله -جل وعلا-: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [(٣ - ٤) سورة النجم].
1 / 6
ثم كرر الحمد فقال: "أحمده على جميع نعمه"، "أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه" هو المستحق للحمد فهو المنعم الحق، وما يحمد به الناس أو يمدحون عليه فباعتبارهم تولوا القسمة وإلا فالمعطي هو الله -جل وعلا- كما جاء في الحديث الصحيح «إنما أنا قاسم والله معطي، إنما أنا قاسم والله معطي»، والله -جل وعلا- يقول للأغنياء: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [(٣٣) سورة النور] فالبشر المال بأيدهم عارية، وضع في أيدي بعض الناس ليبتليهم ويبتلي بهم، ووجد من الناس من لا مال عنده ليبتلى هل يصبر؟ الأول مبتلى، الغني يبتلى هل يشكر ويستعمل هذا المال فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو يكفر هذه النعمة فيجحدها ويجحد نسبتها إلى الله -جل وعلا-، ويستعملها فيما لا يرضي الله -جل وعلا-؟ كما أنه يبتلي الفقير هل يصبر ويرضى ويسلم ويحمد الله على نعم كثيرة لا يستطيع عدها؟ يقول ابن عبد القوي ﵀:
وكن صابرًا للفقر وادرع الرضى ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدي
لأن بعض الناس قد يبلغ به من الفقر والحاجة مبلغًا عظيمًا، ثم إذا قيل: له احمد ربك واشكر ربك ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ [(١٨) سورة النحل] قال: على إيش أحمد ربي أنا فقير مدقع محتاج، لا يا أخي ما تدري لو أن الأذن دخل فيها حشرة وطلب منك ما على وجه الأرض من أمول لبذلتها، لو احتبس فيك البول وطلب منك ما على وجه الأرض من المليارات من الذهب والفضة دفعتها، أليست هذه نعم؟ نعمة البصر، نعمة السمع، نعمة ...، نعم لا تعد ولا تحصى.
1 / 7
تصور أن أصبعًا من أصابعك أصغر الأصابع عندك صلب لا تستطيع أن تثنيه ماذا يكون من دون ألم؟ تتأذى به أذىً شديدًا ولو لم يؤلم، ولذا هذه النعم يعني نعم المفاصل نعم لا يقدر قدرها إلا من فقدها، تصور شخص الرجل عنده متصلبة لا تنثني يواجه من العنت والحرج ما لا يدرك ولو لم يكن فيها ألم، ولذا يصبح على كل سلامى على سلام كل واحد منكم صدقة، ثلاثمائة وستين مفصل تحتاج إلى ثلاثمائة وستين صدقة، لكن الله -جل وعلا- لطيف لا يكلف الفقير أن يتصدق بالدراهم وهو لا يجده، كل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة .... إلى أخره، ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى في مقابل ثلاثمائة وستين صدقة، ركعتان من الضحى فعلى الإنسان أن يحمد الله -جل وعلا-، وأن يلهج بذكره وشكره، ولا يجحد هذه النعم وإن كان يغفل عنها، كثير من الناس في غفلة تامة عن هذه النعم، لكن مع ذلك عليه أن يتذكر وعليه أن يشكر ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [(٧) سورة إبراهيم].
يقول: "أحمده على جميع نعمه"، هناك النعم الظاهرة، وهناك النعم الخفية والله -جل وعلا- أسبغ النعم على عباده، وأعظم هذه النعم على الإطلاق نعمة الإسلام، نعمة الإسلام وهذا هو رأس المال، افترض أن المسلم كما هو الأصل فيه أنه مبتلى بالمصائب، مبتلى بالأمراض، هل يمكن أن تقارن حالة أقل المسلمين شأنًا في أمور الدنيا بأعظم الكفار شأنًا في أمور الدنيا؟ أبدًا، ولذا المؤمن كخامة الزرع، المصائب تعتريها من كل وجه، وأما الكافر مثل الأرزة -شجرة صلبة متينة عريضة لا تحركها الرياح- فلا تعتريها العوارض، لكن الإنسان يحمد الله -جل وعلا- أن جعله من هذه الأمة ويفتخر بإسلامه ويرفع رأسه بدينه ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [(٣٣) سورة فصلت]، يعتز بدينه ويفتخر به.
1 / 8
"احمده على جميع نعمه وأسأله المزيد من فضله وكرمه"، "أسأله" يطلب ويسأل الله -جل وعلا- وما يحقق المزيد بأعظم من الشكر، الدعاء ينفع لكن المضمون هو الشكر ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾، والدعاء قد يجاب بما طلب وقد لا يجاب بنفس الطلب، قد يؤخر الطلب إلى يوم القيامة، وقد يدفع عنه من الشر والمكروه أعظم مما طلبه، لكن الشكر نتيجته ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾، وضده الكفر ليس معناه الكفر المخرج من الملة، إنما كفر هذه النعمة في مقابل الشكر، "وأسأله المزيد من فضله وكرمه" يسأل بلسانه وبفعله.
"وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بدأ بالبسملة، ثم ثنى بالحمد، ثم ثلث بالشهادة وجاء في ذلك الأحاديث المعروفة من طرق كثيرة: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر، وكل أمر ذي بال -يعني شأن يهتم به شرعًا- لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أو أجذم» كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذمى، على كل حال يمتثلون هذه الأحاديث وإن كانت لا تسلم من مقال، بل بعض العلماء حكم على جميع ألفاظها بالضعف، وأما لفظ الحمد على وجه الخصوص فقد حسنه النووي وجمع من أهل العلم ابن الصلاح وغيرهما، ولا يعني أننا إذا ضعفنا الأحاديث بجميع ألفاظها وطرقها أننا لا نبدأ بالبسملة، القرآن ابتدئ بالبسملة، والحمد ابتدئ به القرآن بفاتحة الكتاب وخطب النبي ﵊ تفتتح بالحمد والشهادة أيضاَ.
1 / 9
لإن بعض الناس إذا سمع التضعيف قال: لا داعي لأن نبدأ بالبسملة والحمد له والشهادة ما له داعي ما دام الأحاديث الضعيفة، والعمل بالحديث الضعيف لا يجوز العمل به على ما سيأتي تقريره في هذه المقدمة، المؤلف يرى العمل بالحديث الضعيف لكن يأتي تقرير هذه المسألة، من يقول: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقًا، ثم يأتي إلى هذا الحديث ويقول: الأحاديث ضعيفة فيبدأ بغير البسملة والحمد له والشهادة يدخل في مراده مباشرة، ومع الأسف أنه وجد بعض الكتب، أنا وقفت على كتاب واحد حقيقة وموضوعه شرعي، يقول: كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمد له، لكن هذا المجدد رأى أن والبسملة الحمد له لا داعي لها مع ضعف الأحاديث، هذا قصور قصور في الفهم، لا يفرق بين ما ثبت بأصول متضافرة متكاثرة، وبين ما لم يرد إلا في هذا الحديث الضعيف.
"وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار"، هذه الشهادة المنجية «أمرت أن أقاتل الناس: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» " لا شريك له الواحد القهار الكريم الغفار"، "وأشهد أن سيدنا محمدًا" وأشهد أن سيدنا محمدًا الشهادة الأولى لا تصح إلا بالثانية، كما أن الثانية لا تصح إلا بالأولى فمن يشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، ولا يشهد أن محمدًا عبده ورسوله هذا شهادته باطل؛ لأن الأولى مستلزمة للثانية والثانية من شرطها النطق بالأولى وكل واحد منهما مستلزمة ومتضمنة للأخرى، "وأشهد أن سيدنا الرسول ﵊ يقول: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» فهو سيد الثقلين، وأشرف الخلق أجمعين، وأعلم الناس وأعرفهم وأتقاهم وأخشاهم لله -جل وعلا- فهو السيد فهو سيدنا.
وفي الكلام المرسل المطلق الذي لا يتعبد بلفظه لا مانع من قول سيدنا محمد، لكن في الألفاظ المتعبد بها كالتشهد مثلًا لا يجوز أن تقول: وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله؛ لأن هذه متعبد عبادات توقيفيه لا يجوز الزيادة عليها.
1 / 10
"وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله" مقام العبودية، ومقام الرسالة في أشرف المواضع يدعى بالعبد ﵊، ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [(١٩) سورة الجن] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [(١) سورة الإسراء] ورسوله ﵊، "وحبيبه وخليله" "وخليله أفضل المخلوقين" بلا نزاع فهو أفضل الرسل فضلًا عن غيرهم، وجاء عنه ﵊ «لا تفضلوا بين الأنبياء ولا تفضلوني على يونس بن متا» فمنع التفضيل ﵊ وهذا محمول على حالة واحدة وهي: إذا ما اقتضى المقام تنقص المفضل عليه، إذا اقتضى المقام تنقص المفضول، يقال: لا تفضلوا الأنبياء، وإلا فالتفضيل بين الأنبياء في منطوق الكتاب العزيز ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [(٢٥٣) سورة البقرة] والمنع من تفضيل الأنبياء «لا تفضلوا بين الأنبياء» معروف أنه حينما يقتضى هذا التفضيل التنقص للمفضول كما هو ظاهر في قوله: «لا تفضلوني على يونس بن متا»؛ لأن ما حصل من يونس ﵇ قد يتطاول عليه بعض السفهاء الذي لا يعرف منازل الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذي يقرأ عنه قد يقع في نفسه شيء من التنقص، لكن الله -جل وعلا- أنجاه ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [(١٤٣ - ١٤٤) سورة الصافات] ﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [(٨٧) سورة الأنبياء] دعوة أخي ذو النون، وليست خاصة به بل له ولغيره ممن يقولها في هذه المضايق ﴿وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [(٨٨) سورة الأنبياء] ليست خاصة بيونس، على كل حال إذا اقتضى التفضيل تنقص المفضول منع وحسمت مادته «لا تفضلوا بين الأنبياء»، وإلا فالأصل أن التفضيل واقع وثابت في منطوق القرآن.
"أفضل المخلوقين المكرم بالقرآن العزيز"، هذا القرآن شرف لمحمد ﵊ ولأمته ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [(٤٤) سورة الزخرف] يعني شرف لك ولقومك فهو مكرم مفضل على غيره.
1 / 11
"بالقرآن العزيز" بكلام الله -جل وعلا- المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المعجز بألفاظه ومعانيه وأحكامه وأسراره، المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، الرسالة خالدة إلى قيام الساعة فمعجزة نبيها خالدة؛ لأن المعجزة تبقى وتدوم ببقاء الدين، فلما كان هذا الدين إلى قيام الساعة فالمعجزة قائمة إلى قيام الساعة، بخلاف معجزات الأنبياء فهي باقية ببقائهم.
"المستمرة على تعاقب السنين وبالسنن المستنيرة للمسترشدين"، "وبالسنن المستنيرة للمسترشدين"، "مكرم بالقرآن العزيز" ومكرم أيضًا بالسنن، والمراد بالسنن سنته ﵊ شقيقة القرآن، شقيقة القرآن، "المستنيرة للمسترشدين"، المبينة للقرآن يعني دلالات القرآن في كثير منها إجمال بين هذا الإجمال بالسنة فهي منيرة، "ومستنيرة للمسترشدين" لطالبي الرشاد.
سيدنا محمد "المخصوص بجوامع الكلم"، الكلم الجامع من إضافة الصفة إلى موصوفها، والكلم الجامع الذي يجمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة.
1 / 12
"وسماحة الدين" النبي ﵊ بعث بالحنيفية السمحة، «والدين يسر -ولله الحمد- ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وعليكم من الدين ما تطيقون»، «بشرا ولا تنفرا، يسرا ولا تعسرا» الدين سمح ميسر كما أن دستوره الخالد القرآن ميسر ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [(١٧) سورة القمر] والدين يسر والله الحمد، لكنه أيضًا هو دين تكاليف «حفت الجنة بالمكاره» حفت الجنة بالمكاره، لا يعني أن الدين يسر أن الإنسان يتفلت من الأوامر والنواهي ويقول: الدين يسر لا، يقول الله -جل وعلا- عن الحج -بيته-: ﴿لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ﴾ [(٧) سورة النحل] والحج فيه مشقة، الصيام في أيام الصيف الحارة فيه مشقة، الصلاة في الليالي الشديدة البرد شاقة، الجهاد شاق، إذًا الدين يسر يعني فيما يحتمله الإنسان في ظروفه العادية، يعني اليسر حده ما يحتمله المكلف في ظروفه العادية؛ لأن الإنسان مستعد أن يعمل من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعمل من طلوع الشمس إلى نصف الليل في تجارته، ويحمل الأثقال ويصبر على الحر والبرد هذا محتمل، ولا يقول: إننا لا نطيق الصيام في الحر ومع ذلك يزاول تجارته في الحر، يعني الضابط لهذا اليسر، أما ما أوجبه الله -جل وعلا- فلا مساومة عليه، لكن ما يفعله المكلف مما وراء ذلك من مستحبات «اكلفوا من العمل ما تطيقون»، «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه» يعني الإنسان طاقة، النبي ﵊ منع من أراد أن يصوم النهار ويقوم الليل، يصوم ولا يفطر يقوم ولا ينام، ومنع ابن عمر أن يقرأ القرآن في أقل من سبع «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» كل هذا من أجل الاستمرار؛ لأن أحب الدين إلى الله أدومه وإن قل، فهذه الشريعة ولله الحمد هذه سمتها أنه ليس فيها أصار ولا أغلال ولا تكليف بمحال وما لا يطاق، فيها تكاليف، فيها ما فيه مخالفة لهوى النفس وهذا من أشق الأمور، مخالفة هوى النفس من أشق الأمور ولذا صبر الكفار على القتل في مقابل ألا يخالفوا هواهم، والله المستعان.
1 / 13
"صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين وآل كل وسائر الصالحين" جمع بين الصلاة والسلام امتثالًا للأمر في قوله -جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [(٥٦) سورة الأحزاب] فلم يقتصر على الصلاة فقط دون السلام أو العكس، بل أطلق النووي -رحمه الله تعالى- الكراهة على من صلى فقط ولم يسلم أو العكس كما في شرحه على صحيح مسلم، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- صلى على النبي ﵊ ولم يسلم فأطلق النووي الكراهة؛ لأن الصلاة فقط أو السلام فقط لا يتم به الامتثال امتثال الأمر في الآية، وإن كان الحافظ ابن حجر خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك يعني يصلى دائمًا ولا يسلم، أو يسلم دائمًا ًولا يصلي هذا تتجه الكراهة في حقه، أما من كان يجمع بينهما أحيانًا، يصلي أحيانًا، يسلم أحيانًا هذا لا تتجه الكراهة في حقه.
1 / 14
ثم بعد ذلك عطف عليه ﵊ سائر النبيين، فالأنبياء يصلى عليهم استقلالًا، يصلى عليهم ويسلم استقلالًا، وأما من عداهم فيصلى عليهم ويسلم تبعًا، إذا ذكروا بعده ﵊ يصلى عليه: اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، يصلى عليهم تبعًا لا استقلالًا في قول أكثر أهل العلم، ومنهم من جوز الصلاة على غير الأنبياء، والمسألة بحثها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "جلاء الأفهام" وفي غير موضع من كتبه، فمنهم من يرى جواز الصلاة على غير الأنبياء على جهة الاستقلال، لكن لا يتخذ شعارًا لواحد بعينه، ما يقال أبو بكر ﷺ باستمرار ولا يقال لغيره، أو صلى الله على عمر أو على علي ﵊ لا؛ لأن هذا يبين عن شيء في النفس، يبين عن شيء في النفس، لكن لو قيل مرة ذكر أبو بكر وقيل ﷺ أو عمر أو ما أشبه ذلك، أكثر أهل العلم على أن الصلاة خاصة على سبيل الاستقلال بالأنبياء، والترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم هذا العرف العلمي عند أهل العلم، كما أنه لا يقال: محمد ﷿ لا يقال: أبو بكر ﷺ، محمد لا يقال: ﷿ وإن كان عزيزًا جليلًا، والنبي ﵊ لما قال الله -جل وعلا-: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [(١٠٣) سورة التوبة] جاء أبو أوفى بزكاته فامتثل النبي ﵊ الأمر وقال: اللهم صلي على آل أبي أوفى، اللهم صلي على آل أبي أوفى، هذا يستدل به من يرى الجواز على ألا يكون شعارًا لواحد بعينه.
"وآل كل"، الآل الأصل هم الأهل، ويدخل فيهم الأزواج والذرية والأقارب، ويدخل فيهم الأتباع، يدخل فيهم الأتباع، "وآل كلٍ" التنوين هذا تنوين عوض، "وآل كل" واحد منهم، "وسائر الصالحين" "سائر" تطلق ويراد بها الباقي، وتطلق ويراد بها الكل، يعني باقي الصالحين بعد أن صليت وسلمت على الآل الذي يبقي من الصالحين يصلى عليه ويسلم تبعًا للأنبياء.
1 / 15
"وسائر الصالحين"، "الصالح" هو القائم بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، هو القائم بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، فهذا الوصف ليحرص المسلم على الاتصاف به؛ ليكون صالحًا لئلا يحرم نفسه من دعاء الناس له بالسلامة "السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين"، وهذه الجملة تقال من محمد ﵊ إلى آخر مسلم يقولها ويكررها في كل صلاة، فالذي يتصف بضد الصلاح قد حرم نفسه من دعوات المسلمين على مر العصور والأزمان، وهذا حرمان عظيم ألا تحب أن يدعى لك وأنت لا تشعر من قبل الملايين، تحرم نفسك من هذه الدعوة، عليك أن تسعى جاهدًا لتحقيق هذا الوصف.
"أما بعد": "أما": حرف شرط وتفصيل، "بعد" قائم مقام الشرط، وجوابها المتصل بالفاء "فقد روينا" إلى أخره ...، و"بعد": قائم مقام الشرط مبني على الضم لحذف المضاف مع نيته؛ لأن بعد وقبل والجهات الست كلها لا تخلوا إما أن تضاف فتعرب ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [(١٣٧) سورة آل عمران]، أو تقطع عن الإضافة يعني يحذف المضاف إليه مع عدم نيته، وحينئذ تعرب منونة.
فصاغ لي الشراب وكنت قبلًا ... . . . . . . . . .
أو يحذف المضاف مع نيته وبقائه وكأنه مذكور وحينئذ تبنى على الضم.
و"أما بعد" الإتيان بها في الخطب والمراسلات والدروس، الإتيان بها سنة ثبتت عن أكثر من ثلاثين صحابيًا عنه ﵊، فالإتيان بها سنة ولا يقوم غيرها مقامها، وإبدال الواو مكان أما هذا عرف عند المتأخرين، ويقولون: إن الواو تقوم مقام أما، لكنه لا يحصل به الامتثال والإقتداء بالنبي ﵊، والأصل أن "أما بعد" تابعة للانتقال من موضوع إلى موضوع، من المقدمة إلى صلب الموضوع، أو من موضوع إلى موضوع أخر.
"أما بعد" قد اختلف العلماء في أول من قالها على أقوال:
جر الخُلف أما بعد من كان بادئًا ... بها عد أقوال وداود أقرب
ويعقوب أيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعرب
ولكن الأكثر على أنه داود وهي فصل الخطاب الذي أوتيه.
1 / 16
"أما بعد: فقد روينا عن علي بن أبي طالب" النووي يروي "عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس ... إلى آخره، يروى عنهم مباشرة وإلا بواسطة؟ بوسائط روينا يعني بالوسائط، بالأسانيد، ولذا رأي ابن الصلاح في مثل هذا أن يقول: روّينا، ما يقول: روَينا: يقول: إيش، يقول: روّينا عن علي بن أبي طالب -أمير المؤمنين-، وعبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري ﵃ من طرق كثيرات بروايات متنوعات"، مروي عن جمع غفير من الصحابة، وكل صحابي له رواة، وكل تابع له رواة، فالأسانيد كثيرة جدًا، والطرق لهذا الحديث كثيرة، لكنه ضعيف بجميع طرقه وألفاظه اتفق الحفاظ على ضعفه، وكلها شديدة الضعف، كلها شديدة الضعف ولذا ابن الجوزي أورد الحديث في العلل المتناهية بطرقه وبين أنها كثير منها موضوع، ومنها ما هو شديد الضعف فلا يجبر بعضها بعضًا، وإلا فالضعيف الذي ليس ضعفه بشديد إذا جاء من طرق يجبر بعضها بعضًا ويرتقي إلى الحسن لغيره، وإن كان السيوطي وبعض المتأخرين يجعلون شديد الضعف كالضعيف لا سيما إذا تعددت طرقه تعددًا كثيرًا؛ لأنه إذا وجد ضعيفًا ليس ضعفه بشديد ووجد مثله يرتقي به إلى الحسن لغيره، لكن افترضنا أنه شديد ضعف مع شديد ضعف، نعم على طريقة السيوطي ومن يقول بقوله، إنه شديد ضعف مع شديد ضعف ارتقى إلى ضعيف ليس ضعفه بشديد على جهة الترقية، ثم الثاني والثالث كل واحد يخفف هذا الضعف إلى أن يكون كالذي بُدئ كما يقول السيوطي في ألفيته، يعني يكون مثل الضعيف خفيف الضعف، يعني إذا قلنا: إن الضعيف بحديث أخر مثله مساويٍ له أو فوقه يرتقي إلى الحسن لغيره، الشديد الضعف بمثله يرتقي إلى الضعيف، يعني على طريقتهم في ترقية الضعيف إلى الحسن، والحسن إلى الصحيح، الشديد الضعف يرتقي إلى الضعيف، ومثله ومثله ومثله يخف الضعف، يخف، يخف إلى أن يصل إلى الحسن عند الحسن لغيره عند السيوطي، وعامة أهل العلم على أن الضعيف شديد الضعف وجوده مثل عدمه، وجوده مثل عدمه، ولذا حكم أو اتفق الحفاظ كما سيأتي في كلام المؤلف أنه
1 / 17
ضعيف وإن كثرت طرقه، وهذا هو المعمول به عند أهل العلم أن شديد الضعف وجوده مثل عدمه، "بروايات متنوعة أن رسول الله ﷺ قال: «من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء» "، في أمر دينها يعني: لو جمع شخص أربعين حديثًا في البيوع، أو في الطعام في الأطعمة، أو في الطب يدخل في مثل هذا الحديث أو لا يدخل؟
المعاملات من الدين، المعاملات من الدين إذا قصد بذلك معرفة ما يجوز وما لا يجوز، وجمعت الأحاديث الدالة على العقود الصحيحة والفاسدة والباطلة هذا من الدين، فالدين أعم من أن يكون عبادات أو معاملات أو جنايات أو غير ذلك، الدين بجميع أبوابه على ما سيأتي في حديث جبريل لما سأل النبي ﵊ عن الإسلام والإيمان والإحسان قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»، يعني بجميع أبوب الدين، فيطلق الدين على جميع الأبواب، لكن من جمع أربعين حديثًا في الطب كتب السنة فيها أبواب للمرضى والطب، هل نقول: إن الطب من الدين؟ هذا جمع أربعين حديثًا في الأطعمة، حديثًا في العسل، حديثًا في كذا، حديثًا في يعني ما جاء في الأطعمة، فينظر في الباعث إن كان من أجل أن يتدين بمعرفة الحلال منها والحرام، وما يحبه النبي ﵊ وما يكره فهذا داخل، وإن كان يقصد بذلك منفعة بدنه غير ناظر إلى أمر دينه فلا يدخل.
1 / 18
«من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها» من حفظ هل يكفي أن يعمد إلى الحفظ، ويحفظ هذه الأربعين أو غيرها من الأربعينيات، فيدخل في الحديث لعموم من حفظ والحفظ حفظ الصدر كما هو الأصل، أو يكون يؤلف ويجمع للناس أربعين حديثًا مثل ما فعل النووي وغيره؟ الحفظ أعم من أن يكون حفظ صدر، أو حفظ كتاب «من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء»، وكما هو معلوم هذا حديث ضعيف شديد الضعف عند أهل العلم، وفي رواية «بعثه الله فقيها عالمًا»، وفي راوية أبي الدرداء «وكنت له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا»، وفي رواية ابن مسعود ﵁ «قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت» وفي رواية ابن عمر ﵁ «كتب في زمرة العلماء، وحشر في زمرة الشهداء».
ولا شك أن هذا ترغيب عظيم في جمع الأربعين لو صح، لكنه كما قال النووي: "اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف"، "اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه"، "وإن كثرت طرقه"، فهو مروي عن جمع غفير من الصحابة وعن كل صحابي جمع من التابعين وهكذا، مما لم يحصل مثله لكثير من الأحاديث الصحيحة، يعني الحديث الأول حديث عمر ما رواه عن النبي ﵊ مما يثبت بالأسانيد إلا عمر بن الخطاب، وما رواه عن عمر إلا علقمة على ما سيأتي، وما رواه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، وما رواه عنه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، واتفق العلماء، أجمع العلماء على صحته وهذا مروي عن جمع غفير من الصحابة، واتفق الحفاظ على ضعفه فالعبرة بالأسانيد ونظافتها وصحتها، وصحة النسبة إلى النبي ﵊، طيب.
1 / 19