Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim
شرح الأربعين النووية لعطية سالم
शैलियों
معنى (الإحداث) في هذا الحديث
قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
يقول العلماء: إنه ﷺ أوتي جوامع الكلم، مثل هذا النظم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أربع كلمات تعتبر بمثابة القاموس، وتعتبر بمثابة القانون والقاعدة العامة الجامعة الشاملة لحفظ هذا الدين من أن يحدث فيه ما ليس منه، فكأنه إطار كامل جامع شامل لهذا الدين، لا يسمح لدخول محدثة في هذا الأمر، وهو كالقاعدة الأساسية، ولكن بقي علينا أن نقف طويلًا عند كلمتي: (أحدث) (أمرنا) ربما تجد إفراطًا وتفريطًا، في فهم الإحداث، وقد جاء في الحديث: (إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة)، فما هي المحدثات؟.
أصل الحدث في اللغة: التجدد، يقال: حدث حادث، أي: هذا أمر حادث غير قديم، ويستعمل لفظ (حدث) عدة استعمالات بحسب السياق، وللغة استعمالاتها، وللشرع استعمالاته، فتقول: هذا حديث وليس بقديم، يعني: جديد، هذا حدث السن، أي: صغير، ويقال: هذه مدرسة الأحداث، أي: الصغار، ويقال: هذه حوادث، أي: جنايات، ولا يقال: حادثة إلا لأمر له خطورته؛ إذًا: معنى هذا أي: من أمر الدين.
ويأتي الحدث في اصطلاح الدين بمعنى نقض الوضوء كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، ونحن قلنا: الحوادث مثل: أو جريمة قتل، جريمة سرقة، أو حوادث تقع، مثل حوادث المرور، وتصادم السيارات، لكن ليس المراد هذا في الحديث، وقد سئل أبو هريرة عن الحدث فقال: (فساء أو ضراط)، فالحدث كلمة عامة لكن المراد بها هنا حدثًا مخصوصًا ينقض الوضوء.
وجاء في صحيح البخاري، في قصة رجم اليهوديين الذين زنيا، قال الراوي: (قد أحدثا جميعًا) فهل هو الحدث الذي عناه أبو هريرة؟ لا، بل معناه حدثًا آخر وهو الزنا، فقال رسول الله ﷺ: (ائتوني بأعلم رجلين عندكم، فأتي بهما، فقال: ما تجدون حكم هذا عندكم في التوراة؟)، إلى آخره، فقول ابن عمر: (جاء اليهود إلى رسول الله برجل وامرأة قد أحدثا) فهذا حدث غير الحدث الذي في حديث أبي هريرة.
وفي غزوة الأحزاب قال ﷺ: (من يأتي بالخبر؟)، فقام حذيفة، قال: (اذهب وائتني بخبر القوم ولا تحدثن حدثًا)، وهل قوله: (لا تحدثن حدثًا) هو الحدث الذي في حديث أبي هريرة أو حدث اليهودي واليهودية؟ لا، ولذا قال: والله! لقد رأيت أبا سفيان ينادي في القوم: الرحيل، وهو على راحلته، وإنها لمعقولة، فأخذت سهمًا من كنانتي ولو شئت لقتلته، ولكن تذكرت قول رسول الله: (ولا تحدثن حدثًا)، فكل هذا يسمى حدثًا، فجريمة القتل أو السرقة أو نقض الوضوء أو إتيان موجب لحد، كلها تسمى حدثًا، ونقول عند ذكر الحدث في الفقه: الحدث الأكبر والحدث الأصغر، فأي الأحداث المراد بها هنا في قوله: من أحدث؟ ما هو الحدث الذي يحدث في أمرنا؟ وما هو أمرنا؟
17 / 5