141

Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim

شرح الأربعين النووية لعطية سالم

शैलियों

الشقاوة والسعادة ونتائجها
قال: (وعمله وشقي أم سعيد) هذه الفقرة الأخيرة يقسم النبي ﷺ على نتائجها، فيقول: (والله الذي لا إله إلا هو)، وهنا أيضًا نجد أن النبي ﷺ بنفسه يقسم وهو الصادق المصدوق لا يحتاج إلى أن يقسم، ولكن الله ﷾ كثيرًا ما يقسم في كتابه، وقسمه ﷺ بالله الذي لا إله إلا هو على أي شيء؟ (إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب -الذي كتب شقي أو سعيد- فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فهنا يأتي التساؤل: كيف يعمل بعمل أهل الجنة ولم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، ما ذنبه؟ وماذا فعل؟ يجيب عن ذلك العلماء ويقولون: نعم، جاء في بعض الروايات: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر) أما الخفي والنية الخفية فلا يعلمها إلا الله، ولقد وجدنا قضية كبرى بينها سبحانه في قضية إبليس مع آدم والملائكة، لما قال سبحانه للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٣٠] يقول العلماء: (إني أعلم ما لا تعلمون) ما ظهر من موقف إبليس، حيث كان في ظاهر الأمر يعبد الله، وكان في الأرض من أشد خلق الله عبادة حتى رفع إلى مصاف الملائكة بعد أن قاتل الحن والبن ومن كان قبلهم، فلما وجد آدم ورآه تعاظم في نفسه واستنكر خلقته، ثم كان يستهزئ به، فلما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم أظهر ما كان خفيًا وقال: أنا خير منه، فقدم قياسه ونظرته الفاسدة لنفسه على أمر الله له ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ [البقرة:٣٤] ومن هنا كان يظهر عمله مع الملائكة، وكان يخفي استهزاءه وتكبره على آدم الذي خلقه الله بيديه.
إذًا: منكم من يعمل بعمل أهل الجنة، وإذا أخذنا في الاعتبار رواية في ظاهر الأمر، يكون كثير من الناس يعملون عملًا خيرًا لكنه في الظاهر، وقلوبهم وبواطن أمورهم لا يعلمها إلا الله، ويكون القسم الثاني يعمل بعمل أهل النار، ولكن نبتة الإيمان في قلبه رطبة، وحسن اعتقاده بربه قوي، وأمله في الله ورجاؤه لا زال حيًا، فهو على هذا الرجاء، وعلى ذاك الإيمان عندما يريد الله له الخير، ويتوجه بوجهته إلى الخير يتوب إلى الله ﷾، وهناك يدخل الجنة ويسبق بسبق الكتاب إليه.

16 / 5