لأن الفصل لا يكون إلا بين معرفتين، أو ما يقرب من المعرفة، وغنما يقرب من المعرفة، إذ قدر من معها، ونظير ذلك في الحذف قوله تعالى: (فَإِنّهُ يَعْلَمُ السّرّ وَأَخْفَى) أي أخفى من السر، والذي هو أخفى من السر: ما يهجس للإنسان، ويخطر له، كقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) ومن ذلك قول الآخر:
فأضحى ولو كانت خراسانُ دونهُ ... رآها مكانَ السُّوق أو هي أقربا
لا تخلو هي في قوله: أو هي أقربا من أن تكون مبتدأ، أو وصفًا، أو فصلًا، أو ظرفًا:
فلا يكون مبتدأ، لا نتصاب ما بعده، فبقى أن يكون وصفًا، أو فصلًا، وذلك أنت قوله: رآها مكان السوق دل على: أو رآها، فحذفها من اللفظ، لدلالة ما تقدم عليها، فصار التقدير: أو رآها أقربا، أي: أو رآها أقرب من السوق، فصارت هي فصلًا بين الهاء والخبر المنتصب.
وقد يجوز أن تجعل قوله: هي وصفًا للهاء، التي هي المفعول الأول، كما جاء ذلك في: (تجِدُوهُ عِنْدَ الله هوَ خيْرًا).
والأول أوجه: لأن المحذوف بحذفه يستغنى عن وصفه، وهذا مثل قوله: زيدٌ رأيت منطلق.