إذا كان القرن العشرون هو القرن الأمريكي فإن تسعينيات هذا القرن شهدت تظاهرات استعراضية للقوة الأمريكية الطاغية في الخليج وكوسوفو (ونضيف أفغانستان والعراق وسوريا الآن). وهذه هي قمة تحلل أمريكا. لقد كان الاتحاد السوفيتي قوة عظمى عسكريا ولكن قوته لم تحمه من الانهيار أو التراجع. ومنذ قرنين كانت فرنسا القوة العظمى بقيادة نابليون ولكن تحالفت روسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا لهزيمتها. بيد أن الوضع الآن مختلف من حيث عدم وجود عناصر قوية لإقامة تحالف قوي مناهض. فضلا عن الردع النووي، ولكن هناك تحالف على طريق النمو.
ونحن نرى أن نهاية القرن الأمريكي، وبداية النهاية، تزامنت في منتصف القرن العشرين مع بداية حقبة نهاية الاستعمار، ونشوء ظرف كوني جديد خلق سياقا عالميا مغايرا. ونلحظ هنا مسار النقيضين معا؛ بدايات الصعود مع بوادر الانحسار على المستويين المحلي والعالمي، والوعي بذلك أيضا على المستويين الشعوري وما تحت الشعور وهو ما تجسد في الفكر الأمريكي العالمي.
بدأ هاجس الخوف من المستقبل وعليه من خلال كثرة الحديث عن المستقبل بشأن بريطانيا في سبعينيات القرن ال 19، وجاء هذا الحديث المتواتر رد فعل لما يلي، كما استلزم رد فعل مناوئا من أمريكا:
صعود البلدان المستعمرة سابقا وإصرارها على إحياء ثقافتها وبناء نهضتها وهو ما تعارض مع أطماع وأحلام الولايات المتحدة في وراثة مستعمرات القارة الأوروبية. وخاضت الولايات المتحدة معارك حربية ساخنة أو معارك سياسية ضد الدول أو الشعوب التي أصرت على انتزاع حقها واستقلالها مثل فيتنام وكوريا ج. والصين.
ثورات الطلاب والشباب واليسار الجديد في الستينيات داخل أوروبا والولايات المتحدة. واتسع نطاق حركات الاحتجاج ضد قهر السلطات والاحتكارات، وضد بطش الآلة وميكانيكية الحياة، وضياع القيم الإنسانية وسقوط الحرية الفردية التي وصفها فلاسفة السلطة آنذاك، ومن بينهم «سكينر»، بأنها وهم. ومن ثم بداية سقوط الحلم الأمريكي أو زوال الغشاوة عن أعين الشباب مع الإحساس بانهيار المثل العليا للمجتمع الأمريكي العظيم. الحلم الذي لم يتحقق.
ظهور نزعات انفصالية ويسارية وفوضوية وسط الأقليات خاصة السود وكذلك أقليات الهنود الأمريكيين.
الحركة العمالية والشبابية في الغرب تتمرد ضد قيادات السلطة التقليدية. وبلغت الحركة ذروتها عندما نشأ في أمريكا تحالف العمل عام 1968م الذي يدعم الاتجاهات التقدمية في الحركة العمالية والمطالبة بالتغيير.
شباب اليسار الجديد في الولايات المتحدة يصدر بيانا يتهم فيه نظام وسلطات المجتمع الأمريكي جاء فيه إريك فرم؟ الهرب من الحرية: «نحن نتهم المجتمع الراهن بأنه أسير إطار عقل فاسد شرير. إطار عقل يتسامح من الظلم وبلادة الحس والافتقار إلى الصدق والإنسانية. ونحن نتهم المجتمع مثلما نتهم مشروعات الأعمال والسلطة والحكومية والأوساط الأكاديمية المسئولة بأن ليس لهم جميعا من هدف أسمى من الحفاظ على الوضع القائم الذي يقصر كثيرا دون الوعد الأمريكي».
بعد الحرب العالمية الثانية، وتولد هاجس الخوف من المستقبل، وإزاء هذه التحولات ظهرت المكارثية والإعدام على الكرسي الكهربائي ضد العلماء والمفكرين ومن تسول لهم أنفسهم المعارضة.
في هذا المناخ منذ الخمسينيات بدأ الشعور في أوساط مفكري السلطة بأن نفوذ الفلسفة البرجماتية تدهور. وهنا تعالت صيحة «العودة إلى بيرس ..» ونذكر هنا رأي بيرس الذي أسلفناه في الكيفية التي تحكم بها السلطة قبضتها وثبت عقيدتها بين الناس .. وظهرت اتجاهات تروج لمقولة انتهاء عصر الأيديولوجيا، والمقصود هنا تفريغ الرءوس من الفكر الاجتماعي المناهض.
अज्ञात पृष्ठ