47

ومن الجائز أن تعبر بالشاعر فترة ينساه فيها النقاد والقراء ويلهون عنه بفتنة من فتن الزمن أو نوبة من نوباته، ثم تنقضي تلك الفترة فترجع ذكراه ويتعوض من النسيان إسرافا في الإقبال عليه، كأنه ندم على جناية الإعراض عنه والحرمان من متعة الاطلاع عليه.

وتطرد هذه القاعدة في عظماء الشعراء، فنعرفهم من الإنكار كما نعرفهم من الإعجاب، وكلاهما إذا اختلفت وترددت فيه الأحكام دليل على سعة الجوانب وتعدد المزايا ورسوخ الفضل العميم رسوخا يحيط بالنقد والناقدين، ولا يحيط به النقد والناقدون.

وليس أكثر من الإنكار على شكسبير إلا الإعجاب به والرد على منكريه هل هو شاعر فنان يمتاز بالجمال والسلاسة وطلاوة العبارة؟

هل هو شاعر حكيم يمتاز بأصالة الفكر وصدق التأمل واستبطان الحقائق الخفية؟

هل هو شاعر بصير بالطبائع والسرائر يمتاز بالوعي المحيط والنظرة الثاقبة والغوص العميق على طوايا الغيب في الطبيعة وفي الإنسان؟

هل هو شاعر المسرح؟ هل هو شاعر القصة؟ هل هو شاعر الملحمة؟ هل هو شاعر قوم؟ هل هو شاعر جميع الأقوام؟

نعم ولا، ووراء «نعم» و«لا» مرجع دائم يبرم وينقض، وينتهي إلى مراجعة الموازين نفسها؛ لأن الشاعر العظيم يصحح الموازين ويضطر فريق كل ميزان إلى إعادة النظر فيه، فله الكلمة الأخيرة فيها وليست الكلمة الأخيرة فيه للميزان الذي يتقبل التصحيح والتبديل منه ومن أمثاله على الدوام. •••

كان ڨولتير يقول عن شكسبير إنه محروم من الفن والنسق، والمثل الأعلى عند ڨولتير في الفن والنسق أن يكون وفاقا لسنن الأقدمين التي أخذ الزمن في تبديلها من قبل أيام ڨولتير.

ولما كتب رسائله الفلسفية عن الإنجليز قال عنه إنه محروم من أقل مسكة من الذوق وأقل دراية بالنسق، ولكنه لم يستطع أن ينكر عليه «العبقرية المفعمة بالقوة والخصب والدراية بما هو طبيعي وجليل.» وعاد بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة، فكتب إلى هوراس والبول يقول: «إنه ذو سجية حسنة، ولكنه ذو عنجهية همجية بلا نسق ولا فطنة ولا فن، يخلط الضعة بالعظمة والهذر بالهول ...»

وڨولتير الذي يقول هذا هو الناقد الحصيف الذي قرر في مقاله عن الملاحم أن آيات الفن لا تنتظم في نسق واحد، وأنه ما من تعريف يمكن أن يحيط بالروائع من طراز أوديب لسفوكليز، وسينا لكورنيل، وأتالا لراسين، ويوليوس قيصر لشكسبير، وكاتو لأديسون.

अज्ञात पृष्ठ