فضرب عبد القوي جبهته بكفه وصاح: شد ما كانت جيوبي ملأى بالنقود! - ولكننا لا يمكن أن نعد من الأغنياء بحال! - صه، ها هي ذكرى تقع في قبضتي، الاستراحة! .. ألا تذكر الاستراحة؟! - الاستراحة! .. أجل .. الاستراحة والحديقة وبركة البط. - برافو .. والركن القصي حيث قبعت مجموعة من الأفندية؟ - أجل .. كانوا يلعبون الورق ... - وجعلت أنا أتابع اللعب من بعيد. - وحذرتك من ذلك. - ولكني لا أملك أن أرى اللعب دون أن أتفرج. - قلت لك ابتعد. - وإذا بأحدهم يسألني برقة: «أتريد أن تنضم إلينا؟» - وهمست في أذنك أنهم زملاء وقد يتضامنون عليك. - والخطر لا يخيفني بقدر ما يستفزني للتحدي. - سجية مفيدة في مجالها، مضرة فيما عدا ذلك. - ولكنك أنت نفسك لحقت بي في اللعب! - عندما طالت بي الوحدة! - كلا .. عندما ثبت لديك أن اللعب نظيف وأنني أربح باستمرار! - ليس إلا أنني أكره الوحدة! - وسرعان ما انهمكت في اللعب ... - وقد ربحت أنت مالا طائلا ... - ثروة! .. أخذتها من أصحابها لأهبها لقطاع الطرق. - وأعقب ذلك معركة! - رماني أحدهم بتهمة باطلة فلكمته! - ولكنها اتسعت واضطررت إلى المشاركة دفاعا عنك، ونلت نصيبي من الضرب الأليم ... - ولكننا انتصرنا في الضرب كما انتصرنا في اللعب. - وبعد أن ورطتنا فيما لا يليق!
استمتع عبد القوي بلحظات من الارتياح؛ على حين مضى عبد الواحد يفكر حتى رجع يتساءل: ولكن ماذا دفع بنا إلى الاستراحة؟
أفاق عبد الواحد من لحظاته السعيدة فحدجه بنظرة بلهاء، وتساءل عبد الواحد: أين كنا قبل أن ننزل بالاستراحة؟ - الاستراحة .. الواحة .. مؤكد كنا نقوم برحلة. - من أين؟ وإلى أين؟ .. أعمل ذاكرتك الفذة. - ولكنها ما زالت في قبضة المخدر وعلقة قطاع الطرق! - تغلب على ضعفك الطارئ؛ فأنت رجل مخلوق للشدائد.
راح عبد القوي يعصر ذاكرته مليا ثم قال: أذكر أنني رفعت بين يدي رجلا يرتدي جبة وقفطانا وطرحته أرضا! - ولكن خصومنا في الاستراحة كانوا أفندية! - أكان أحد قطاع الطرق؟ - ولكنا لم ندخل معركة معهم؛ فقد غدروا بنا بغتة فغبنا عن الوجود.
وإذا بعبد القوي يصيح متهللا: كان الرجل صاحب الراقصة! - الراقصة؟! - ملهى الزهرة .. ملهى الزهرة بالمدينة .. كنا في المدينة قبل أن نمضي إلى الاستراحة! - عفارم عليك .. كنا حقا في المدينة. - قضينا ليلة عجيبة. - الله يكسفك! - حياك الله يا ملهى الزهرة! - أنت الذي قدمتني إليه. - ينبغي أن أستحق شكرك. - وشربت، وشربنا، ولكنك جاوزت الحد. - وكانت الراقصة تضيء كاللؤلؤة. - ورغم تحذيري لك، فإن النهم تجلى في عينيك كوحش ضار. - كنت تحذرني يا أخ وتسترق إليها النظر. - الإعجاب بالجمال في ذاته من ضمن أشواق العقل! - لذلك لم أنسك في مغامراتي الباهرة فساومتها على ليلة كاملة لرجلين معا! - أخزاك الله!
ولم تمانع الفاتنة. - مؤامرة حيوانية. - ولكنها ضمنت لكلينا ليلة ساحرة. - ثم اعترضتنا متاعب غير متوقعة ومخجلة. - كان ثمة عشاق قدامى لها اعتبروا مغامرتنا اعتداء صارخا على رجولتهم. - وهكذا خضنا في طريقنا إلى بيتها معركة حامية ... - وانتصرنا انتصارا حاسما. - وكدنا نقع في قبضة الشرطة. - ولكن الله سلم وقضينا ليلة حمراء مترعة بجنون اللذة. - وها نحن عرايا في خلاء ميت! - ولكن الليلة الحمراء لا يمكن أن تنسى. - لولا حماقتك ما وقعنا في هذا المأزق. - حماقاتي قادتنا من لذة إلى لذة، ومن نصر إلى نصر ... - حتى مجرد الاعتراف بالخطأ تأباه، أيها العنيد المكابر، أتذكر كم من مرة قلت لك: إن العبث قد يحول بيننا وبين إنجاز مهمتنا.
وسرعان ما تبادلا نظرة حادة منزعجة! وهتف عبد القوي: ماذا قلت؟ .. أعد ما قلت مرة أخرى.
فقال عبد الواحد بذهول: يحول بيننا وبين إنجاز مهمتنا! - إذن فهنالك مهمة تتطلب الإنجاز؟ - صبرك. دعني أتذكر بهدوء. - بهفوة لسان تذكرت أخطر شيء في رحلتنا. - مهمة .. أي مهمة؟ .. دعني أتذكر. - لا شك أننا كنا في العاصمة قبل أن ننتقل إلى المدينة. - أجل .. لا شك في ذلك. - وها أنا أتذكر آخر ليلة لنا فيها، كنا في زيارة للكهف الذي أقام فيه الوجوديون معرضهم التشكيلي! - صدقت أيها الأخ عبد القوي. - وقابلنا هناك الزميل نوح، فأمرنا همسا بأن نذهب من فورنا إلى مستشفى الولادة لمقابلة الدكتور المولد رئيس وحدتنا السرية ومندوب الزعيم. - وذهبنا إلى المستشفى فانتظرناه في حجرته حتى يفرغ من توليد امرأة. - وجاءنا فتحدث معنا عن رحلتنا. - أمرنا أن نسافر إلى الجنوب، ولكن لم لم نسافر إلى الجنوب رأسا؟ - رسم للسفر خطة معقدة، فكان علينا أن نذهب أولا إلى المدينة، فالاستراحة، ثم الواحة قبل أن نمضي إلى الجنوب. - أجل وحدد لكل مكان وقتا ومدة إقامة، ولكن ماذا كانت المهمة؟ - آن لنا أن نتذكر أخطر ما في رحلتنا. - أذكر أنه انتحى بك جانبا مقدار خمس دقائق، فلم أسمع ما دار بينكما. - ألم أحدثك عن المهمة عقب مغادرتنا المستشفى؟ - كلا، مؤكد أنني لم أعرف شيئا عن المهمة، ولكنك ... - ولكنني؟ - ولكنك قلت لي ونحن في الطريق نصف المظلم: إننا سنعرف المهمة عندما نصل ... - ذاك يؤكد أنني لم أكن أعرفها وقتذاك.
وهنا صاح عبد القوي متهللا: قلت إنها في جيبك، إنه سلمك مظروفا مغلقا لا يجوز فضه قبل الوصول. - أحسنت التذكر ...
وضرب يده على موضع الجيب، فأصابت لحم فخذه الضامرة، فصاح بحسرة: يا للداهية السوداء، لقد سرق المظروف فيما سرق من أموالنا! - يا للكارثة! - إنك أنت المسئول عما حاق بنا. - لا تمسح في ضعفك. - اعترف بجنونك. - إني راض عن نفسي، فاعترف أنت بضعفك ...
अज्ञात पृष्ठ