سخف وتطفل وتعد على الوزراء وكبار الدولة؛ لأن قوله أزرته حياتي معناه جعلت حياتي تزروه، وليس لهذا المعنى قيمة يتجه إليها شاعر. ثم يقول وأزرته نصحي فيدعي أن وصل في أصالة الرأي وبعد النظر في السياسة إلى القمة، وأنه قدم من الشام؛ لأن الأستاذ كان في حاجة إلى نصحه وثاقب رأيه، على الرغم من كثرة قواده ووزرائه.
فغضب أحد الطلاب، وقال: هذا تعصب يا مجنون. فأومأ إليه في حلم وهدوء، وقال: أما ثالثة الأثافي فقوله في المديح:
فتى ما سرينا في ظهور جدودنا
إلى عصره إلا نرجى التلاقيا
فهل سمعتم أقبح من هذا وأسخف! إن آباءكم أيها الطلبة النجباء من لدن آدم كانوا ينقلونكم من ظهر إلى ظهر؛ لتتمتعوا بطلعة جمال كافور! ثم انظروا إلى التركيب المعوج، وإلى سوء الأدب في حق ممدوحه حين يقول:
ومن قول سام لو رآك لنسله
فدى ابن أخي نسلي ونفسي وماليا
ومستقيم الكلام أن يقول: لو رآك سام لقال أفدي ابن أخي بنسلي، واللئيم هنا يقذف سهما مسموما فيلحق ملكنا بأبيه سام الأسود في وقاحة سافرة.
هذا أيها الطلبة بعض ما في القصيدة التي لهجت بها الأفواه، وتناقلها الرواة، وغالى بها أدعياء الشعر والأدب، ولكنكم يا أهل مصر لا تحبون إلا الجديد، وما أشبهكم ببني إسرائيل الذين سئموا المن والسلوى، واشتهوا على الله الفول والبصل!
وهنا انبرى له فريق كبير من الطلبة يتزعمهم شاب كان يعرف بينهم بالذكاء وقوة الشكيمة، حتى لقد كان العلماء يدارونه ويصانعونه، ويتجنبون سلاطة لسانه، فقال له: هذا نقد زائف أيها الشيخ، وهذا دأبكم دائما أيها الأدباء الجامدون، لا يلتمع أمامكم من الشعر جديد إلا قطعتم أنفاسكم في إطفائه. تركت القصيدة كلها يا مولانا، وهي آية خالدة من آيات البيان، وجئت تماحك في أبيات خيل إليك سوء فهمك أن فيها متنفسا لحقدك، وكل ما قلته هراء، ولن يضر الشمس ألا تراها مقلة عمياء، ولن يبالي السحاب بنباح الكلاب.
अज्ञात पृष्ठ