Series of Ambitions - The Prelude
سلسلة علو الهمة - المقدم
शैलियों
من صفات وخصائص أصحاب الهمم العالية: ندرتهم وقلتهم في الناس
إن من خصائص أصحاب الهمم العالية أنهم نادرون في الناس، فكبيرو الهمة يتسابقون إلى المكارم لا يكلون ولا يملون ولا يقنطون، وهل يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
يقول الشاعر مادحًا بهذا الشعر الشيخ الألباني ﵀، وبلا شك فإن الشيخ الألباني من أعظم الناس همة في هذا الزمان، فمن يدرس سيرته وترجمته يجد كيف أنه بعلو الهمة أدرك أن يكون محدث العصر، فقد خدم سنة النبي صلى عليه وآله وسلم في عصرنا بما لم يخدمها أحد مثله ﵀.
يقول الشاعر: وجد القنوط إلى الرجال سبيله وإليك لم يجد القنوط سبيلا ولرب فرد في سمو فعاله وعلوه خلقًا يعادل جيلا فكبيرو الهمة في الناس كالعملة النادرة، أو كالكبريت الأحمر، يصدق عليهم قول رسول الله ﷺ: (تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة) وهذا الحديث رواه مسلم وغيره، معنى (راحلة) هي النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف، فمثل هذه الناقة النجيبة إذا كانت في الإبل فإنك تجدها متميزة بصفاتها وبهيئتها وبخصالها، والهاء في قوله: (راحلة) للمبالغة، كما يقال رجل نسابة ورجل فهامة ورجل علامة.
وسميت راحلة؛ لأنها يجعل عليها الرحل، فهي فاعلة بمعنى مفعولة، كقوله تعالى: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة:٢١] يعني: في عيشة مرضية.
إذًا: معنى الحديث أن المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف الحسن المنظر القوي على الأحمال والأسفار قليل جدًا كقلة الراحلة في الإبل، قال تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة:١٣ - ١٤].
وقال الشاعر: وقد كانوا إذا عدوا قليلًا فقد صاروا أعز من القليل فالواحد منهم بأمة والفرد منهم بألف.
يقول الشاعر: يعد بألف من رجال زمانه لكنه في الألمعية واحد ويقول آخر: ولم أر أمثال الرجال تفاوتًا إلى المجد حتى عد ألف بواحد ولذا عظمت المصيبة بفقدهم، وعمت الرزية بموتهم، إذا فقدت الأمة واحدًا منهم تكون المصيبة عظيمة، فليس هو موت رجل واحد ولكنه موت أمة كاملة.
يقول الشاعر: تعلم ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر يموت بموته بشر كثير وقال آخر: فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدم قال بعض السلف: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء.
ومما قيل في رثاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: عمت صنائعه فعم هلاكه فالناس فيه كلهم مأجور والناس مأتمهم عليه واحد في كل دار رنة وزفير يثني عليك لسان من لم توله خيرًا لأنك بالثناء جدير ردت صنائعه عليه حياته فكأنه من نشرها منشور وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (صوت القعقاع -أي القعقاع بن عمرو التميمي - في الجيش خير من ألف رجل) ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في فتح مصر كتب إليه: أما بعد: (فإني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة من الصامت ومسلمة بن خالد) ولو راجعت ترجمة الأربعة الأبطال لرأيت عجبًا.
وقد يأتي فيما بعد ذكر شيء من ذلك، إذا تأملنا مثلًا أولهم وهو الزبير بن العوام لوجدنا العجائب في سيرته، كذلك مسلمة بن خالد والمقداد وعبادة.
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يومًا لأصحابه: (تمنوا، فقال واحد من الجالسين: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا أنفقه في سبيل الله ﷿، فلم يعجب عمر، فقال عمر: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها -أي: هذه الدار- مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله ﷿ وأتصدق به، ثم قال: تمنوا، قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين! قال عمر: لكني أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه، فقال رجل: ما آلوت الإسلام) يعني: ما قصرت في النصيحة للإسلام حين تمنيت أن تكون الدار مملوءة رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، إنه يبعث أمة وحده.
وقال الأصمعي: لما صاف قتيبة بن مسلم الترك -يعني وقفوا صفوفًا في جهاد الأتراك- وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع، فقيل: هو ذاك في الميمنة متكئ على قوسه، يبصبص بأصبعه نحو السماء، قال قتيبة: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير.
يعني: أصبع محمد بن واسع أحب إليه من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير، ليس هذا فحسب، بل قد يقرن عالي الهمة بعجائب الزمان والدهر وقد يزيد عليها، فقد قال يحيى بن معين إمام المحدثين: رأيت بمصر ثلاث عجائب: النيل، والأهرام، وسعيد بن كثير بن عفير، وهو الإمام الحافظ العلامة الأخباري الثقة أبو عثمان المصري كان من بحور العلم.
حسبنا أن الإمام يحيى بن معين يقرن سعيد بن كثير بن عفير بهذه العجائب، وأن ينبهر به حتى تتعرف على جلالة قدره.
وسئل ابن المبارك عن الجماعة التي أمرنا بلزومها، فقال: أبو بكر وعمر، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر، قال: فلان وفلان، قيل: قد مات فلان وفلان، فرد عليه ابن المبارك قال: أبو حمزة السكري جماعة، وكان أبو حمزة من أئمة أهل السنة وأئمة العلماء، وسمي سكريًا لا لأنه كان يبيع السكر، وإنما لأن كلامه كان حلوًا.
3 / 5