أقول لك إن رنين الرفوش في ذلك الفجر سيبقى النفير الداوي ليقظة هذه الأمة. أقول لك إن منارة الحياة قد ارتفعت على فوهة العدم.
برنيطة من كفر شيما
النادي صغير، وبلدة «كفر شيما» صغيرة، وحفلة ناديها هي الحدث السنوي؛ تترقبه البلدة وأصدقاء البلدة. جوها مرح حماسي، فبعض الحضور شربوا نخب نجاحها قبل الحضور إليها.
غريب كيف تشتبك في مخيلة الناس الأماكن والحوادث، فإني إن ذكرت الشويفات مثلا تسارع إلى ذهني أول مسبة دين تعلمتها هناك في طفولتي، وإن قيل «بعبدا» لاحت أمام عيني عربة الباشا التركي، ودوى في سمعي نفير بورجي العسكر، وإن قالوا كفر شيما ذكرت البرنيطة؛ البرنيطة التي باعني إياها منذ عشرين سنة في «الفلبين» رجل من كفر شيما؛ حليم كنعان، فدفعت ثمنها كل ثروتي حينذاك 12 دولارا، ثم وضعتها على رأسي وانصرفت إلى الأوتيل فعلقتها على حائط غرفتي. وهي لا تزال معلقة هناك.
وغريب كذلك أن كيف تلفت في أرض هذا الوطن تجد في كل ضيعة، وفي كل مدينة، وفي كل دسكرة رجلا يقف كل جهوده أو بعض جهوده على خدمة مواطنيه وجيرانه.
لو أن البرنيطة التي باعني إياها رجل من كفر شيما اسمه حليم كنعان، لو أنها الآن على رأسي لرفعتها احتراما لرجل آخر من كفر شيما اسمه أديب الفتى؛ رئيس هذا النادي.
ولقد كنا في الصغر ندعو الأجنبي «أبو برنيطة»، وليلة أمس دعيت إلى عشاء حضره بريطانيون وأمريكيون هو ناد موهوم سموه:
Hate the foreigners club ؛ أي نادي بغض الأجانب، وغايته الدعاب والمرح ومحو النقمة على الأجانب من النفوس، إن كانت هنالك. نقمة لذلك آثرت أن أتحدث عن «نحن والأجانب».
ولقد يتبادر إلى الذهن أن هذا الموضوع حساس يجب ألا يعالج من على منبر.
نحن في لبنان، هل نحن جماعة فكر وتسامح ورصانة؟ ليس في مناطق العقل منطقة حرام. عرائس الفكر لا تلبس الحجاب. وبرغم هزء الهازئين فنحن في لبنان كنا ولا نزال وسنبقى بلد إشعاع. أما الناقمون منا الذين توترت نفوسهم، وهاجت إرادتهم، فهم الذين يأنفون أن يبقى هذا الإشعاع شرارات تطفئها العتمة، ولا يشرئب موجة وضاءة تحرق الظلمة وتسطع كوكبا.
अज्ञात पृष्ठ