أما الجوهر فهو أن لبنان قبل أن يتجسد حقيقة واقعية نهائية، ووضعا لا مجال إلى إعادة النظر في كيانه، كان لبنان نبرة في حدائنا، ولهبا في عيوننا، وموسيقى في أغانينا، وحنينا في نفوس مهاجرينا، وحبالا التفت حول أعناق شهدائنا.
أما الجوهر فهو أننا لن نذهب إلى لبنان بأن نبني حوله الأسوار.
في زمن تحتضن به أمريكا الجبارة جاراتها الدول اللاتينية الأميركية، وتجعل منها جبهة حليفة، وفي الوقت الذي تتكتل به دول أوروبا في حلف أطلانتي للدفاع عن كيانها، وفي هذا اليوم الذي انصهرت فيه دول أوروبا الشرقية في القالب السوفياتي القوي، لن نقترف نحن أبناء الوطن الصغير الخطأ الكبير، فنبتعد عن الدول العربية اللواتي هن بحكم التاريخ والجغرافية والمصلحة حليفات للبنان، شقيقات له.
وأما الجوهر فهو أنه مهما اختلفت بيروت ودمشق، وتعالى صياح الحكومتين، واشتبكت الأقلام، فعلينا ألا يزيغ بصرنا عن حقيقة بديهية أساسية؛ وهي أنه ليس لنا في سوريا أعداء طبيعيون.
ليس لنا في سورية إلا أصدقاء طبيعيون.
ويجب أن يفهم السوريون أن ليس لهم في لبنان أعداء طبيعيون، بل ليس لسوريا في لبنان إلا أصدقاء طبيعيون.
أما الجوهر، فهو أن على أبوابنا المشرعة ضبعا يعسعس ويهمدر، وينفخ السم أرياحا. ولقد بدت مخالبه تجرح من أعناقنا.
إن الذي لم يحس بناجذ إسرائيل في عنقه هو إما ميت أو مخدر نفسه بأوهام.
إن هذا الضبع يريد أن يبتلعنا، ويقدر أن يبتلعنا ساعة يشاء، وحين يفعل هذا سيزدردنا أغنياء وفقراء، مفوضيات ووزارات، مسلمين ومسيحيين، كتائبيين وندائيين، سباق الخيل وملعب «البيسين».
بحق نحن ننتقد الحكومة أنها لاهية عن المهام الكبرى بسياسة المختار والناطور، ولكن النقد يبلغ ذروته الصادقة حين يوجهه الناقد إلى نفسه، ونحن إذ نغضي الطرف عن الخطر المداهم لنعنى بمن تولى منصبا وبمن استقال، نكون قد تلهينا عن المعضلة الكبرى باللعب بخيط من شرابة طربوش المختار، وبذرة من تراب علق بعصا الناطور.
अज्ञात पृष्ठ