ورد السيد الرئيس ببضع كلمات، ويده اليمنى تقبض على سور الشرفة المرمري، والتفت جانبا حتى لا يعرض صدره للخطر، وحرك رأسه من اليسار إلى اليمين ليحيط بالجمهور، وقد قطب جبينه، وعيناه ترقبان كل شيء. ومسح الرجال والنساء على حد سواء دمعات تساقطت من عيونهم.
وقال ذو الوجه الملائكي حين رأى الرئيس وقد انسد أنفه بعض الشيء: هلا تفضلت بالدخول سيدي الرئيس؟ ... إن الجمهور يؤثر عليكم تأثيرا شديدا ...»
واندفع المدعي العسكري العام نحو الرئيس الذي عاد من الشرفة تتبعه ثلة من أصدقائه، كيما يقدم إليه تقريرا عن هروب الجنرال «كاناليس» ويهنئه على خطبته قبل أي شخص آخر، ولكنه - مثله في ذلك مثل جميع الذين تقدموا إلى السيد الرئيس لنفس الغرض - توقف فجأة وقد شله شعور غريب بالوجل، ناتج عن قوة خفية خارقة للطبيعة، وحتى لا يبقى ممدود اليد في الهواء، تقدم ليصافح ذا الوجه الملائكي .
بيد أن المحبوب أدار له ظهره. وسمع المدعي العسكري العام، ويده ممدودة في الهواء، أول انفجار في سلسلة من الانفجارات التي توالت في ثوان قليلة كأنما هي طلقات مدفعية. وعلى الفور، انطلقت الصرخات، وتقافز الناس يجرون هنا وهناك ويركلون المقاعد في طريقهم، بينما أغمي على كثير من النساء، وسرعان ما كانت فرق الجنود تهرع لتنتشر وسط الجمهور كحبات الأرز، وأيديهم على زناد بنادقهم المحشوة، وسط المدافع الرشاشة، والمرايا المحطومة والضباط والمدافع ...
واختفى كولونيل فوق الدرجات ومسدسه في يده، بينما هبط آخر من الدرجات ومسدسه في يده. لم يكن هناك شيء. لم يكن هناك شيء. بيد أن الهواء كان باردا. وانتشرت الأنباء بين الجمهور المضطرب. لم يحدث شيء. وتجمع الضيوف تدريجيا في مجموعات، وبعضهم قد بال على نفسه من الخوف، والبعض الآخر أضاع قفازاته. وكان أولئك الذين عاد اللون إلى وجوههم، لم يستعيدوا بعد القدرة على الكلام، بينما كان أولئك الذين استعادوا القدرة على الكلام قد غاض اللون من وجوههم. وكان السؤال الوحيد الذي لم يستطع أحد الإجابة عنه هو أين ومتى اختفى السيد الرئيس.
وعلى الأرض، تحت سلم صغير، كان يرقد قارع الطبول الأول في الفرقة الموسيقية العسكرية. كان قد سقط من على السلم هو وطبلته، مما سبب كل ذلك الفزع والهلع!
الفصل الخامس عشر
الأعمام والعمات
خرج المحبوب من القصر الجمهوري بين قاضي القضاة، وهو شيخ ضئيل الحجم يبدو في قبعته العالية ومعطفه «الفراك» أشبه بالجرذان التي تظهر في رسوم الأطفال، وبين نائب من نواب الشعب، وهو رجل بالغ الهزال والشحوب كأنه أحد تماثيل القديسين العتيقة. وكانا يتناقشان في جدية بالغة فيما إذا كان «الغران هوتيل» أم خان قريب هو الأفضل لغسل الخوف الذي أصيبا به من جراء حادثة ذلك الطبال الأخرق، الذي نقلوه على التوالي إلى الخدمة العاملة، إلى الجحيم، أو إلى عقاب أسوأ من ذلك، دون أي وازع من ضمير. وحين دافع عضو البرلمان عن فكرة الذهاب إلى «الغران هوتيل»، بدا كما لو يضع قواعد إلزامية بشأن أفضل مكان أرستقراطي يمكن اللعب فيه من بنت الحان، وهو نشاط يجد قبولا واسعا وانتشارا متزايدا بين موظفي الدولة. أما القاضي فقد تكلم كأنما هو يصدر حكما: «إن الامتياز الحقيقي يوجد دائما حيث لا يكون هناك ما يدل على ذلك الامتياز في الظاهر، وهذا هو السبب، يا صديقي العزيز، في أنني أفضل الخان المتواضع حيث المرء على سجيته وسط أصدقاء، على الفندق الفخم حيث لا يكون كل ما يلمع ذهبا.»
وتركهما ذو الوجه الملائكي وهما لا يزالان يتجادلان عند ناصية القصر - فمن الأفضل نفض اليد من مناقشة بين مثل هاتين الحجتين - واتجه إلى حي «إنسسيو» بحثا عن منزل خوان «كاناليس»، شقيق الجنرال كاناليس. كانت الحاجة ماسة إلى أن يبعث هذا العم لإحضار ابنة شقيقه من حانة «الخطوتان». قال في نفسه: «ماذا يهمني سواء ذهب بنفسه أو بعث أحدا لإحضارها إليه، ما دامت لن تصبح تحت مسئوليتي؟ ما دامت لن توجد بعد في خاطري كما كان الحال أمس حين لم تكن شيئا بالمرة بالنسبة لي!» وتنحى له اثنان أو ثلاثة من المارة عن الطريق في احترام تاركين له الطوار إلى الطريق، وشكرهم دون أن يتبين من كانوا.
अज्ञात पृष्ठ