104

सय्यिद रायस

السيد الرئيس

शैलियों

يا ملاك الموت، موت!

فهي ليست سعيدة هنا،

يا ملاك الموت، موت!

ثمة صوت طبول لا يسمع خلاله أحد يتمخط، طبول تقتفي أثر الدقات في مدرسة الريح ... قف! إنها ليست طبولا، بل هو باب يردد صدى مقرعة على شكل يد نحاسية. وتتردد الدقات كالنذير في كل ركن من أركان الصمت الداخلي للبيت ... رات تات تات ... طبول البيت. كل بيت له طبول على بابه تستدعي ساكنيه الذين هم عماد حياته، وحين يكون الباب مغلقا يكونون كالأحياء الأموات ... رات تات تات ... البيت ... الباب ... رات تات تات البيت ... وحين تسمع مياه النافورة صوت طبول الباب ترهف آذانها، ويقول الناس لخدمهم في غلظة: «أوه، الباب يقرع!» وترجع الجدران صدى يتردد مرارا وتكرارا: «الباب يقرع، اذهب وافتح الباب!» «أوه، الباب يقرع، اذهب وافتح الباب!» الرماد في قلق، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا (بينما القطة جالسة كالحارس اليقظ) إلا أن يبعث رجفة رقيقة عبر قضبان الموقد؛ وتخاف الورود - الضحايا البريئة للأشواك القاسية؛ وتتكلم المرايا، تلك الوسائط المشربة، بصوت هو روح من الأثاث الميت: آي ... يدقون، تعالوا افتحوا! ... البيت كله يرتج كأنما حدث زلزال، ويريد أن يذهب ليرى من يقرع الباب، يقرع ، يقرع، يقرع طبول الباب: وترقص الكسرولات، وتتهادى أصص الزهور، وتدق الأحواض الحديدية: «راتابلان، راتابلان!»، وتسعل الأطباق سعلة صينية، وتتناثر الأقداح وأدوات المائدة كالضحكة الفضية، وتتبع الزجاجات الفارغات الزجاجة التي زينت بدموع دهن الشمعة والتي يستخدمونها شمعدانا في الغرفة الخلفية؛ وكتب الصلوات من فروع النخيل تحاول عندما يقرعون الباب الدفاع عن البيت ضد العاصفة، والمقصات، والأصداف، واللوحات، وخصلات الشعر القديمة، ودنان الزيت، وصناديق الكرتون، وعيدان الثقاب، والمسامير. ... أعمامها هم الوحيدون الذين يتظاهرون بالنوم وسط الأشياء النائمة، في جزر أسرتهم العريضة، متسترين بالأغطية المحشوة بالقطن والتي تعبق برائحة عصير الأمعاء، وعبثا تقرض طبول الباب في الصمت العريض. وتغمغم واحدة من زوجات أعمامها، وأكثرهن نفاقا: «إنهما لا يزالان يقرعان الباب.» ويرد زوجها في الظلام: «أجل، ولكن من الخطر فتح الباب»، «كم الساعة الآن؛ آه يا عزيزي، لقد كنت مستغرقة في النوم ... إنهما لا يزالان يقرعان الباب»، «أجل، ولكن من الخطر فتح الباب»، «وماذا سيقول الجيران؟» «أجل، ولكن من الخطر فتح الباب. إذا كان الأمر يتعلق بنا نحن فقط لفتحنا الباب بالطبع، ولكن فكري فيما سيقول الناس عنا!» «إنهما لا يزالان يقرعان الباب»، «أجل ولكن من الخطر فتح الباب»، «إنه لأمر شائن، هل سمعت أبدا شيئا كهذا؟» «أجل ولكن من الخطر فتح الباب!»

ثم خفت صوت عمها الخشن وصدر الآن عن حلوق الخدم. ووصلت أشباح تعبق برائحة الخراف إلى حجرة نوم سيدها وهي تهمس: «سيدي، سيدتي. أنصتا كيف يدقان على الباب! ...» ثم تعود إلى أسرتها السفرية وإلى براغيثها وإلى أحلامها، وهي تردد مرارا وتكرارا: آه، ولكن من الخطر فتح الباب. آه، إن من الخطر فتح الباب!

رات تات تات على طبول البيت ... ظلمة الطريق ... الكلاب تغطي السماء بقرميد نباحها، باسطة سطحا للنجوم وللزواحف السوداء والغاسلات المجبولات من الطين، اللائي يدفعن أذرعتهن في أعماق رغوة البرق الفضي. «بابا ... عزيزي بابا ... بابا!»

ونادت على أبيها في غمرة هذيانها، وعلى مربيتها العجوز التي ترقد ميتة في المستشفى، وعلى أعمامها الذين لم يفتحوا لها أبواب منازلهم حتى وهي تحتضر.

ووضع ذو الوجه الملائكي يده على جبهتها. وجال في خاطره وهو يربت عليها: «إن شفاءها ضرب من المعجزة. آه لو كان بإمكاني فحسب أن أطرد عنها المرض بدفء يدي!» كان يعاني من ذلك الحزن الغامض الذي يصيب من يرقب مخلوقا فتيا يحتضر، تلك الرقة الراجفة التي بعثت بالشجن يزحف تحت جلده وخلال لحمه. ما بوسعه أن يفعل؟ وبدأ عقله يقحم آليا صلوات بين أفكاره: «لو كان بوسعي فحسب أن أزحف تحت جفنيها وأزيل دموع الحزن والوحدة من عينيها، من تلكما العينين اللتين بلون أجنحة الأمل. فليحفظك الله. نحن المحرومين نضرع إليك يا إلهي. إن الحياة كل يوم جريمة ... حين يحب المرء. امنحنا يومنا يا إلهي.»

وحين خطر بيته على باله كان كأنما يفكر في بيت غريب. إن بيته هنا، مع «كميلة»؛ صحيح إن هذا ليس منزله، ولكن «كميلة» فيه. وماذا يحدث لو لم تكن «كميلة» هنا؟ واخترق جسده ألم غامض طواف. ماذا يحدث لو لم تكن «كميلة» هنا؟

ومرت عربة نقل، فاهتز المنزل وارتجت الزجاجات على رفوف البار؛ ودقت مطرقة باب، واهتزت بيوت الحي. وأجفل ذو الوجه الملائكي إلى درجة شعر معها أنه لا بد وكان على وشك أن ينام وهو واقف. من الأفضل أن يجلس. كان ثمة مقعد إلى جوار منضدة الأدوية. وبعد لحظة كان هذا المقعد يستقبل جسده. تكات الساعة، رائحة الكافور، ضوء الشموع المضاءة قربانا ليسوع كنيسة «لامرسيد» ويسوع «كاندلاريا» المجيدين، المنضدة، المناشف، الأدوية، زنار رداء القديس فرانسيس الذي أعارته لهم إحدى الجارات كيما يطرد الشيطان، كانت كلها تتحلل تحللا فوريا في هدوء في إيقاع بطيء، في تدرج موسيقي يبعثه المخدر؛ عناء لذيذا به ثقوب أكثر مما في إسفنجة، خفي، نصف ذائب، مستور، تخترقه ظلال الأحلام المتقطعة: «من يعزف على الجيتار؟ ... عظام صغيرة تتكسر في القبو المظلم، الذي ترتفع منه أغنية المهندس الزراعي ... البرد القارس بين أوراق الشجر ... ومن جميع مسام الأرض ترتفع ضحكة متصلة شيطانية كالجناح المربع الأركان ... هل هم يضحكون، هل هم يبصقون، ماذا يفعلون؟ لم يهبط الليل بعد، ولكن الظلام يفصل بينه وبين كميلة، ظلام الجماجم التي تضحك في مقلاة المشرحة ... تصدر الضحكة عن أسنان سوداء مريعة، بيد أنها حين تبلغ الهواء تمتزج ببخار الماء وترتفع إلى أعلى كيما تصبح سحابا. وأسوارا مجبولة من أمعاء بشرية تقسم الأرض إلى نصفين. وضلوع جواد تصبح فيولينة يعزف الإعصار الهادر أنغامه عليها. ويرى جنازة «كميلة» تمر من أمامه، عيناها تسبحان في زبد لجام نهر من العربات السوداء ... لا بد أن للبحر الميت عيونا أيضا!»

अज्ञात पृष्ठ