وفي مساء اليوم الثاني عاد إلي مرجان الذي كنت أرسلته بخطاب إلى غوردون وغيره، ولكنه لم يحضر معه جوابا، فلما سألته عن سبب ذلك قال إنه عندما وصل إلى قلعة أم درمان وسلم الخطابات، خرج إليه بعد مدة ضابط القلعة وأخبره بأن يعود وأنه لن يجاوب على الخطابات.
وأخذت هذا الصبي في الحال إلى المهدي فأعاد هذا الجواب، ثم ذهبت إلى الخليفة وأخبرته بما جرى. وفي المساء نفسه دعاني المهدي وأمرني بأن أكتب خطابا آخر، وقال إنه متأكد أن غوردون سيجاوب عندما يسمع بتحطيم الباخرة. وأبديت استعدادا في الحال لطاعة أمره، وأشار علي بأن يحمل مرجان هذا الخطاب أيضا، فذهبت إلى مكاني على العنجريب وقعدت إلى ضوء مصباح ضعيف وكتبت بضع كلمات عن فقدان الباخرة ووفاة ستيوارت، وذكرت جملة أشياء كنت قد شرحتها في خطاباتي السابقة . وقلت له إنه إذا كان يعتقد أني أتيت أمرا يخالف واجبات الضابط، وأن هذا هو الذي منعه من الإجابة على خطاباتي؛ فأنا أرجوه أن يتيح لي الفرصة لكي أدافع عن نفسي حتى يحكم علي حكما سديدا.
وفي الصباح ذهبت مع مرجان إلى المهدي، وأمر المهدي أحمد واد سليمان أن يعطي مرجان حمارا وسلمه خطابي، ثم سافر مرجان وجاءنا بعد يوم ومعه جواب من هانسل مكتوب بالألمانية ومعه ترجمة بالعربية وهذا نصه:
عزيزي سلاطين بك
لقد وصلت خطاباتك، وأنا أعرض عليك أن تمضي إلى طابية راغب بك - في قلعة أم درمان - وأنا أرغب في أن أخاطبك بشأن الإجراءات الخاصة بتخليصنا، ويمكنك أن ترجع بعد ذلك إلى صديقك.
المخلص لك
هانسل
ولم أفهم المقصود من هذا الخطاب؛ هل غايته الحقيقية خدع المهدي؟ إذ لو كانت هذه هي الغاية لكانت الصيغة العربية كافية، ثم خطر ببالي أنه كان يمكنه أن يوضح غرضه باللغة الألمانية، ولكن لعله توقى ذلك خشية وجود أحد في معسكرنا يفهم هذه اللغة فيغرر بي، واعتبرت ألفاظ الخطاب فوجدته يقصد أو يلمح إلى انضمامه إلينا، وقد كانت راجت بيننا إشاعات عن خوفه من سقوط المدينة ورغبته هو وسائر الضباط النمسويين في التسليم للمهدي، ولكن لم يكن من الممكن أن يبت الإنسان في هذه النية، ثم قوله «ويمكنك بعد ذلك أن ترجع إلى صديقك»، هل يقصد به رجوعي إلى المهدي أو رجوعي إلى غوردون؟ والحق أني قد غطي علي المعنى ولكنه كشف لي بعد مدة قليلة.
وأخذت الخطاب في الحال إلى المهدي وأخبرته بأن النص العربي يوافق النص الألماني، ولما أتم قراءته سألني هل أرغب في الذهاب إليه، فأجبت بأني مستعد لتلبية أمره وأني على الدوام طوع إشارته.
فقال لي: «إني أخشي أنك إذا ذهبت إلى أم درمان ولقيت القنصل يقبض عليك غوردون ويقتلك؛ لأني لا أعرف السبب في عدم كتابته إليك لو كان يحسن بك الظن.»
अज्ञात पृष्ठ