सय्फ और नार

सलातिन बाशा d. 1351 AH
159

सय्फ और नार

السيف والنار في السودان

शैलियों

قال لي زكي قبل رحيله: «سأركب الجمل بشارن؛ لأنه أقوى الجمال الثلاثة ولم يصب بعد بالكلال الذي يحول دون مواصلة الرحلة الجديدة، وها نحن في مساء السبت، فسأواصل رحلتي طول الليل وسحابة يوم الأحد، حتى إذا أحياني الله إلى صباح يوم الإثنين وصلت إلى البقعة التي اتفقت مع أصدقائي على الالتقاء فيها. وقد أضطر إلى البقاء هناك يوما أو يومين في حالة عدم وجود جمال مستعدة لمواصلة الفرار. وعلى أية حال - ما لم يعقني مانع قهري جدا - سأرجع إلى مكاني هذا - الذي أنا فيه الآن - يوم الخميس أو يوم الجمعة على أكثر تقدير.»

أجبت صاحبي زكي بن بلال قائلا: «أرى الخير في تأجيل المواعيد المذكورة، وتأكد أنا في انتظارك هنا لغاية يوم السبت، أما إذا وصلت إلينا قبل ذلك فلا مانع، وعلينا أن نضاعف الشكر لله في تلك الحال. ولكن الشيء الوحيد الذي نرغب دائما في أن تذكره هو أن مصيرنا بين يديك بعد إذن الله، فلا تمهل في شيء على الإطلاق، وأطلب إليك إلى جانب ذلك أن تكون حذرا أشد الحذر في إحضار الجمال؛ بحيث تنتقي أجودها وأقدرها على مواصلة السير؛ حتى لا يصيبنا في المرة الجديدة ما أصابنا في سابقتها.»

وضع زكي يده في يدي بعد سماع أقوالي وودعني قائلا: «ثق في حظنا الحسن، ثم اعتمد على نيتي الحسنة وإخلاصي الشديد.»

فأجبته شاكرا وقلت له: «الله وحده قادر على أن يحميك ويرجعك إلينا عاجلا في سلم وعافية.» وضع زكي بعدئذ قليلا من التمر في قطعة من القماش ليأكل وقت جوعه أثناء رحلته القصيرة، ثم حمل سرج الجمل على ظهره، ثم وصف له حامد المكان الذي اختبأ فيه الجمل بشارن الذي استعان به صاحبنا زكي في سيره، وقبل عدوه شدد علينا في أن نضلل أفكار الناس - إذا وجد أناس في ذلك القفر - عنه. وما هي إلا دقائق حتى اختفى زكي عن أنظارنا، ثم عمدنا بعد ذلك إلى إبعاد الأحجار الصغيرة عن الأرض التي قررنا قضاء ليلتنا نائمين عليها حامد وأنا، وقد وفقنا في عملنا هذا توفيقا عظيما.

بقينا حامد وأنا صامتين فترة طويلة، شغل فيها كل منا بالنظر إلى الطبيعة والتفكير فيما راق له أن يفكر فيه. وبينما أجول ببصري في ذلك القفر الواسع قال لي حامد: «عندي اقتراح أود عرضه عليك، ويتلخص ذلك الاقتراح في أن لي قريبا اسمه إبراهيم باشا له النفوذ الكلي على منطقتنا الجبلية هذه بصفته شيخها، ولهذا الشيخ منزل في سفح التل على مسافة أربع ساعات من مكاننا الذي نحن فيه الآن. ولئن كنا إلى الآن محجوبين عن أنظار الآدميين، فمن الخير أن نعلم شيخنا إبراهيم بوجودنا حتى يكون على بينة ويدلي إلينا بما يراه ملائما لنا في عزلتنا هذه. وسأذكر له موقفنا بالضبط بدون ذكر اسمك، وهو مضطر أدبيا على الأقل - بما لي عليه من حق النسب - أن يؤويني ويجد لي ولك مكانا أمينا، وينصح لنا بالمغادرة في الوقت المناسب، وذلك في حالة تمكن دارس الأثر ومتعقبه من اقتفاء خطواتنا عند سفح التل، وهذا بعيد جدا. فإذا وافقت على رأيي، فإني أسير إليه في جنح الليل حتى أراه وأنا في أمن من عيون المراقبين ، وبعد مقابلته أرجع إليك قبل صباح اليوم التالي.» لا أكتم القارئ حقيقة ما جال في خاطري من سرور يداخله شيء من الخوف. وعلى أية حال أجبته بالموافقة قائلا له: «إن المشروع حسن ويحسن بك أن تحمل معك عشرين ريالا تقدمها هدية لصاحب المنزل، ولا أزيدك توصية في الامتناع عن ذكر ذلك لأحد كائنا من كان.»

تركني حامد عند غروب الشمس فبقيت وحدى هدفا للأفكار المتضاربة والهواجس المخلتفة، فتذكرت أفراد أسرتي وأصدقائي العديدين «في أوروبا ومصر»، وذكرت بصفة خاصة أصدقائي العرب والسودانيين الذين لم يحل اختلافهم في الجنسية والدين دون اعترافي لهم بالشكر الخاص وتقديري ما قاموا به في سبيل راحتي ونجاتي. وإني لن أنسى جهاد أولئك الأصدقاء الذين لم يرهبهم رجوعهم بعد نجاتي إلى حيث يقاضيهم أعدائي ويحاسبونهم حسابا عسيرا. تذكرت في عزلتي القصيرة هذه أعز من لي في الدنيا، وأقصد بهن وبهم شقيقاتي وأصدقائي المقربين، وكنت أسأل الله في كل لحظة أن يمن علي بنعمة العودة إلى وطني العزيز. وما زلت على حالتي هذه حتى غلب علي النوم، فألقيت بجسمي الضعيف على الأرض المتربة، ولم أستيقظ من نومي اللذيذ - رغم خشونة الأرض التي نمت عليها - إلا قبل الفجر. وبعد قليل من صحوي سمعت صوت قدمين، فتأكدت أن مرشدي حامدا هو القادم، وبالفعل وصل حامد وقال لي: «تسير الأمور في أحسن أحوالها؛ فإن نسيبي الشيخ إبراهيم يرحب بضيفه الذي لا يعرفه ويسأل له الوقاية وعون الله، فلتتدرع أيها الصديق بالصبر؛ لأن هذا كل ما تملكه الآن، ولعله خير ما يملك الإنسان في محنته.»

جلس حامد بعد عودته من منزل الشيخ إبراهيم على حجرين كبيرين قاتمي اللون؛ بحيث أصبح من العسير إيجاد فارق في اللون بين بشرته والصخر الذي يحمله؛ أما غرض حامد الأساسي من جلسته هذه فهو مراقبة الناس بطريقة تبعد أنظارهم عنه.

بقى حامد في مكانه هذا، وأما أنا فجلست على الأرض إلى جواره مستظلا بشجرة ممتدة الفروع تصادف وجودها بين الصخور السوداء. ولم يكن لنا حديث في تلك الفترة سوى ماضي وحاضر البلاد الصحراوية التي ظللتنا، وقد سعى حامد جهده في شرح حالة وطنه الذي كان يذكره بالإعجاب ويعطف عليه عطف المخلص للأرض التي ولد فيها.

بعد أن مر وقت الظهر بساعات قلائل، سمعت من الخلف وقع أقدام، فأدرت وجهي إلى ناحية الصوت فرأيت على بعد مائة وخمسين ياردة رجلا يتسلق المنحدر المقابل لمكان جلوسنا، عاملا على وضع فروة مستطيلة في يده على جزء من ذلك المنحدر، وفي الوقت نفسه شاهدته وهو يضع عمامته على رأسه، وقد أدركت في الحال - بعد التيقن من الجهة التي كان قادما منها - أنه يقصد الوصول إلينا من ناحية، وأنه رآنا من الناحية الأخرى.

كنت في حالة اضطراب، فبادرني حامد بقوله: «مهما يكن الأمر فإن القادم أحد أبناء وطني، فقد سمعت صوته ووقع نظري على سحنته. وعلى أية حال، فإني أفضل التقدم إليه والتكلم معه، فهل توافق على رأيي هذا؟» فأجبته: «لا ريب في أني معضدك في كل ما تراه ملائما لنا في تلك الحال، فأسرع لمقابلته، وإذا اقتضى الحال تقديم شيء من المال لا تتأخر عن ذلك.»

अज्ञात पृष्ठ