فقوله تعالى (( من )) من ألفاظ العموم يدخل فيها الكافر والفاسق والمسلم والمنافق ، وقوله تعالى (( يعص )) عموم لأنها نكرة في سياق الشرط والجزاء فيدخل في ذلك أي معصية كفر أو فسق أو نفاق ، وأخرجنا المعصية الصغيرة لقوله تعالى : (( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم )) [ النساء : 31 ] ولإجماع الأمة على أن الصغيرة مكفرة ولا يستحق صاحبها النار ، وأخرجنا الفاسق التائب للآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة التي تنص على قبول توبته ، وعلى هذا فيبقى اللفظ على عمومه إلا ما دل عليه دليل ، والدليل دل على استحقاق الفاسق الذي لم يتب النار والخلود .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يدخل الجنة نمام ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يدخل الجنة قتات ) (1) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) (2) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة ) ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ! قال رسول الله : ( وإن قضيبا من أراك ) (3) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) (4) .
وأنت أيها المستحق للخطاب تعلم أن النميمة وقتل النفس وأخذ مال الغير والغش لا توجب الكفر؛ وأنها من الكبائر ، ومع ذلك استحق فاعلها الخلود في النار كما مر معك ، وتأمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( وإن قضيبا من أراك ) ، وقول هؤلاء الذين يمنون على الناس بالجنة وإن عصوا الله عز وجل .
पृष्ठ 33