قلت : قد ذكر الله أنه نزل القرآن بلسان عربي مبين ، والعرب تخاطب بالحقيقة والمجاز ، وحقيقة الاستواء الذي هو القعود محال في حق الله والقعود المكيف بكيف مجهول غير معروف في لغة العرب وغير معقول أيضا.
قال المخالف ناقلا عن أبي الحسن الأشعري : ولو كان هذا كما قالوا لكان لا فرق بين العرش والأرض السابعة ، فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء والقدرة لكان كل شئ تحت قدرته واستيلاءه .
قلت : الاستواء بمعنى الاستيلاء ، والعرش هو الملك ، فالسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن ملكوته، ولهذا فالله مستو على عرشه أي مستول على ملكوته بالأمر والنهي ، والمراد بالاستيلاء تصرفه في الكون أمرا ونهيا ، وليس المراد بالعرش العرش الحقيقي على ما يقول ابن تيمية أنه كروي وأن العرش موجود مع الله في الأزل ؛ لأن هذا يؤدي إلى كون العرش أزليا قديما ، والمعلوم أنه لا قديم إلا الله ، ويمكن أنه أراد عز وجل أنه مستول على أعظم شئ من مخلوقاته الذي هو العرش الذي يدل ضرورة على أنه مستو على ما دونه وهذا على قول من قال بأن العرش حقيقي من دون أن يقول إن الله مستو عليه حقيقة بل مستول عليه، مع أنه قبلة للملائكة عندهم مستدلين بقوله تعالى : (( وترى الملآئكة حآفين من حول العرش )) [ الزمر : 75 ] .
قال المخالف : فيلزم أن يكون العرش قبل تمام خلق السماوات والأرض لغير الله .
قلت : هذا الكلام الحاصل من المخالف ناتج عن توهمه أن الاستيلاء يدل على أن الله أخذ العرش من غيره وبالتالي يكون العرش قبل ذلك مع هذا الغير، وهذا الكلام غير صحيح لأن الاستيلاء لا يدل على ذلك ولو لم يكن هنالك إلا قرينة العقل لكفى، إذ العرض عندنا هو الملك الذي يدل على الأمر والنهي ، والمعلوم عقلا ونقلا أن من له الأمر والنهي هو الله.
पृष्ठ 12