لم أعد أستطيع التواصل مع ساي كما كنا قبل، لقد تغيرت جدا. حاولت عدة مرات أن أريها كم أنا سعيد لحملها، لكني لا أستطيع التظاهر بمشاعر لا أشعر بها. كنت أعيش في صراع كبير في تلك الأيام، إلى أن استيقظت يوما على صوت صراخ ساي في المطبخ! كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، أسرعت إلى المطبخ ورأيت ذاك المشهد: ساي على الأرض في بركة دماء تصرخ من ألمها وعلى وشك أن يغمى عليها! هذا ما كنت أخشاه وأتوقعه، هذا ما كنت أراه منذ أول يوم أخبرتني فيه بحملها، هذا ما كنت أسمعه، هذا ما أبت ساي أن تصدقه. كدت أسقط مغشيا علي من خوفي على ساي إلا أنني تمالكت نفسي. حملتها بسرعة وتوجهت إلى أقرب مستشفى وهي ما زالت تنزف بين يدي.
هناك قاموا بإجراء تحويل للدم كي تستعيد قليلا مما خسرته، بعد نصف ساعة توقف النزيف ووضعوها تحت العناية المشددة، فقد فقدت وعيها ونحن في الطريق إلى المستشفى. مضت عدة ساعات وتنبه الطبيب بأني لم أسأل بعد، فيما إذا خسرنا الجنين أم لا، وكأني أظن جازما أن الجنين قد مات أو تم إجهاضه. توجه الطبيب نحوي وأخبرني: بروفيسور، ما زال الجنين معلقا في رحمها رغم كل هذا النزيف، لكن ليس من الحكمة إبقاؤه، أرجوك عليك أن تتفهم هذا! - لو أن القرار قراري، لما حدث معها ما حدث، دكتور أرجوك لا تقم بأي إجراء قبل أن تستعيد وعيها؛ فهي تريد هذا الطفل وتكلمنا كثيرا فيما يخص عملية الإجهاض. ساي مصرة على إبقائه؛ لذا أرجوك تمهل إلى أن تستعيد وعيها.
وافق الطبيب على طلبي وفهم أنها هي من تصر على الموضوع. وبعد عدة ساعات استعادت ساي وعيها. تكلم معها الطبيب كثيرا وشرح لها حالتها، لكنها لم تستجب له إطلاقا، بل باتت متشبثة برأيها أكثر فأكثر. عندما دخلت إلى غرفتها كي أراها، تحدثت معي بقسوة قبل أن أنطق بحرف واحد: هيروكي، إن كنت هنا لكي تقنعني بإجهاضه، فأنا لن أستغني عنه مهما حصل. - ساي! أنا هنا لأراك، لأطمئن عليك، ماذا دهاك! - لأني أعلم ماذا تريد أن تقول، لا تقلق علي، أنا جيدة وبأحسن حال.
شعرت أنها لا تريد رؤيتي أساسا، ولم أصدق تلك الحالة الغريبة التي تمر بها ساي. حاولت ألا أزعجها بعتاب أو كلام، فأجبتها: كما تريدين.
ومن ثم بقيت إلى جانبها طيلة فترة مكوثها شبه صامت كي لا أزعجها ولا تزعجني.
هاك
انتهت فترة النقاهة بعد جرعاتي الكيميائية وعدت لممارسة عملي في المستشفى. كان قد مضى على وجود ساي في المستشفى يومان، صدمت حين رأيتها في العناية المشددة، هذه المرة لم أحسب ألف حساب كعادتي قبل أن أتصرف، بل تصرفت كما أملى علي قلبي، ركضت نحو طبيبها المعالج استفسرت عنها وعن وضعها، أخبرني الطبيب برفضها للإجهاض رغم أن التحاليل والأشعة أثبتت أن هناك خطرا عليها إن أرادت الاحتفاظ بالجنين. ثم علق الطبيب ساخرا: عنيدة مثلك تماما تطبعت بطبعك.
بعد يومين استقرت حالتها، أعلم ألا حق لي بزيارتها أو التحدث معها ولكن يأبى قلبي أن يطاوعني، فلم يعد يحتمل هذا القلب الضغط عليه وهضم حقه أكثر، فها هي الإنسانة الوحيدة التي أحبها معرضة للخطر فكيف لا أطمئن عليها أو أزورها؟ لم أحضر معي في زيارتي لا أزهارا ولا أي شيء، صحيح أني تمنيت أن أهديها باقة من زهر البنفسج الذي تعشقه أو علبة من نوع الشوكولاتة التي تفضلها لأريها أني لم أنس أي تفاصيل عنها، ولكني تداركت نفسي، فكيف لطليق سابق أن يصطحب معه الأزهار التي تفضلها طليقته وهي الآن زوجة لرجل غيره! لذا فقد ذهبت لزيارتها بصفتي زميلا وطبيبا، كانت ساي وحدها في الغرفة تتناول طعام الغداء، لم يبد على ملامح ساي الاستغراب أو الامتعاض حين رأتني، بل على عكس المرات السابقة حين كانت تراني ولم تكن مرتبطة. أيقنت أنها استطاعت مداوة جرحها بمساعدة هيروكي وهذا ما زاد الحزن والغيظ في قلبي، لأني أومن بالمقولة «الكره ليس عكس الحب، عكس الحب هو اللامبالاة.» وواضح الآن أن ساي لا تبالي. بعد السلام والمجاملات التقليدية بدأت بالتحدث في صلب الموضوع: ساي ماذا تفعلين بنفسك هل تتوقين للموت؟
تغيرت ملامح ساي، كادت الدمعة تنزل من عينها لكنها منعتها، قالت: لو حاول العالم أجمعه أن ينصحني، فأنت الوحيد الذي لا يجب عليه ذلك، ألم تكن أنت السبب في الأساس؟ ألم أرغب في هذا الطفل من عشر سنوات لكنك رفضت، ماذا لو كان لنا طفل الآن بعمر العشر سنوات، تيقن أني لم أكن لأجبرك على البقاء معي لأجل طفل أو اثنين أو حتى عشرة، ولكنك كنت أنانيا وحرمتنا نحن الاثنين من الأطفال. أرجوك دعني وشأني الآن فالطفل طفلي والمعرض للخطر هو أنا والقرار قراري هذه المرة!
خرجت من عندها محطم القلب حقا، ماذا لو كان لنا طفل! ومن من، من ساي، آه على المكابرة والعناد. حين هممت بالخروج من غرفة ساي صادفت زوجها هيروكي الذي كان يهم بالدخول. بعد أن أفضيت لساي بما أفكر وألقت اللوم كل اللوم علي أنا، جعلتني الجلاد وهي الضحية، أردت أنا أيضا أن ألقي باللوم على غيري، فأنا لم أتقبل الدور الذي وضعته لي ساي في هذه المسرحية، لا بد من وجود جلاد آخر غيري، وكان الجلاد هو أول شخص رأيته بعد خروجي من عند ساي، كان الجلاد هو زوجها هيروكي، هيروكي الذي تحمل ساي الآن بطفله الذي قد يتسبب في إنهاء حياتها، هيروكي الذي انتزعني من قلب ساي نهائيا، إذن لألقي اللوم على هيروكي ولأجعله يشعر بالذنب اتجاه ساي واتجاه الجنين أيضا.
अज्ञात पृष्ठ