يناير سنة 1925
صوت
قصة تمثيلية للكاتب الأمريكي «إدوارد شلدون» نقلها إلى الفرنسية الكاتبان المعروفان «روبير دى فلير وفرانسيس دى كرواسيه»
ينبغي أن تفهم هذا العنوان كما تفهمه حين تجده في كتاب الأغاني، فهو يدل على مقطوعة من الشعر يغنى بها، وكذلك أراد صاحب هذه القصة التي أريد أن أحدثك عنها في شيء من الإيجاز كثير، فأنا - كما قلت في غير هذا الموضع - حين أنحو هذا النحو من تلخيص القصص التمثيلي أو غير التمثيلي، لا أريد أن أغني القارئ العربي عن الأصل الأوروبي، إنما أريد أن أرغبه فيه وأحبب إليه قراءته ودرسه. فهذه الفصول المتواضعة ترغيب في قراءة تلك القصص الممتعة لا أكثر ولا أقل.
وقصتنا هذه ممتعة في موضوعها، ممتعة في شكلها، ممتعة في لغتها، وممتعة بنوع خاص لأنها تمثل التئام الذوقين الأمريكي والفرنسي التئاما بديعا.
وضع لها صاحبها هذا العنوان؛ لأنها تبتدئ بصوت من الغناء وتنتهي بهذا الصوت، ولأن هذا الصوت نفسه رشيق عذب فيه سذاجة ورقة، ولأنك لا تكاد تمضي في قراءة هذه القصة حتى تجد فيها هذه العذوبة وهذه الرشاقة وهذه السذاجة، ملتئمة أحسن الالتئام مع حقائق الحياة الواقعة وما فيها من خشونة وغلظة وتعقيد.
وإن أعجب لشيء فإنما أعجب لأن هذه القصة لم توقع بعد على الألحان الموسيقية، كما أوقعت من قبل قصص تشبهها كل الشبه.
على أني لا أريد أن أطيل في المقدمات ولا أن أسرف في التحليل، وإنما أسرع بك إلى القصة نفسها، وأعتمد على الترجمة أحيانا لأدلك على ما فيها من جمال وروعة. •••
نحن في مدينة نيويورك في مكتب الأسقف البروتستانتي «توم أرمسترونج»، وهو شيخ في السبعين من عمره، قد جلس إلى النار يصطليها أول الليل، وحفيدته تقرأ له إحدى الصحف. ونحن نحس أنها تقرأ له هذه الصحيفة في شيء من السأم والضجر؛ لأنها تؤثر أن تتحدث إليه أو تلهو معه بشيء آخر، وآية ذلك أنها لا تكاد تمضي في القراءة حتى تقف سائلة جدها الأسقف: أليس يؤثر على هذا الكلام صوتا من أصوات الفنوغراف؟ ثم تدع الصحيفة وتعمد إلى الفنوغراف فتنطقه بالصوت المعروف: «أتعرف ذلك البلد الذي يزهر فيه البرتقال ...؟!» فما هي إلا أن يظهر الشيخ شيئا من الضيق، ويطلب إلى حفيدته في رفق أن تدع هذا الصوت إلى صوت آخر، فإذا سألته الفتاة عن مصدر هذا الضيق أبى عليها، وأحسسنا نحن أنه لا يكره هذا الصوت ولكنه يشفق من استماعه.
والفتاة لم تدع الصحيفة إلى الفنوغراف إلا لتدع الفنوغراف أيضا إلى الحديث، فهي تريد أن تتحدث إلى جدها في أمر ذي بال، تريد أن تتحدث إلى الشيخ في أمر أخيها الشاب «هنري»؛ فقد أحب هذا الشاب فتاة ممثلة جميلة رائعة الطلعة يتيمة فقيرة سيئة الحظ، وهو يريد أن يتزوجها، وهو يريد أن يتحدث في هذ الزواج إلى جده، ولكنه كلف أخته أن تعد الشيخ لهذا الحديث وقد فعلت. وأقبل الفتى وانصرفت الفتاة، وخلا الشاب إلى جده وذكر له قصته، وأسرف له في الثناء على هذه الفتاة، وأعلن إليه أنه يريد أن يتخذها له زوجا. فيأبى عليه الشيخ في رفق معلنا إليه أنه حدث قليل التجربة، وأن الخير في أن يروى ويفكر حتى إذا كانت السنة المقبلة رأى في ذلك رأيه. وليست السنة المقبلة بعيدة، فستبدأ بعد ساعات لأننا في اليوم الأخير من شهر ديسمبر. ولكن إباء الشيخ يشق على الفتى ويؤلمه، فيقول لجده: لو عاش أبواي الشابان لاستطاعا أن يفهما عاطفة الحب ويقدراها، فقد تقدمت بك السن حتى نسيت شبابك وعجزت عن فهم عواطف الشباب.
अज्ञात पृष्ठ