تنبها، فانفصلا، ودخل الموسيقي، وانصرف القوم، وأخذ الزوجان يتحدثان، فإذا الرجل محزون بائس، وإذا امرأته اللعوب تسأله عن مصدر هذا الحزن، فيتردد ثم يجيبها بأنه سمع الناس يذكرونه فيقولون «زوج ألين» ولا يسمونه باسمه، وبأنه رآهم يشيرون إليه ويبتسمون، فهو إذن يشك، وهي تدافعه عن هذا الشك بما أوتيت من حيلة ودل ودعابة، وانظر إليه قد أخذ حقيبة امرأته ونظر فيها فإذا مقدار ضخم من المال، فلا يزداد إلا شكا. وانظر إليه يذكر أن امرأته لعبت الميسر أمس وخسرت كثيرا، ولم تنبئه بشيء، وإنما سمع بذلك عفوا، فهو لا يزداد إلا شكا. وانظر إليه قد استكشف عند امرأته عقدا من الجوهر لا علم له به، فلا يزداد إلا شكا! ولكنها ماهرة وهو عاشق، فتستطيع أن تخدعه عن أمرها، وأن تستميله إليها، وأن تخلبه بما تبذل من لذة، وهو أغبى من غلامه الذي يفهم كل شيء، ويتحدث إلى زميلته الخادم بكل شيء.
فإذا كان الفصل الثالث، تحدث الموسيقي إلى صديقه، وقد استيقن كل شيء، وأصبح لا يشك في خيانة امرأته؛ ذلك أن القوم اعتزموا الخروج للنزهة وتخلف هو عنهم متكلفا العمل، ثم تبعهم وهم لا يعلمون، فلم ير فيهم زوجه، ولم ير فيهم ذلك الرجل الغني؛ وإذن فقد كذبت عليه امرأته حين زعمت أنها خارجة للنزهة وأنفقت يومها مع صاحبها، ونحن نعلم ذلك لأننا سمعناه في الفصل الثاني. وانظر إلى هذا الموسيقي متألما محزونا، ولكنه متجلد صبور، يعلن إلى صديقه أنه سيترك هذه الحياة كلها وسيعود إلى حياته الأولى: حياة البؤس والشرف والكرامة، ولكنه يريد أن يلهو قبل هذه العودة، وإنه للهو أليم.
أقبل القوم جميعا من نزهتهم وفيهم «ألين» وفيهم الرجل الغني، وكلهم يقص ما رآه ويصف جمال النزهة، والموسيقي مبتهج يتحدث إليهم جميعا حديث من لا يشك في شيء، وأنت ترى من القوم جميعا أنهم يسخرون منه ويرون فيه الغفلة، وقد هموا بالانصراف ليلتقوا بعد حين إلى مائدة العشاء في الحانة، وإذا الموسيقي يمسك الرجل الغني ليبقى معه حينا، فإذا انصرف القوم وخلا الزوجان إلى هذا الرجل الغني، بدأت طائفة من المواقف المؤثرة التي تملؤك عطفا على الزوج وسخطا على امرأته وإعجابا بالكاتب والممثلين؛ انظر إلى هذا الزوج الموتور يريد أن ينتقم لنفسه ولكرامته، ولكنه لا يريد أن يكون سخيفا، ولا ضحكة، ولا مجرما، فهو لا يريد العنف ولا سفك الدم، وإنما يريد أن يكون مترفقا في انتقامه. انظر إليه يعذب الخائنين عذابا أليما لأن موضعه الضمير؛ يستثير غيرة الرجل الغني بما يبدي من التلطف لامرأته وبما يتكلف من مداعبتها، وقد ضمها إليه ثم أجلسها على حجره وأخذ يداعبها هذه المداعبة المشروعة بين الزوجين، والتي لا تكون إلا في الخلوة، والرجل ينظر ويتألم دون أن يستطيع اعتراضا واحتجاجا، والمرأة خجلة ذليلة بين هذين الرجلين اللذين يتقسمانها، وهي تتكلف الحياء لتخلص من هذا الموقف الأليم، ولكن الزوج لا يحفل بحيائها ولا بألمها، وهو الآن ينتقل من المداعبة إلى الحديث، فيقص على صاحبه أسرار الزوجية وما تمنحه امرأته من لذة إذا خلت إليه، حتى إذا قضى وطره من تعذيب الخائنين وإذلالهما أطلق امرأته فذهبت لتصلح من شأنها قبل العشاء، وخلا هو إلى الخائن وهنا موقف ليس أقل من الموقف الذي سبقه جمالا أو تأثيرا.
هذا الزوج يتحدث إلى عاشق امرأته، فما هي إلا أن يعلن إليه أنه يعلم كل شيء، فإذا وجم الرجل وسأله عما يريد وانتظر الكارثة، أعلن الزوج إليه أنه لا يريد شيئا وأنه راض بهذه الحال، وإذا الرجل الخائن شديد الازدراء لهذا الزوج الذي لا يجري الدم في عروقه، والذي يرضى أن تكون امرأته شركة بينه وبين غيره. يريد أن ينصرف فيمسكه الزوج؛ إذ ليس بد من الاتفاق على أشياء وتدبير مصالح لا بد من تدبيرها. هما شريكان في المرأة، وقد يمكن أن يكونا غدا شريكين في طفل تلده هذه المرأة، وما يزال هذا الزوج يرقى في تمثيل الضعة والمهانة والخيانة والإثم حتى يكشف عن أخس ما في النفس الإنسانية من عاطفة! إنه يلهو، وهو يلهو بازدراء الإنسان، فإذا بلغ من ذلك ما يريد أطلق الرجل وقد اتفق معه على أن يأتي بعد حين ليحمل هذه المرأة في سيارته إلى حيث يريد.
ثم تقبل المرأة فيلقاها زوجها مبتسما، وتأخذ في عتابه على ما أباح من أسرار الزوجية، فما يزال بها حتى يعلن إليها أنه عالم بكل شيء، وراض عن كل شيء، وقابل لهذه الشركة التي تضمن لها الثروة والنعيم، وإذا المرأة تزدري زوجها حقا وتحتقره احتقارا لا حد له، وإذا هي تتألم حقا لأنها كانت تريد أن يحبها زوجها وأن يكون شديد الغيرة عليها، فإذا هي ترى نفسها متاعا يتقسمه رجلان، ولكن الزوج قد أطال الصبر والتكلف وغلا في كظم عواطفه، فهو لا يستطيع الآن صبرا، وانظر إليه وقد انفجر كما ينفجر البركان فهو ثائر فائر، لا يكاد يملك نفسه، ولا يكاد يمسكها عن اغتيال هذه المرأة، وقد ظهر حبه قويا عنيفا، وظهرت غيرته، وكلها روع وهول، وهو يصيح بامرأته: «أترين في ما يدل على أنني قواد؟!» والمرأة وجلة مضطربة، ولكنها سعيدة مغتبطة؛ لأنها تشهد الحب والغيرة، ولأن زوجها لا ينظر إليها نظره إلى المتاع، وهي تريد أن تستغفر، وتريد أن تتوب، ولكن الزوج يحاول طردها، ثم يبدو له فيضطرد نفسه، وقد أنبأها أن صاحبها سيأتي بعد حين ليحملها في سيارته، وقد انصرف وتركها تعسة بائسة تنتحب وتصيح، ولكن السيارة قد أقبلت، وهي تدعو بالباب. فانظر إلى هذه المرأة قد نهضت متثاقلة إلى المرآة، فأصلحت من شعرها ووجهها وخرجت في هدوء تجيب داعي اللهو والثروة والنعيم.
أكتوبر سنة 1924
لحن إلى كروترز
قصة تمثيلية للكاتبين الفرنسيين «فرنان نوزير» و«ألفريد سافوار»
وكذلك أحدثك اليوم عن قصة اشترك فيها كاتبان كقصة الأسبوع الماضي، واتخذت من حديث قصصي كقصة الأسبوع الماضي أيضا.
اشترك فيها كاتبان، وإن شئت فقل ثلاثة؛ فليس أحد هذين الكاتبين اللذين ترى اسميهما هو الذي وضع القصة الأولى أو اخترع حوادثها، وإنما تعاون الكاتبان على استخراج قصتهما التمثيلية من كتاب معروف للفيلسوف الروسي العظيم «تولستوي»، ولست تطمع مني في أن أحدثك اليوم عن «تولستوي» ولا عن كتابه الذي أخذت منه هذه القصة؛ فقد يكون لذلك وقت غير هذا الوقت وموضع غير هذا الموضع، وإنما يكفي أن أتحدث إليك عن هذه القصة التمثيلية التي دخلت الملعب منذ أربعة عشر عاما فأعجب بها النقاد وخاصة الناس، ثم عادت إليه في هذه الأيام فأعجب بها هؤلاء وأعجبت بها العامة أيضا، وكانت دليلا واضحا على تغير نفسية الجماهير، وتغلغل الرقي العلمي والفني في الطبقات المختلفة في الشعب الفرنسي في أثناء هذه المدة القصيرة.
अज्ञात पृष्ठ