साउत अक्माक
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
शैलियों
وفي عام 1972م أطل علينا سكنر بكتابه «ما وراء الحرية والكرامة»
Beyond Freedom and Dignity
الذي راج رواجا عظيما في حينه، مؤذنا ببعث جديد للسلوكية العتيقة. لم يحفل سكنر في كتابه بما أثبته البحث التجريبي من أنه حتى القوارض لا تخضع في حياتها الطبيعية للقوانين الشرطية. لقد بات واضحا أن نظرية التعلم التقليدية تطبق في الظروف المعملية المصطنعة (التدعيم الإيجابي في قفص سكنر، والتشريط الكلاسيكي في تعلم مقاطع غير ذات معنى، والتقنيات الشبيهة في الدعاية والإعلان)، ولكنها لا تنطبق على السلوك الطبيعي للحيوان ولا على النمو السيكولوجي السوي للأطفال. أما العلاج السلوكي فقد بدا أنه ناجح في بعض الاضطرابات المحدودة مثل البوال الليلي
nocturnal enuresis . غير أنه من المستبعد أن مبادئ نظرية التعلم تسري على تعليم إينشتين وموتسارت وحتى المواطنين العاديين. يبدو أن سكنر، في هذه الردة السلوكية الانتقامية، قد فاته أن يتأمل في حياته إحدى الكنائس القوطية أو حتى ناطحة سحاب في نيويورك، أو أن يصغي إلى الموسيقى بدءا من السيمفونية التاسعة إلى أرخص روائع الروك، بل أن يتأمل في مختبره ذاته وفي كتبه وجامعته. ويبدو أن سكنر قد فاتته الملاحظة البسيطة بأن الفئران والحمام والقرود لا تفعل شيئا من هذا على الإطلاق. إن من الوجيه في سياقه أن ننظر إلى عالم الحيوان لنرى البدايات الأولى لظهور اللغة والعرف واستعمال الأدوات وما إلى ذلك. ولكن السيكولوجيا البشرية لا يسعها أن تغفل أن عالم الثقافة (أو عالم الأنشطة الرمزية بتعبير هذا الكاتب) هو شيء جديد، شيء انبثاقي
emergent
لا يمكن رده إلى مستويات التشريط أو نظرية التعلم.
لم تغير هذه الصيحات العابرة وأشباهها شيئا يذكر من الافتراض الأساسي لعلم النفس الأمريكي. صحيح أن المريض المستلقي على الأريكة بين يدي المحلل النفسي يختلف عن الفأر في صندوق سكنر، وأن هذين يختلفان عن سمك «أبو شوكة» وهو يدافع بعنف عن منطقة نفوذه، وعن جماعة التدريب في لقاء «حساسية» (وحبذا أن تكون في حالة عري)، وعن خبرة العقاقير. صحيح أن هذه «نماذج» للإنسان مختلفة بعض الشيء، غير أنها تلتقي جميعا في التصور الأساسي، وهو إغفال أو تغافل ما هو إنساني حقا في الإنسان، أو هو رد السلوك الإنساني إلى سلوك حيواني. لقد ألحت الحاجة إلى نموذج جديد لكي يحدث ثورة في علم النفس وفي غيره من العلوم، وثورة أيضا في الحياة العملية وفي المجتمع.
11
إن الخطر الكبير الذي يشتمل عليه كتاب سكنر هو أن مشروعه ليس مشروعا لإبطال الحرية والكرامة، بل هو وصف لما يجري تحقيقه على نطاق واسع من غسيل للمخ وتلاعب بالعقول تقوم به وسائل الإعلام والتلفزة، ويقوم به المجتمع التسويقي وقطاع السياسة. هل يتبع المتلاعبون بالعقول نظرية التشريط السلبي والإجرائي عن دراية وقصد؟ هذا سؤال لا يهم، وإن خامرتني الشكوك بأنهم يفعلون ذلك في أحيان كثيرة. (1-6) تجربة سيكولوجية كبرى
إذا صحت هذه المبادئ عن سيكولوجيا التلاعب بالعقول للزم عن ذلك أن ظروف التوتر والضغوط لا بد أن تؤدي إلى زيادة الاضطرابات النفسية، وأن الصحة النفسية لا بد أن تتحسن عندما يتخفف الناس من مكبوتات الطفولة في جماعات التدريب، وعندما تخفف الأعباء الدراسية عن الأذهان الغضة للتلاميذ، وعندما يتيسر الإشباع الجنسي في عمر مبكر ...
अज्ञात पृष्ठ