साउत अक्माक
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
शैलियों
لم يشهد برتالانفي في حياته تحقق رؤيته. وربما لن تتحقق أبدا صياغة علم كلي من الصنف الذي ارتآه، إلا أن العقدين اللذين أعقبا وفاته عام 1972م قد شهدا بزوغ «تصور أنظمة» للحياة والعقل والوعي يتخطى حدود التخصصات ويعد حقا بتوحيد مجالات عديدة من البحث كانت منفصلة فيما مضى. ورغم أن هذا التصور الجديد للحياة يسترفد السيبرنيطيقا أكثر مما يسترفد النظرية العامة للأنظمة، فمن المتيقن أنه يدين بالفضل الكثير للمفاهيم والأفكار التي أضافها برتالانفي إلى رصيد العلم.
2 (1) النظرية العامة للأنظمة
General Systems Theory
بحياة أطول وأيسر وأهنأ، وعدنا العلم في القرون الأربعة الأخيرة.
أسكرتنا وعود العلم حتى أفقنا حديثا على ألم مريب بالرأس والجوارح؛ فالشرور التي انسربت يوما من «صندوق بندورا» ما تزال تستشري في طول البلاد وعرضها.
التوازن بكل معانيه وجوانبه يختل اختلالا خبيثا لا ينبئ بخير. الظلم يهبط كل يوم إلى الأرض في ثياب جديدة. انتهينا من أمراض البداوة لتدهمنا أمراض الحضارة، فإذا هي أشد فتكا وتنكيلا: الاكتئاب، الأورام، أمراض القلب والأوعية، سكتة القلب والدماغ عرفت طريق الشباب، الانتحار بدأ يترصد الصبا الغض ولم يعد وقفا على شيخ مل الضعف وما مل الحياة، الإيدز. وما خفي مما يمكن أن يجره اللعب بنار بروميثيوس، يفتك بالبعض ويترك طائفة، يسمم للآخرين صنفا من أشهى الأصناف على مائدة الدنيا.
ورغم ثقتنا المفرطة في طريقة العلم ودربه، فما يزال «التضخم» يحير الاقتصاديين، والفصام يحير السيكولوجيين، والسرطان يحير الأطباء، والعنف والإدمان والجريمة تحير الجميع، لكي يتبلور السؤال ويثقل ويلح: كيف نضمن ألا ينقلب ما هو خير ونفع على المدى القريب إلى شر ووبال على المدى البعيد (ولنا في استخدام المبيدات والوقود الحفري والطاقة النووية أمثلة صارخة)؟ كيف نضمن ألا يقوم الكلب بقيادة السيد إلى بقاع خطرة يمكن أن تودي بحياته؟ (1-1) صفر + صفر = صفر
من الصيحات الجديدة في صناعة القرارات الكبرى، سياسية أو اجتماعية أو غيرها، أن تؤخذ مشورة كبار الأكاديميين والعلماء المتخصصين، سواء بطريق شخصي مباشر أو بطريق غير مباشر، من خلال بنوك المعلومات وبنوك الأفكار وما إليها. وما أيسر أن تتم المشورة، ويتم معها إغفال حقيقة مريرة: هي أن هؤلاء العلماء، مع كل الإكبار لهم والتجلة، هم سادة على أرضهم، وما كان لهم أن يبلغوا ما بلغوه من مكانة في تخصصاتهم الضيقة إلا لأنهم كرسوا لها أنفسهم وأوغلوا فيها على حساب المجالات الأخرى للحياة، في زمن تفجرت فيه المعارف وأصبحت ممارسة العلم هي معرفة الأكثر والأكثر عن الأقل والأقل، فأصبح هؤلاء العلماء، بحكم التخصص ذاته، آخر من يؤخذ رأيه في الأمور التي تتطلب النظرة الشاملة والإلمام العريض. والأخطر من ذلك ما نجده لدى كثير من هؤلاء العلماء من ميل طبيعي إلى تعميم طرائقهم البحثية المحدودة، والاعتقاد بأن جميع المشكلات الإنسانية يمكن أن تحل بنفس المناهج التي يجدونها مثمرة في ميادينهم.
لم يتفطن أي من النخبة المفكرة إلى المشكلة الحقيقية وراء أزمة الأفكار: وهي أن معظم الأكاديميين يتبنون رؤى ضيقة للواقع، لا تكفي ولا تغني شيئا في تناول المشاكل الكبرى لهذا العصر. وهي مشاكل نسقية متداخلة متواشجة لا يمكن أن تحصرها المناهج الجزئية للتخصصات الأكاديمية والوكالات الحكومية.
3 (1-2) الفكر الإيكولوجي كبديل أقوم للفكر التجزيئي
अज्ञात पृष्ठ