साउत अक्माक
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
शैलियों
وفي بدايات القرن التاسع عشر أدخل فيلهلم فون همبولت مصطلح «علم نفس الشعوب» ليشير إلى الدراسة العلمية للروح القومية أو «روح الشعب»
Geist ، أي ما نشير إليه اليوم باسم «الشخصية القومية». ذهب همبولت، مستبقا في ذلك سابير وورف، إلى أن اللغة والتفكير يرتبطان معا ارتباطا وثيقا. وهو يعني أن طرق التفكير لا بد أن تختلف اختلافا جذريا بين الجماعات الثقافية المختلفة. وهو موقف يتفق مع ما ذهب إليه هردر من التحام اللغة والتقاليد لكل شعب.
لم تبدأ الدراسات التجريبية ذات التقنية المتطورة حول تفاوت عمليات الإدراك بتفاوت الثقافة إلا في منعطف القرن العشرين (بعثة مضيق تورس). كانت دراسات شاقة باهظة التكلفة عسيرة التكرار، لم تثبت في مجملها للنقد ولم تعد أهميتها مجرد فتح الطريق وتقديم دروس ميثودولوجية مستفادة من الأخطاء. ثم عاد سيجول وزملاؤه في الستينيات من القرن العشرين، وبولتن وزملاؤه في السبعينيات ... لمواصلة البحث على أسس منهجية أقوم وخبرة ميدانية إثنوغرافية أكبر. خلص الباحثون من هذه الدراسات بنتائج متواضعة تفيد أن الثقافة تؤثر على الإدراك الحسي عن طريق بناء عادات استدلال حسي تعمل عملها في الظروف التي تتسم بالغموض. يقول مايكل كول في كتابه «علم النفس الثقافي» (1996م):
إذا جمعنا الدروس المستفادة من بعثة مضيق تورس مع الدروس المستفادة من أبحاث الخداع البصري، لبدا أن البيئة الثقافية لا تؤثر على حدة الإبصار بحد ذاتها، وإنما هي بالأحرى ترسخ عادات لتأويل العالم المرئي تؤثر على الطريقة التي يتم بها تفسير المثيرات الغامضة كالخدع البصرية على سبيل المثال.
96
الفروق الثقافية في النمو الإدراكي
يقوم الجانب الأكبر من البحث الثقافي المقارن حول دور الثقافة في النمو الإدراكي، على العمل الذي قام به جان بياجيه. منذ بداية حياته العملية ذهب بياجيه إلى وجود فروق ثقافية هامة في عمليات التفكير. ميز بياجيه، مستندا في ذلك إلى أعمال ليفي برول وإميل دوركايم، بين نوعين من المجتمعات. وصف برول الأول منهما باستخدام مصطلح «بدائي» والثاني باستخدام مصطلح «متحضر»، وهما ما يمكن أن نطلق عليهما اليوم اسم «تقليدي» واسم «حديث». ذهب بياجيه إلى أن كل واحد من هذين النوعين من التنظيم الاجتماعي يتميز ب «ذهنية» خاصة تميزه عن الآخر: «فالذهنية المسماة بالبدائية تحض مجتمعات الانقياد أو المجتمعات القطعية. والذهنية العقلانية تخص مجتمعاتنا المتميزة.» لم يتفق بياجيه رغم ذلك مع ما ذهب إليه برول من وجوب عدم فرض تراتب تطوري على هذين النوعين من العقلية: كانت وجهة نظر بياجيه حينذاك أن ظهور العقلية البدائية يسبق ظهور العقلية المتحضرة، تماما مثلما يسبق ظهور تفكير الطفل ظهور تفكير الراشد.
كشف فيض الأبحاث الذي بدأ في الستينيات من القرن العشرين معتمدا على نظرية بياجيه عن وجود تنوع بين المجتمعات يزيد بكثير عما كان بياجيه قد تنبأ به. كشفت بعض الأبحاث أن الأطفال في المجتمعات التقليدية غير الصناعية تصل إلى مرحلة «العمليات العيانية»
concrete operational
بعد أطفال المجتمعات الغربية الصناعية بعام أو أكثر، وأشارت أبحاث أخرى إلى عدم وصول الأطفال ولا الكبار في بعض المجتمعات إلى مرحلة «العمليات العيانية» (فضلا عن «العمليات الصورية»). وفي عام 1972م واجه بياجيه الأدلة على وجود تنوع ثقافي في أداء اختباراته. وبينما بقيت الفروق الثقافية في العمليات العيانية محل خلاف فقد كان إجماع الرأي قد استقر على أن تفكير «العمليات الصورية»
अज्ञात पृष्ठ