نم وجهها على أنها تعاني من ضروب الحيرة مثلما أعاني، فازددت ذهولا وانزعاجا، وانتظرت أن تميط اللثام عما يحيرها فتجلو لي ما يحيرني بالتالي. وانتظرت في قلق وإن بات قلبي يحدس أمورا يفرق لها رعبا ويأسا وخزيا. ولما طال بي الانتظار قلت: لماذا لا تكاشفيني بذات نفسك!
إنها ترغب في البوح بما ينوء به صدرها الرقيق ولكنها لا تجد سبيلا إلى الإفصاح أو لا تواتيها الشجاعة عليه، وإني أزداد خوفا وقنوطا حتى تناهى بي الجزع فقلت: رباب .. إنك لا ترتاحين لما جد في حياتنا!
فحدجتني بنظرة غريبة، ثم خفضت بصرها وراحت تقضم ظفرها في حيرة وارتباك. برح الخفاء .. بيد أن صمتها أخذ يضايقني فتساءلت فيما يشبه الضجر: أليس الأمر كذلك؟
ورنت إلي بنظرة توسل واستعطاف وقالت بصوت لا يكاد يسمع: لنعد كما كنا .. كانت حياة طيبة!
وكأن لطمة هوت على وجهي فغضضت عيني حياء وقنوطا. ومع أن رغبتها هذه حقيقة بأن تهيئ لي عذرا أداري به ما عاودني من عجز، إلا أنني تلقيتها بخزي مميت. ولعلها قرأت ما لاح في وجهي من أمارات الألم فقالت برقة: لست أعني شيئا يمكن أن يكدرك، ولكني أهفو لحياتنا الماضية ؛ كانت حياة طاهرة سعيدة!
فقلت كأنني أكمل حديثها: ولم يكن بها ما ينغص صفوك؟
فطرفت عيناها، وتجلت فيهما نظرة عطف وقالت برقة: كنا سعداء أليس كذلك؟ .. ولم يكن ينقصنا شيء على الإطلاق!
لا أدري لماذا آلمتني رقتها؟ ثم تذكرت بعض ما سمعت في إدارة المخازن فقلت: ولكن لا يمكن أن تتم سعادة المرأة إلا بهذا!
فتورد وجهها وقالت بسرعة ويقين: كلا .. كلا .. أنت مخطئ في هذا.
ورنوت إليها في حيرة! ترى أحقا تصدقني القول؟ ولكن ما عسى أن يحملها على الكذب؟! لم أكن إلا غرا جاهلا، ولن تجد كالغر الجاهل صيدا سهلا للهجة التأكيد، فأثر في قولها تأثيرا عميقا.
अज्ञात पृष्ठ