فتفرست في وجهي بإمعان وأناة، ثم قالت بهدوء: ألا تثق بي؟
فابتدرتها قائلا: معاذ الله؛ ولكني ...
وقاطعتني قائلة: إذا كنت لا تثق بي فالأولى لي أن أغادر بيتك! - رباب!
فلم تبال جزعي وقالت: إذا كنت ما تزال تثق بي فسأبقى في وظيفتي.
فقلت بتسليم: لك ما تشائين!
فقالت باللهجة نفسها: لا أحب أن أسمع كلمة أخرى عن هذا الموضوع.
وقد كان. وغادرت البيت، وأخذت أضرب في الأرض على غير هدى حتى تناهى بي الإعياء، فرجعت إلى البيت ، وتلاقينا وكأن لم يكن بيننا شيء، وتناولنا العشاء معا، ثم آوينا إلى حجرتنا والتقت أعيننا في نظرات ذات معنى.
ولم نتمالك أن انفجرنا ضاحكين، ومضينا إلى الفراش فاضطجعنا وقبلتها قبلة النوم. ولا أدري لماذا نازعتني نفسي إلى معاودة ما تعاهدنا على اجتنابه. والأعجب من هذا أنه لم تكن بي ذرة من ثقة، ومع ذلك كدت أهم .. لولا أن ردني الخوف إلى وعيي! ثم خطر لي أن أسألها عما يجعلها تقضي على نفسها بالحرمان؟ وانفجرت شفتاي ولفظ صدري القول، ولكنه جمد على طرف لساني! إنه الخوف أيضا.
50
وعندما فتحت عيني في الصباح الباكر عاودتني ذكريات الأمس، فتأملتها في دهشة، وقد خيل إلي أنه لم يكن هنالك ما يستحق كل ذلك العناء والألم. وقلت لنفسي: لو أنها مزقت الخطاب في الروضة لما علمت به أبدا، وفي هذا آية صدقها، ثم تمثلت لعيني وهي تمزق الخطاب وترمي به من النافذة، فكأنما هي تمزق قلبي وتنثر شظاياه في الهواء؛ وسرت في جسدي رعدة عنيفة، وهززت رأسي غاضبا كأني أنفض الأوهام وغادرت الفراش. ولما فرغنا من فطورنا وجلسنا على المقعد الطويل نحتسي الشاي، استرقت إليها نظرة فرأيت وجهها المحبوب هادئا باسما ينم عن جمال وسلام، فعضني الندم على ما فرط مني في حقها وقلت لنفسي: «حقا إن الشيطان غوي رجيم.» وفي اللحظة التالية لاح لي خاطر كالبرق، أليس من الجائز أن تكون قد تسلمت الخطاب في البيت وأنه لم يكن بوسعها أن تمزقه في مكان آخر؟ ولكني سرعان ما نبذته؛ إذ إنه غير معقول - كما قالت بحق - أن تبلغ الحماقة من شخص أن يرسل خطابا غراميا إلى بيت الزوج! ألا سحقا للأوهام، إن حبيبتي أهل لكل ثقة، والثقة هي كل شيء، ولولاها ما حال دون الشر حائل.
अज्ञात पृष्ठ