قد تفلت الفارياق من ناديكم. وانملص من بين أياديكم. وعنجر في وجوهكم جميعًا وأصبح لا يخاف لكم وعيدًا وبقي الآن أن أذكركم ما أشططتم به من الظلم والطغيان والجور والعدوان على أخي المرحوم أسعد. إذ أودعتموه السجن في داركم الوزيرية بقنوبين نحو ست سنين. وبعد أن أذقتموه جميع ضروب الذل والهوان والبؤس والضنك في صومعة صغيرة لزمها فلم يكن يخرج منها إلى موضع يبصر فيه النور أو يستنشق الهواء اللذين يمن بهما الخالق على الأبرار والفجار من عباده قضى نحبه وما كان سجنكم له إلا لمخالفته لكم في أشياء لا تقتضي عذابًا ولا عتابًا. وما كان لكم عليه من سلطان ديني ولا مدني. أما الدين فإن المسيح ورسله لم يأمروا بسجن من كان يخالف كلامهم وإنما كانوا يعتزلونهم فقط. ولو كان دين النصارى نشأ على هذه القساوة الوحشية التي اتصفتم بها الآن أنتم رعاة التائهين وهداة الضالين لما آمن به أحد، إذ لا أحد من الناس يصبو إلا إذا كان يرى الدين الذي خرج إليه خيرًا من الذي خرج منه. وكل إنسان في الدنيا يعلم أن السجن والتجويع والإذلال والتوعد والتأويق والتشنيع ليس من الخير في شيء. وناهيك أن المسيح ورسله أقرَّوا ذوي السيادة على سيادتهم وأمرتهم. ولم يكن دأبهم إلا الحضَّ على مكارم الأخلاق والأمر بالبر والدعة والسلم والأناة والحلم. فأنها هي المراد من كل دين عرف بين الناس. وأما المدني فلان أخي أسعد لم يأت منكرًا ولا ارتكب خيانة في حق جاره أو أميره أو في حق الدولة. ولو فعل ذلك لوجب محاكمته لدى حاكم شرعي. فإساءة البطرك إليه إنما هي إساءة إلى ذات مولانا السلطان. لأننا جميعًا عبيد له مستأمنون في أمانه وحكمه. وكلنا في الحقوق سواء إذ البطرك ليس له حق في أن يخطف من بيتي درهمًا واحدًا لو شاءه فإني له أن يخطف الأرواح وهب أن أخي جادل في الدين وناظر وقال أنكم على ضلال فليس لكم أن تميتموه بسبب هذا. وإنما كان يجب عليكم أن تنقضوا أدلته وتدحضوا حجته بالكلام أو الكتابة إذا أنزلتموه منزلة عالم تخشون تبعته. وإلا فكان الأولى لكم أن تنفوه من البلاد كما كان هو يطلب ذلك. بل أصررتم على عتوكم في تنكيله وزعمتم إن فراره من داركم مرة لنجاة نفسه كان زيادة في جناية وجريرته فزتم تجبرًا عليه وظلمًا. وكأني بكم معاشر السفهاء تقولون أن إهلاك نفس واحدة لسلامة نفوس كثيرة محمدة يندب إليها. ولكن لو كان لكم بصيرة ورشد لعلمتم أن الاضطهاد والإجبار على شيء لا يزيد المضطهد وشيعته إلا كلفًا بما اضطهد عليه. ولاسيما إذا علم نفسه إنه على الحق وإن خصمه القاهر له على ضلال. أو أنه متحل بالعلم والفضائل وقرينه عطل عنها فقد فاتكم على هذا العلم الديني والسياسي. وعرضتم عرضكم للقذف والتسويد. وذكركم للمقت والتنفيذ. ما دامت السماء والأرض أرضًا. وإن أخي ﵀ وأن يكن قد مات فذكره لن يموت. وكلما ذكره ذاكر من أهل الرشد والبصيرة ذكر معه أيضًا سوء فعلكم وأفحاشكم وغلو وجهلكم وشناعتكم وقد لعمري أخرج عنكم بموته من شيعتكم هذه المتوحمة على سفك الدم أكثر مما لو بقي حيًا. وحسبك بالخواجه ميخائيل ميشاقه الأكرم وبغيره من ذوي الفضل والبراعة مثالًا. ألم تأخذكم يا غلاط الأعناق رأفة في شبابه وجماله. ألم تتأثر قلوبكم التارزة لصفرة وجهه حين حجبتموه عن النور والهواء. وحين ذوت غضاضة جسمه وبضاضته. وحين لم يبق ترارته غير الجلد والعظم وبخلتم عليه أيضًا أن تطلقوه بهما. ألم تشفقوا عليه إذ رأيتم أنامله قد ضنيت لعوز ما كان يتمتع به حمر ديركم ولقد طالما والله أخذت القلم فخطت ما يعجب به الملوك. ولقد طالما واللًه صعد المنبر فخطب فيكم ارتجالا والعرق يتصبب من جبينه ذاك الصليت. ولا شد ما ابكي سامعيه تذكيرا وتزهيدًا. وطالما ألف وعرب لكم كتبا ركيكة وعلم حمقى رهبانكم وأخرجهم من ظلمات الجهل. ألم يغز وجوهكم الصفيقة ما كان يترقرق في وجهه من ماء الحياة فكان أشد خفرًا من مخدرة. وإنه كان عزيزا في أهله مكرما عند الأمراء محببًا إلى الخاصة والعامة. نزيه النفس. كريم الخلق فصيح اللهجة. أنيس المحضة أمثله يحبس ست سنين ويذل وينكل ويموت والله يعلم بأي شيء مات. ما بال الكنائس الفرنسوية والنمساوية والإنكليزية والمسكوبية والرومية الأرثوذكسية والرومية الملكية والقبطية واليعقوبية والنصطوية والدرزية
1 / 63