قد كنت في خدمة بعير بيعر مدة فرأيت أحد هؤلاء الكارزين قد تمكن من ابنته تمكن الزوج من امرأته. فكان يقول لها فيما يسألها عنه هل تتمجمج أليتاك ويترجرج ثدياك؟ فما للراهب ولترعد ألا يا النسوان ورجرجة أثدائهن!؟ وآخر كان رئيسا في دير فعلق بنتا في قرية بالقرب من الدير فلم تلبث أن علقت منه. غير أنه لما كان أخوه وجيها عند الحاكم خاف أبو البنت من أن يخاصمه ويفضحه. بل قد تقرر في عقول الجهلاء من أهل بلادنا أن إفشاء أمر مثل هذا مما يفتضح به عرض أحد هؤلاء النساك حرام. أيم الله أن الستر عليه حرام فإن فضيحته تردع غيره. وأعرف آخر جاء إلى قريتنا متماوتًا وقد طول كمية وأسبل قلنسوته حتى لم يكد يظهر من تحتها إلا فمه ولحيته وتظاهرا بالصلاح والتقوى. ثم أنزل نفسه منزلة خطيب في القوم. فجعل يخطب ويعظ وينذر بصوت جهير. وكان يبكي عند ذلك أشد البكاء ويذرف المدامع إذ كان جعل في منديله الذي يمسح به وجهه شيئًا ذا حرتة لا أدري ما هو. ثم آل أمره إلى أنه يقضي أيامًا وليالي مع أرملة حسناء شابة من نساء الأمراء في خلوة استذراعا بأنها تعترف له اعترافا عاما. أي من يوم انتفخ ثديها ونبت شعرها إلى ذلك اليوم. وأعرف آخر كان قد ذهب إلى رومية وكان مغفلا فكان ينام في فراشه بثيابه الرهبانية على طريقته في الدير ويوسخ الملاءة. فكان صاحب المنزل ينهاه عن ذلك. ثم لما رأى أن جميع قسيسي رومية وأعيان أئمتها من البابا إلى الكردينال إلى الراهب ينامون عريانين لا شيء يستر سوءتهم غير ملاء. الكتان الرفيع كفر بهم وصار يستحل الحلال والحرام معًا. فانظر إلى هؤلاء العباد من العباد فإنك لا ترى فيهم إلا خبيثًا منافقا. أو جاهلا مائقا. وندر وجود الصالح بينهم. أما العلم فهو محرم عليهم كلهم.
لا بأس في الرهبانية تطوعًا لا بأس إنما هي طريقة محمودة. ولكن بشرط مجاوزة الخمسين سنة. وإن يكون الداخلون فيها من أهل الفضائل والمعارف. يشتغلون بالعلم وبتهذيب إملاء إخوانهم ومعارفهم. ويحضون على مكارم الأخلاق والاتصاف بالمزايا الحميدة. ويؤلفون الكتب المفيدة وينهجون لقومهم المناهج المؤدية إلى الخير والفلاح والفوز والنجاح. لا مثل هؤلاء الذين لا يعرفون شيئًا من الدنيا سوى التقشف والرثاثة. وناهيك دليلا على جهلهم أني سألت أشدهم تحمسا أن يعيرني القاموس فظنه الجاموس. وآخر ظنه الكابوس. وآخر القاموص. فبادر يا صاح وتخلص منهم هداك الله وإلا فتكون لا من أهل الدنيا ولا من أهل الآخرة. فإن دين الجاهل عند الله ليس بشيء. وإذا بلغت الستين سنة فيها هي الرهبانية بين يديك.
فقال له كيف التخلص. قال ألك في الدير متاع فأساعدك على حمله. قال مالي سوى ما تراه عليّ. قال فامض بنا إذا فإن الرهبان الآن عاكفون على الصلاة. فخرجا من باب الدير ولم يعلم بهما أحد. فلما بعدا قليلا هنأ الفارياق صاحبه بخروجه من ربقة الجهل وقال له. لعمري لو كنت كلما أكلت أكلة عدس خلصت راهبا أو رويهبا أو بالحري راهبة أو رويهبة لوددت أن لا آكل الدهر غيره وإن أكل بدني. فجزى الله الدير خيرًا.
مقامة
مقامة في الفصل الثالث عشر
قد مضت عليّ برهة من الدهر من غير أن أتكلف السجع والتجنيس واحسبني نسيت ذلك. فلا بد من أن أختبر قريحتي في هذا الفصل فإنه أولى به من غيره. إذ هو أكثر من الثاني عشر وأقل من الرابع عشر. وهكذا أفعل في كل فصل يوسم بهذا العدد حتى أفرغ من كتبي الأربعة. فتكون جملة المقامات فيما أظن أربعًا فأقول.
1 / 39