بحر تلاطمت علينا أمواجه حين متنا من الخوف ، وحملنا على نعش الغراب ، وقامت واوات دوائره مقامع فنصبتنا للغرق لما استوت المياه والأخشاب ، وقارن العبد فيها سوداء استرقت موالينا وهي جارية ( فغشيهم من اليم ما غشيهم ) (1)، ( هل أتاك حديث الغاشية ) (2). واقعها الحرب فحملت بنا ، ودخلها الماء فجاءها المخاض ، وانشق قلبها لفقد رجالها ، فجرى ما جرى على ذلك القلب وفاض. وتوشحت بالسواد في هذا المأتم ، وسارت على البحر وهي مثل ، وكم سمع للمغاربة على ذلك التوشيح زجل. برج مائي ولكن تعرب في رفعها وخفضها عن النسر والحوت ، وتتشامخ كالجبال وهي خشب مسندة عد من المقبرين في تابوت. تأتي بالطباق ولكن بالقلوب ، لأن صغيرها كبير ، وبياضها سواد ، وتمشي على الماء ، وتطير مع الهواء ، وصلاحها عين الفساد. إن نقر الموج على دفوفها لعبت أنامل قلوعها بالعود ، وترقصنا على آلتها الحدباء فتقوم قيامتنا من هذا الرقص الخارج ونحن قعود. تتشامم وهي كما قيل أنف في السماء وأست في الماء ، وكم نطيل الشكوى إلى قامة صاريها (3) عند الميل وهي الصعدة الصماء ، فيها الهدى وليس لها عقل ولا دين ، وتتصابى إذا هبت الصبا وهي ابنة مائة وثمانين ، وتوقف أحوال القوم ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) (4) وتدعي براءة الذمة وكم استغرقت لهم من أموال. هذا وكم ضعف نحيل خصرها عن تثاقل أرداف الأمواج ، وكم وجلت القلوب لما صار لأهداب مجاذيفها في مقلة البحر اختلاج ، وكم أسبلت على وجنة طرة قلعها فبالغ الريح في تشويشها ، وكم مر على قريتها العامرة فتركها ( وهي خاوية على عروشها ) (5). تتعاظم فتهزل إلى أن ترى ضلوعها من السقم تعد ، ولقد رأيناها
पृष्ठ 111