فسلكنا طريق اليمن الميمون ، متوجهين نحو ذلك القطر المأمون ، وسرينا نقتحم مهامه وقفارا ، ولا نملك للدموع كفافا ولا للقلوب نفارا ، نجوب جيوب تلك الليلة الدهماء ، ونخبط خبط عشواء في تلك الفلاة الهيماء ، إلى أن أسفر الصباح ، فنزلنا بحمى هنالك مباح ، يقال له (البيضاء)، قد نشر من محله راية سوداء كأنه لم ينبت قط نجمة خضراء (1) فقلنا فيه ذلك اليوم ، وهيهات أن يجنح طرف إلى نوم. وفي هذا المنزل أقول :
ولقد حللت من المنازل واديا
محل الجوانب اسمه البيضاء
فارتحلنا منه إلى (السعدية)، وتبوأنا ظلالها وإن كانت غير ندية ، وهي ميقات اليمن بحذاء (يلملم) وهو ميقاتهم الذي وقته لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومنها فارقنا المشيعون ، وأخذوا يودعون ، ويودعون القلوب من الوجد ما يودعون ، فعم الغم وشمل ، وانقرف (2) جرح لم يكن اندمل. وما أحسن قول محمد بن [الحسن بن] عبد الله الزبيدي (3) من أبيات :
ما خلق الله من عذاب
أشد من وقفة الوداع
पृष्ठ 38