وسير بالفيلسوف والجارية والطبيب والقدح ، فلما وردوا على الاسكندر أمر بإنزال الطبيب والفيلسوف ، ونظر إلى الجارية فبهرت عقله ، وأمر قيمة جواريه بالقيام عليها ، ثم صرف همته إلى الفيلسوف وإلى علم ما عنده وعند الطبيب. فملأ قدحا من السمن وأرهقه حتى لم يبق للزيادة عليه مجال ، وبعث به إلى الفيلسوف ، فدعا بألف ابرة فغرس أطرافها في السمن وأنفذها إلى الاسكندر. فأمر الاسكندر بسبك الابر كرة وبعثها إليه ، فسبكها وجعلها مرآة مصقولة وأعادها. فدعا الاسكندر بطست من ماء فطرح المرآة فيه حتى رسبت وأعادها ، فجعلها طاسة طافية على الماء وأعادها. فملأها الاسكندر بالتراب وبعث بها إليه. فلما نظر الفيلسوف إليها تغير لونه وجزع ، وتغيرت صفاته ، وأسبل دموعه على صحن خده وجعل يكثر شهيقه ، وظهر حنينه ، وطال أنينه ، وأقام بقية يومه غير منتفع بنفسه ، ثم أفاق من تلك الحال وزجر نفسه وأقبل عليها كالمعاتب لها فقال : ويحك يا نفس ما الذي قذف بك في هذه السدفة ، وأصارك إلى هذه الغمة ، ووصلك بهذه الظلمة ، أنسيت وأنت في النور تسرحين ، وفي العلوم تمرحين. تنظرين بالضياء الصادق ، تنفسحين في العالم المشرق ، أنزلت إلى عالم الظلم والمعاندة ، والغشم والمفاسدة ، تخطفك الخواطف ، وتهزك العواصف ، قد حرمت علم الغيوب ، والكون في العالم المحبوب ، ورميت بشدائد الخطوب ، ورفضت كل مطلوب. أين مصادرك الطيبة وراحتك القوية؟ حللت في الأجساد ، وقوي عليك الكون والفساد ، واختلطت يا نفس بين السباع القاتلة والأفاعي المهلكة ، والمياه المالحة ، والنيران المحرقة ، والرياح العاصفة ، تسير بك الأعمار في قرارات الأجسام ، لا تشاهدين إلا غافلا ولا ترين إلا جاهلا ، جيل قد زهدوا في الخيرات ، ورغبوا عن الحسنات. ثم رفع طرفه نحو السماء فرأى النجوم تزهر فقال بأعلى صوته : يا لك من نجوم سائرة ، وأجسام زاهرة ، من عالم شريف طلعت ، ولشيء ما وضعت ، إنك من عالم نفيس قد كانت النفس في أعاليه ساكنة ، وفي خزائنه قاطنة ، وقد أصبحت عنه ظاعنة. ثم أقبل على رسول الاسكندر فقال : خذه ورده إلى الملك يعني التراب ولم يحدث فيه حادثة.
पृष्ठ 237